الديمقراطية لماذا ؟ وما هي الليبرالية ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فليسمح لي السادة القراء أن أبدأ بتعريف الليبرالية من أجل عيون بعض من يقول أن الليبرالية والديمقراطية تتعارضان أو من يستخدم التقية السياسية من الأسلاميين.. و الليبرالية كفلسفة كانت من اهم أسباب انتشار الديمقراطية في العالم الغربي.. أما من الناحية الاقتصادية فهي تقبل بتواجد أحزاب تميل الي اليسار وتتداول معها السلطة في اللعبة الديمقراطية.. وبما أن الليبرالية هي في الاساس كلمة غربية..فليسمح لي السادة القراء وضع تعريفها الأصلي باللغة الانجليزية وليس مفهوم البعض لها باللغة العربية ممن لا يقرا جيدا ويتهم الجميع أنهم لا يقرأون..
Liberalism
1.In POLITICS، : a belief in tolerance and gradual reform in، religious، or political matters
2Stressing individualism، a political ideology beginnings in Western Europe that rejects authoritarian government and defends freedom of
speech، association، and religion، and the right to own property.
وطبعا أتوقع ممن أكتب لهم هذا المقال خاصة أن يستطيع قراءة هذا التعريف بالأنجليزية.. ويستطيع أن يرجع لهذا الرابط أن أراد الاستزادة وهو موقع موسوعة ستانفورد للفلسفة..
http://plato.stanford.edu/entries/liberalism/
الليبرالية ليس لها اي علاقة بالانحلال الخلقي وزواج المثليين ولا تأخذ اي موقف عدائي من الدين... في الاصل هي تصف الانسان واسع الأفق الذي يتقبل الاختلاف ويتعايش مع المختلف معه دينيا وعرقيا..
وفي انجلترا أم الليبرالية الكلمة تعني التسامح الديني والحكم باختيار الشعب والحرية الاقتصادية.. فأين التعارض مع الديمقراطية.. اليست هذه المباديء هي أمل الانسانية ومفكريها وفلاسفتها
والديمقراطية والليبرالية ليس بينهما أي تناقض بدليل وجود الاحزاب الليبرالية الديمقراطية في أوروبا وهذه الاحزاب تميل في اوروبا الي العدالة الاجتماعية رغم توجهها ناحية اقتصاد السوق الحر..
أما عن رؤيتي الشخصية للديمقراطية وسبب نجاحها وحاجتنا لها فقد كتبتها من قبل وقد يعتبرها البعض رؤية فلسفية وقد يعتبرها البعض رؤية تخريفية.. و لكني أعيد نشرها في هذا التوقيت بمناسبة ارتفاع سقف المطالب الديمقراطية في مصر وعلو صوت ونبرة المطالبين بها ولهم كل الحق و أن شاء الله سيحصلون علي هذا الحق وفي نفس الوقت علو نبرة من يعتبرونها(و للأسف) تتعارض مع تراثنا الديني..
وقد أكون من أكثر من يكتب عن الديمقراطية كأمل لنا في مستقبل أفضل.. وأنا فعلا اعتبرها من أنجح نظم الحكم وأنها الأمل الذي يضمن مستقبلا مستقرا.. ولكن من منطلق مختلف تماما عن منطلق التعريفات النظرية البراقة.. اني انطلق في نظرتي الي الديمقراطية من واقع الانسانية المؤلم والقسوة الكامنة في النفس البشرية..
و لعل السياسي البريطاني المحنك ونستون تشرشل كان محقا عندما قال أن الديمقراطية اقل نظم الحكم شرا وليس افضلها.. فلم ولن يوجد نظام الحكم الافضل أو اليوتوبيا.. وسيظل هذا النظام حلما يداعب خيال البشر.. شعرائهم ومفكريهم وفلاسفتهم......
والحقيقة أنني لا أعتبر الديمقراطية ايديولوجية ولا حتي نظرية.. أنها مجرد نظام عملي لتسيير الحكم وأدارة الدولة.. فهي في الحقيقة ليست حكم الشعب لنفسه من خلال انتخاب ممثلين له وهو التعريف الشائع لها.. وهي ايضا ليست فقط نظام الحكم الذي يقوم علي التعددية الحزبية والانتخابات الحرة والفصل بين السلطات وسيادة القانون كما يحب الغرب وخاصة مفكري أمريكا ان يكون هذا تعريفهم الليبرالي لها..
لأن الشعب لم ولن يحكم أبدا حتي في النظم الديمقراطية ولكن الصفوة هم دائما من يحكمون....
لأن الحقيقة في رايي وهو راي لا أدعي اطلاقا انه صائب 100% ولكن أومن بصحته بنسبة كبيرة.. أنه لم يوجد أي نظام حكم منذ ان بدأ التاريخ او بدأ الانسان تدوين التاريخ كان يحكم فيه الشعب نفسه.. مهما كانت الراية التي يحملها هذا النظام.. دينية.. علمانية.. شيوعية او راسماليه.. وحديثا راية الديمقراطية..
