جريدة الجرائد

رياض الصلح بعد نصف قرن على استشهاده ذكراه تستحضر العيش المشترك والسيادة والقرار الحر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
نصف قرن كامل انقضى على استشهاد رياض الصلح في عمان. وعندما نتطلع الى يوم الاثنين عام ،1951 يا للمصادفة، كاليوم تماما، نجد ان البحر المتلاطم الذي كان يحوط الكيان اللبناني وسائر الكيانات العربية لا يزال على تلاطمه، فالعاهل الاردني الملك عبدالله الاول، الذي رفع سماعة الهاتف لينقل النبأ الحزين الى الرئيس اللبناني بشارة الخوري، هو الآخر قضى اغتيالا بعد اربعة ايام لدى دخوله المسجد الاقصى في القدس لاداء صلاة الظهر.
ويقول الشيخ بشارة الخوري في كتابه "حقائق لبنانية" معلقا على الحدثين: "(...) وجمت النفوس واخذت تتساءل: ما عساه يكون امر هذين الاغتيالين؟ وهل هناك يد اجنبية تحرك الجناة لبلبلة الشرق العربي؟ او هل هو من الاعمال الثأرية الفردية؟ مهما يكن من الامر فالاثر بالغ في عدم الطمأنينة وعدم الاستقرار في الشرق الادنى (...)". وبعد 50 عاما لا يزال عدم الطمأنينة وعدم الاستقرار هما سمة احوال هذه المنطقة. وفي العودة الى ذكرى الصلح رجوع الى ينابيع المعاناة التي أبصر فيها استقلال هذه البلاد النور، ولا يزال يواجه الاعاصير في صراع بقائه. كذلك، في ذكراه، عودة الى جذور ازمة المنطقة التي لا تزال في جلجلتها.
"النهار" استطلعت شخصيات سياسية في مقارنة بين احوال زمن رياض الصلح حتى استشهاده، وزماننا، وخصوصا بعد اتفاق الطائف، وهؤلاء السادة هم: العماد ميشال عون، الشيخ ميشال الخوري، فؤاد بطرس، النائب بطرس حرب، تمام سلام، ادمون نعيم، جورج قرم وسليمان تقي الدين.
عون
العماد ميشال عون: "ان ميثاق 1943 جرى الغاؤه من دون ان يحل مكانه ميثاق جديد. اما ما يقال عن ميثاق الطائف فلا وجود له، بدليل ان الذين ساهموا فيه يطالبون اليوم بتطبيقه. وكل ما نراه هو المساس بالعيش المشترك وتهميش فئة من ابناء الوطن، وهذا ليس عائدا الى اللبنانيين بل الى السلطة التابعة لسوريا التي تمارس نفوذها عبر اجهزة المخابرات وادوات الاتصال، وبالتالي لا قرارات في لبنان. والمسلمون والمسيحيون على السواء غير راضين عما يجري، لأن هناك الان واجهات يجري استخدامها وفق الحاجات.
اذا، ان لبنان لا يعيش حاليا في ظل ميثاق، ولا بد من ميثاق لا يهتم بالتعايش بين الطوائف فقط، بل ان يكون له بعد انساني ويتصل بقيم الالف الثالث".
ميشال الخوري
الشيخ ميشال الخوري: "اهمية رياض الصلح التاريخية انه في رؤيته للبنان، "الدولة والكيان"، خرج نهائيا، وباقتناع تام، من مفهوم لبنان الجزء من غيره، الى مفهوم لبنان الكل في ذاته. بل اكثر اصبح محامي الدفاع الابلغ عن هذه الرؤية تجاه اللبنانيين و"خصوصا المسلمين"، وتجاه العرب، وتجاه العالم، هذا الخيار الوجودي في فلسفته السياسية شكل في التقائه رؤية بشارة الخوري اللبنانية المدماك الاساس لاستقلال لبنان وسيادته وكلفه حياته. ولكن سيبقى هذا الخيار، وهذا الاساس، اليوم وغدا القاعدة الصلبة والوحيدة لبقاء لبنان السيادة والاستقلال والحرية".
بطرس
الوزير السابق فؤاد بطرس: "في ذهن ابناء جيله، يمثل الرئيس رياض الصلح رمزا وقدوة على السواء في الوطنية والرؤية والجرأة والاخلاص في عالم السياسة. وهو بالتعاون مع الرئيس بشارة الخوري من الاباء المؤسسين للبنان الحديث السيد المستقل.