في كل نظم الحكم علي مدار التاريخ كان الصفوة هم من يحكمون.. والفرق بين الديمقراطية وغيرها من نظم الحكم.. ان في الديمقراطية الصفوة هم من يحكمون نعم.. ولكن باختيار العامة.. الصفوة يتنافسون فيما بينهم علي اصوات العامة.. وهذا هو السبب الحقيقي لنجاح الديمقراطية.. وليست الشعارات البراقة عن الحقوق والواجبات...
ان الديمقراطية الحديثة هي الابنة الشرعية للصفقة السياسية التي عقدها النبلاء الانجلوساكسون ذوو الدم البارد والعقل البراجماتي مع العامة والتي ضمنت لهم الاستمرار في الحكم في مقابل اعطاء هؤلاء العامة بعض الحقوق وتجنب ثورتهم.. و الحق الاهم الذي تطور بالتدريج مع الزمن الي الديمقراطية الحديثة.. هو حق العامة في الاختيار بين عدة متنافسين من الصفوة..
وقد استطاع هؤلاء النبلاء بهذا العقل الانجلوساكسوني البراجماتي والذي امتد الي الولايات المتحدة.. تجنب الثورات الشعبية للعامة مثل الثورة الفرنسية وما صاحبها من أهوال.. والثورة البلشفية في روسيا والتي اوصلت الشيوعيين الي الحكم..
الماجنا كارتا أو الوثيقة المكتوبة لهذه الصفقة – قائمة "الحقوق" التي منحها شقيق الملك ريتشاد "قلب الأسد" لنبلاء البلاط الملكي الإنجليزي ثم للشعب بعد ذلك، ووفقاً للمعايير النظرية هي ضد حقوق الإنسان؛ لأنها لا تساوي بين المواطنين وتعطي النبلاء حقوقاً تميزهم على غيرهم، لكنها وفقا للواقع في هذا الوقت تعد فتحاً حقوقيا ينظم العلاقات الإنسانية وفقاً لحقوق واضحة مكتوبة يلتزم بها الجميع: النبلاء أو الصفوة و العامة، ورغم كل ما حدث من تطورات وثورات وحروب تظل الماجنا كارتا هي الاساس الحقيقي للديمقراطية.. وسبب نجاحها.. وثيقة اتفق علي بنودها الطرفان.. يحكم علي اساسها النبلاء ويحصل من خلالها العامة علي بعض المكاسب من خلال حقهم في اختيار من يحمكهم من هؤلاء النبلاء.. من يعطيهم مكاسب أكثر يختارونه.. هكذا بكل بساطة.. والحقيقة ان العامة وافقوا علي هذه الصفقة لآنهم علي الاقل يحصلون علي شيء والنبلاء ايضا وافقوا لان هذه الصفقة جنبتهم الثورات الشعبية التي كانت تحدث من وقت لآخر وتطيح برقاب بعضهم...
هذه هي حقيقة الديمقراطية بدون رتوش ولا ماكياج فلسفي او ثقافي.. وهذا هو السبب الحقيقي لنجاحها.. حصول العامة علي بعض المكاسب كان حصولهم عليها في اي نظام حكم آخر غير مضمون ويتوقف علي الحاكم الفرد..أن كان انسانا عادلا حصلوا علي بعضها.. ولكن مثل هذا الحاكم كان دائما يمثل الاستثناء وليس القاعدة..
الذي تغير عبر هذه القرون فقط هو تعريف الصفوة.. وليست الصفقة في حد ذاتها.. فهذه الصفوة كانت تمثل في الماضي طبقة النبلاء من الاقطاعيين وملاك الاراضي والذين توارثوا امتيازاتهم.. رغم أن بدايتهم بدأت عندما تكونت طبقة السادة والعبيد.. السيد اصبح سيدا لأنه كان مستعدا ان يجازف بحياته لأثبات تفوقه وسيادته علي الآخرين ومن نجي من الموت في هذه المجازفة اصبح سيدا واستمد قوته هو ونسله فيما بعد من عبيده.. وهم للأسف نسل من تغلبت عليه غريزة البقاء فآثر الحياة والبقاء تابعا علي الموت في معركة اثبات الذات....
ومع الوقت والثورة الصناعية تطورت طبقة النبلاء من ملاك الاراضي الي الطبقة البورجوازية التي تملك المال ووسائل الاعلام والتي يخرج منها المتنافسين علي الحكم في هذا النظام..
ولكن في نفس الوقت حدث تغيير هام في تعريف من هم الصفوة الذين يحق لهم التنافس علي مقعد الحكم في المنظومة الديمقراطية.. حدث هذا التغيير بسبب الثورات الشعبية خارج الحزام الانجلوساكسوني والذي لم تجيد فيه طبقة النبلاء قواعد اللعبة.. وبسبب كتابات صفوة من المفكرين والفلاسفة من اتجاهات مختلفة امثال فولتير وجان جاك روسو وهيجل وماركس وانجلز ونيتشة..
اصبح تعريف الصفوة الاساسي هو هؤلاء الاشخاص الذين يملكون أمكانيات شخصية خاصة (كاريزما ) وقدرة علي اقناع وقيادة الجماهير وركوب الموجة في لحظة ارتفاعها.. صفوة تكونت من خلال ثورات العامة في فرنسا وروسيا والمانيا.. ووجدنا نابليون يصل الي الحكم وليس منظري الثورة الفرنسية ولينين وليس منظري الشيوعية من عينة ماركس.. وهتلر وليس نيتشة صاحب فلسفة القوة والانسان السوبر..
وهنا اثبتت البورجوازية ذات الاصل الانجلوساكسوني مرة أخري قدرتها البراجماتية وقدرتها علي التطور ووعت الدرس جيدا.. فاصبحت تتبني هؤلاء النوعية من الصفوة والذين تطور اسمهم الي الساسة ومن خلال تكوين الاحزاب التي تفرز هؤلاء الساسة.. ليصبحوا هم واجهة الطبقة البورجوازية التي تتنافس علي الحكم.. الساسة اصبحوا هم ممثلي النبلاء الذين كانوا يتنافسون سابقا علي الحكم.. اصبح من يحكم هم تاتشر او بلير.. كلينتون او ريجان.. وهم في الحقية مجرد واجهة لطبقة النبلاء القديمة.. وهم يتنافسون فيما بينهم علي الحصول علي اختيار العامة لهم مقابل أعطائهم مكاسب اكثر والشعب راضي بقواعد اللعبة.. لأن البديل هو نظم قد ترفع شعارات براقة وجميلة تصب في مصلحة الرعاع... ولكن تظل الحقيقة كما هي.. الصفوة هم من يحكمون وهم من يحصلون علي الجزء الاكبر من الكعكة وان لم تكون هناك اصول للعبة كما هو الحال في الديمقراطية يترك فيها السادة جزءا من الكعكة للرعاع.. فقد لا يحصلون منها علي أي شيء..
والصفوة البورجوازية كانت من الذكاء انها وضعت قواعد اكثر للعبة تضمن من خلالها الا يتسلط عليها الساسة وهو عدم بقاء اي منهم في الحكم مدة طويلة حتي لا يقلب الطاولة علي رؤوسهم.. ويخرج منهم من هو مثل لينين او هتلر أو عبد الناصر او صدام لأن مثل هؤلاء الزعماء في الحقيقة يعتبرون الجميع عبيدا ولا يصبح هناك سيد الا هم.. وضعوا قواعد لها اسمها الدستور.. ليحمي هذه الصفقة القانون المستمد من هذا الدستور.. كما يحمي هذا الدستور وبالتالي الصفقة القوات المسلحة.. وأخراجها من حلبة الصراع مقابل الحصول علي مكاسب حارس الامن....
هذه هي حقيقة الديمقراطية.. وحقيقة سبب نجاحها.. وحقيقة انها رغم كل شيء اقل نظم الحكم شرا.. انها صفقة قديمة بين النبلاء والعامة تتطورت مع الزمن الي صورتها الحالية.. صفقة يحكم فيها الصفوة باختيار العامة مقابل التنازل لهم عن بعض المكاسب..
صفقة اخترعتها الثقافة الانجلوساكسونية وطورتها الي صورتها الحالية ومن خلالها ولمدة قرون طويلة سيطرت علي العالم الامبراطورية البريطانيه ثم ابنتها الشرعية الولايات المتحدة في القرن الماضي والحالي.. وهي صفقة ستبدو هي المسيطرة لوقت طويل لرضي طرفي الصراع الدائم منذ بدء التاريخ علي نتائجها.. صراع السادة والعبيد
أن الحقيقة يا سادة أن من يحكم وسيظل يحكم هم الصفوة.. حكموا في كل نظم الحكم التي عرفتها الشرية.. ولكن ما يجعل الديمقراطية هي اقل هذه النظم شرا.. هو ان هؤلاء السادة وافقوا في لعبتها ان يتنازلوا لنا نحن العامة عن بعض المكاسب في مقابل ان نشارك في لعبة اختيار من يحكمنا منهم....
يؤسفني قول رأيي الذي قد لايرضي من يعتبرونني زميلا لهم من الليبراليين.. وأؤكد لهم و أطمئنهم في نفس الوقت انني لا اري منافسا للديمقراطية في المستقبل المنظور.. الحقيقة أن الليبرالية هي الفلسفة الحقيقية.. والديمقراطية هي الحل الوسط والعملي البراجماتي.. بين الحالمين من الفلاسفة والغلابة من الشعب وبين طبقة الحكام الذين لم يتغيروا منذ بدء التاريخ....
عمرو اسماعيل