تمتزج ذكراه بالحنين الى ما نادى به وحققه في هذا المضمار، اكان الميثاق الوطني ام الوفاق ام العيش المشترك، فيما أمّن التوفيق، بل التكامل، بين الكيان اللبناني السيد المستقل وانتمائه العربي، في اطار تمثل في حينه في جامعة الدول العربية والتضامن في وجه اسرائيل من جهة، وفي تنظيم المصالح المشتركة بين لبنان وسوريا، بموجب اتفاقات ثنائية متوازنة تعكس روح الاخوة الصافية، من جهة اخرى.
كل ذلك، في ظل نظام ديموقراطي ليبرالي له خصائصه المميزة.
اجل، كان الرئيس رياض الصلح يطمح الى بناء دولة الاستقلال والقانون، لكن الظروف الموضوعية والانسانية لم تساعده في ذلك، مع الاشارة الى ان هذا الحلم لا يزال يراود اهل الحكم، فيصطدمون باعتبارات متنوعة تعرقل تحقيقه، منها ما يمت الى ذهنية الطبقة السياسية تحديدا، ومنها ما يتصل بذهنية المواطنين. ولنا في محاولة الرئيس رياض الصلح خير دليل على ذلك.
لبنان يفتقد امثال رياض الصلح، ولا سيما عندما يواجه المحن. تلك المحن التي لم توفره على مدى العقود الثلاثة الاخيرة. فعسى الا تغيب ذكراه وما تختزنه من تعاليم ومواقف وعبر عن اذهان المواطنين واهل السياسة الى اي فئة انتموا".
حرب
النائب بطرس حرب: في ذكرى غياب رياض الصلح تفرض الامانة التاريخية علينا الاقرار بأنه لولا رياض الصلح ورفاقه، ولولا روحهم الوطنية والقيادية التي استطاعت اطلاق تيار الاستقلال لتعثّر قيام دولة لبنان. والحقيقة، انه لو غاب، في تلك الحقبة من تاريخ لبنان، رياض الصلح وامثاله لسقطت تجربة اعلان استقلال لبنان ووحدته وسيادته، ولبقي اللبنانيون منقسمين بين مطالب بدولة تحت الحماية الفرنسية ومطالب بسوريا الكبرى وانضمام لبنان اليها.
يومذاك كان رجال الاستقلال في سباق مع الدولة المنتدبة وفي سباق مع التطورات، كانوا امام خيار بين نجاحهم في الاتفاق على لبنان المستقل النهائي، وفشلهم في ذلك واستمرار الانتداب وسقوط لبنان الكبير الموحّد.
لم يتوقفوا آنذاك عند كيفية حكم لبنان وصيغة النظام السياسي للبنان، او عند دور اللبنانيين، بكل طوائفهم ومناطقهم وفئاتهم واحزابهم، في حكم لبنان; كانوا في سباق مع الزمن، خوفاً من ان تفوتهم فرصة الاستقلال، فما كان منهم الا ان اتفقوا على ما سمّي الميثاق الوطني الذي بقي اتفاقاً غير مكتوب، وانحصر اعلانه في البيان الوزاري، الذي القاه رياض الصلح امام مجلس النواب، والذي تضمن توجهات اللبنانيين المبدئية وتصميمهم على الحياة المستقلة المشتركة ورفضهم للبنان الخاضع للحماية الفرنسية او المذوّب في دولة عربية كبرى.
التقى مجلس النواب وعدّل الدستور، وألغى كل النصوص المتعلقة بالانتداب الواردة فيه، واكتفى بذلك. وكان على اللبنانيين ان يجدوا في الممارسة صيغة الحياة المشتركة، وصيغة النظام السياسي التي تكرّس المشاركة في الحكم، مشاركة كل الناس، كل الطوائف، كل المناطق.
اعلن الاستقلال عام 1943 وانطلقت ورشة بناء الدولة السيدة الموحدة الحرة، دولة القانون والمؤسسات والعدالة. ويخطئ من يعتقد ان الورشة كانت بسيطة او سهلة التنفيذ. وللاسف الكبير نجح اعلان الاستقلال وسقط مشروع بناء الدولة، وشاء القدر ان يسقط رياض الصلح، احد ألمع فرسان الاستقلال عام 1951 فخسر لبنان، ومشروع بناء دولته، احد اهم اركانه ومهندسيه وملهميه. وبدلاً من ان يتحصن الاستقلال المعلن ببناء دولة القانون والمؤسسات، قامت دولة المصالح والطوائف والمذاهب، وبالتالي قام مجتمع التجاذب والتناحر والتباعد والخلاف. وعند اول منعطف انفجر الوضع وضاع الحلم واستبيح لبنان، وشارك ابناؤه بإباحته للآخرين، وكاد ان يتناثر ويسقط وينقسم على نفسه، لولا البقية الباقية من ايمان ابنائه، من غير تجار الهيكل فيه، ولولا التقاء المصالح الدولية على انقاذه من الهلاك، فكان اتفاق الطائف الذي جاء يكمّل ما لم تسمح الظروف بتحقيقه عام ،1943 ويوّضح صيغة النظام السياسي الذي يشعر كل اللبنانيين بالارتياح لمشاركتهم في تقرير مصيرهم وفي ادارة شؤونهم.
فالحاجة الى استعجال اعلان استقلال لبنان عام 1943 هي التي فرضت وقوع اللبنانيين في خطأ عدم توضيح صيغة الحكم الداخلية، وهو ما ادى الى تعرّض لبنان للاخطار بسبب انعدام وحدة ابنائه، والحاجة الى انقاذ لبنان من التفتت والسقوط عام 1989 هي التي فرضت ايضاً على اللبنانيين سدّ الثغر التي بقيت في الميثاق الوطني بما تضمنته وثيقة الوفاق الوطني من اتفاق على صيغة الحكم الداخلي لدولة لبنان وعلى مشاركة الجميع في الحكم، وعلى اعادة تكريس نهائية لبنان كوطن لجميع ابنائه واستقلاله الكامل وسيادته على كل اراضيه.
الا ان ما تجدر ملاحظته ان الحاجة اليوم الى امثال بشارة الخوري ورياض الصلح ورفاقهما قد تكون اكبر من الحاجة اليهم عام ،1943 اذ ان الروح الاستقلالية الواضحة التي سادت لدى قادة لبنان، في وجه فرنسا الدولة الاجنبية المنتدبة وسوريا الدولة العربية الشقيقة في الوقت عينه، والتي انجحت تجربة عام ،1943 هذه الروح نفتقدها اليوم لدى الكثيرين من قادتنا السياسيين، والذين اصبحوا غير قادرين على التمييز بين الاستقلال والاستعداء من جهة، والاخوة والتبعية من جهة ثانية.
اليوم، نشعر بالحاجة الى قادة يملكون الشجاعة لاتخاذ الموقف الوطني في مواجهة كل الظروف وكل الدول، في وجه العدو الاسرائيلي الذي لا يزال يحتل جزءاً من ارضنا المقدسة ويعتدي يومياً على سيادتنا حتى انجاز التحرير الكامل وحتى استعادة الحقوق العربية المسلوبة، وفي وجه الصديق والشقيق من دون مركبات نقص او عقد تقعدهم عن المجاهرة بحقوق دولتهم في علاقتها مع اشقائها.
اليوم نحتاج الى قادة، لهم من الجرأة والصدقية والتجرد ما يسمح لهم بالتصرف مع الشقيق العربي على قدم مساواة، ومن دون خوف على مركز يفقدونه لأن المركز الذي يشغلون ليس نتيجة استحقاق او جدارة بل منة من الشقيق، ومن دون خشية على نفوذ يتمتعون به، لأنه منح لهم نتيجة الطاعة والانضباط والولاء لمن اولاهم هذا النفوذ.
اليوم نحتاج الى من هو قوي في شعبه ودعم مواطنيه، الى من لديه القدرة على قول كلمة الحق في كل مكان وزمان.
اليوم نشعر بالحاجة اكثر من كل وقت مضى الى كبار من لبنان، كبار في عقولهم وضمائرهم ووطنيتهم كرياض الصلح، كبار في احترام الامم والشعوب لهم ولمواقفهم ولمبادئهم ولمسلكيتهم، ليعلنوا ان للعلاقات اللبنانية - العربية عامة، وللعلاقات اللبنانية - السورية خاصة، حدوداً تقف عند احترام كل دولة مقومات الدولة الشقيقة الاخرى، ولاسيما استقلالها وسيادتها وقرارها الوطني الحر وعدم التدخل في شؤون الدولة الاخرى الداخلية، وان كل علاقة تتجاوز هذه الحدود هي علاقة فاسدة سيئة مضرة بمصلحة كل من البلدين، وأنها علاقة تؤسس لأحقاد وتباعد بين الشعبين والدولتين.
فالى روح رياض، الذي لم اعرفه شخصياً، بكل اسف، اتطلع، والى مثاله ادعو المسؤولين الى التشبه لعلّنا في العودة الى بناة الاستقلال، وفي سبر غور نياتهم والتزام مبادئهم نستطيع ان نستعيد لبنان الذي نفقد، والذي يجب ان ننقذ مهما غلا الثمن.
سلام
النائب السابق تمام سلام: "ان استعادة ذكرى الرئيس رياض الصلح واجبة في كل زمان اذا ما اردنا ان نتزوّد العبر القيمة في مسيرة بناء وطننا الحبيب لبنان. فالدروس والعبر كثيرة على مستوى الحنكة السياسية والقدرة الذاتية للرئيس الصلح في التعاطي اليومي مع المستجدات والمتغيرات الجيوسياسية التي حكمت مرحلة ما قبل الاستقلال وما بعده.
وكان المهم في نظري الاجواء والمناخات التي سادت في تلك الحقبة، من تحديات مصيرية واجهت قادة البلاد.
لقد تميز الرئيس الصلح بروح الشجاعة والاقدام المبنية على منهجية منفتحة وصريحة في التفاعل مع الاحداث. فكانت مواقفه واضحة ومجاهرة بالحق والحقيقة. وكانت كلماته تشكل وقعاً موثراً في آذان الناس وعقولهم، والذين ارتاحوا الى قيادته ومنحوه كل ثقتهم، ومكّنه ذلك من اتخاذ قرارات مصيرية، وخصوصاً في اطار معركة الاستقلال.
ان المكانة المعنوية التي ميّزت رياض الصلح في كل الاوساط السياسية، والمنطلقة من روح التضحية والعطاء، وكذلك وضوح في الاهداف الوطنية البعيدة عن التعصب والانغلاق، أسّسا لمدرسة رياض الصلح الوطنية التي كان عمادها الوحدة الوطنية وعروبة لبنان واستقلاله. وقد ذابت امامها كل الفروقات والتباينات التي زرعها المستعمر في نفوس اللبنانيين، من آفة خبيثة، هي الطائفية السياسية. هذه الآفة التي نخرت جسم المجتمع اللبناني بكل فئاته، وكانت السبب الرئيسي في ما ابتلي به لبنان من حرب مدمرة افقدته مكانته المميزة في محيطه والعالم.
ان لبنان اليوم، وأكثر من كل يوم مضى، في حاجة الى استعادة ذكرى الرجل العظيم والقائد الفذ رياض الصلح، لنخطو خطوات جديدة وثابتة في اتجاه الغاء الطائفية السياسية التي تم التمهيد لها في "اتفاق الطائف"، هذا الاتفاق الذي اعتبره ميثاقاً جيداً يستكمل ما بدأه ميثاق .1943 وهو في حاجة الى متابعة في التطبيق ليتحول الحلم حقيقة، وتتحول ذكرى رياض الصلح ذكرى انتصار نهائي على التفرقة والفتنة في وحدة وطنية راسخة يستحقها لبنان واللبنانيون. وعندذاك يكون الفوز الاكبر في بناء لبنان الجديد، لبنان الاجيال الصاعدة والمستقبل الزاهر".
نعيم
الدكتور ادمون نعيم: "ان الميثاق الوطني الذي تم في عهد الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح كان غير مكتوب انما جرت له شروح عدة، حتى ان بعض المسؤولين، ان لم يكن جميعهم، وحتى بعد غياب الخوري والصلح، اعتبروه موجوداً، انما انا شخصياً، حتى في النصوص التي اوردوها لهذا الميثاق، لا اعتقد انها تثبت الوضع الذي شاءه الرئيسان. وحتى الآن عندما يتكلمون عن ذلك الميثاق فان الشواهد التي يوردونها لا تبدو قاطعة بالنسبة الى التفسيرات في هذا المجال. بمعنى آخر ليس هناك من اشياء تفرض نفسها قواعد زعموا انها موجودة. واذا كانت موجودة في الكلام فهي غير موجودة كقواعد يمكن تطبيقها كنصوص دستورية وقانونية.
ان رياض الصلح ترك تأثيراً كبيراً في بلادنا وجعل ثقة اللبنانيين بوطنهم عميقة، ولو ان ذلك لم يترجم قواعد اساسية تجعلهم يحترمون دولتهم.
ان رياض الصلح كان محامياً، وتدرج في مكتب والدي وديع انطون نعيم الذي كان نقيباً للمحامين 4 مرات. ولما طُلب تسجيل الصلح في جدول المحامين في الاستئناف رفض النائب العام الفرنسي ذلك، فدعا والدي الى الاضراب مما ادى الى فرض تسجيله في جدول الاستئاف. وهذا ما سمعته من والدي، وكنت آنذاك في الثانية والعشرين من العمر، وككل شاب كنا نتطلع الى رجالات السياسة فكنا نرى في الصلح رجلاً كبيراً جداً".
قرم
الوزير السابق جورج قرم: "مما لا شك فيه ان رياض الصلح رمز بارز في تاريخ لبنان، وفي تأكيد استقلال الكيان اللبناني في ظروف صعبة للغاية، ظروف ازالة الاستعمار وتعنت القوى الاستعمارية في المحافظة على هيمنتها على مقدرات لبنان وسياسته. وانا اعتقد ان رياض الصلح، بمساهمته الاساسية في وضع الميثاق الوطني، مثّل فكراً متقدماً للغاية في اطار الظروف التي كانت سائدة حينذاك، لان الميثاق الوطني بالفعل صيغة متقدمة جداً، اخرجت لبنان من الدوامة التي كان انشأها الاستعمار الفرنسي لابقائه ضمن هيمنته وسيطرته. فهو، مع الشيخ بشارة الخوري ومع النخبة السياسية التي كانت حولهما، تمكنوا من ايجاد صيغة يطمئن اليها كل اللبنانيين.
انما المشكلة اصبحت بعد ذلك في تدهور مستوى الفكر السياسي في لبنان وفي تغلب الروح الطائفية على روح الوحدة الوطنية المؤسسة في الميثاق الوطني، الا في مرحلة اللواء فؤاد شهاب الذي جدد روح الميثاق الوطني، انما خارج التجربة الشهابية فإن الطائفية قد ساهمت في انحطاط الفكر والشعور الوطنيين في لبنان، فالتقوقع الطائفي اصاب كل الكيان اللبناني ودخل لبنان في مآسي الحرب الطائفية الشعواء، التي عصفت بالبلاد. وانا لا اعتقد ان اتفاق الطائف قد اعاد روح الميثاق الوطني الى البلاد وطوّر فكرة الميثاق نحو مزيد من التحرر من الطائفية، بل بالعكس الذي حصل هو ان اتفاق الطائف ابقى البلاد في المعادلات الطائفية التي تسودها منذ عهد الاستعمار. فنحن لم نخرج فعلياً مما اسميه انا "حكم القناصل" على لبنان وحكم القوى الاقليمية والدولية على الكيان اللبناني. ورجائي في هذه المناسبة، وهي ذكرى اغتيال الزعيم اللبناني الكبير، ان نتسلح بالروح العالية وبالحنكة السياسية اللتين كانتا لدى رياض الصلح".
تقي الدين
المحامي سليمان تقي الدين: "كنا لزمن نعتقد ان رجالات الاستقلال تسببوا بما آل اليه وضع لبنان من انهيار، لانهم لم يوفقوا في بناء الدولة، لكننا اليوم نشهد لهم بالكثير من السلوكيات والقيم التي كانت تحفظ عناصر اللحمة في المجتمع الوطني وتعصمه عن الاحتراب. لاننا اليوم نشهد على رجالات الدولة القائمين بتدبير امورها بما يفعلون وبما يؤول اليه الوضع من انحدار مريع للقيم والسلوكيات والمفاهيم التي تفعل فعلها بأولويات المجتمع وليس الدولة فقط (..)
بهذا المعنى تقف قامة رياض الصلح كشاهد كبير على روح الاقدام الوطني، على روح الشجاعة التي املت على هذا القائد العربي ورفاقه ان يجترحوا تلك التسوية الوطنية مع شركائهم في الوطن حتى لو تعرضوا الى نقد في شارعهم او في اجوائهم السياسية السابقة. وانني، اذ اتابع تاريخ تلك الحقبة لا استطيع الا ان اتذكر كيف ان هؤلاء الرجالات رفعوا شعار الاستقلال واعتبروه اولوية على القيم الاخرى، لانه بأي معنى ان تكون العروبة في لبنان من دون استقلال، وبأي معنى يمكن ان يكون هناك وطنية من دون لبنان موحد. هاتان كانتا الاشكاليتين. ونشهد لرجالات الاستقلال، وفي طليعتهم رياض الصلح، ومعه تلك الدوحة الصلحية، واولئك المثقفون الذين ساهموا في بلورة الميثاق الوطني ولو انه غير مكتوب، هؤلاء نستحضرهم ونستلهمهم اليوم، ونفتقدهم في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان". (النهار)
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف