ما العلاقة بين الإفتراض الضمني واقصاء خطاب الآخر...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
... او إقصاء الآخر من الخطاب المشترك؟
هذا التساؤل يفرض نفسه حاليا على الدراسة اللغوية في سياق سياسات أو ضرورات الدمج و الإندماج مع الآخر و ضرورة إزكاء روح التعامل النقدي في إطار العولمة. واتناول فكرة الإفتراض الضمني وفقا لتصور اوزفالد ديكرو في كتابه كلمات الخطاب والإفتراض الضمني بالنسبة للكاتب هو مجموع التلميحات التي توحي بها المقولة دون ان يتم التعقيب عليها لأنها لا تذخل في موضوع الحجاج اي انها لا تذخل في سياق الحديث ولا تسيطر على وجهته. فانا حين اقول مثلا ان فلانا توقف عن عمل ما فإن الإفتراض الضمني هو انه قام بذات العمل مرارا في الماضي و أنا افضي اذن بمعلومتين احداهما موضوع الحديث « التوقف عن العمل« وأخرى ضمنية . إن الإشكال المطروح هو كالتالي ، ما وقع هذه المعلومات الضمنية على العلاقة بين المتحدثين وعلى المشاركين بالإنصات والذين يشكلون بالتالي طرفا قائما بذاته خصوصا في حالات و صول الحديث اليهم عن طريق الإعلام في ظروف قد تغيب فيها الشفافية بالنسبة لهدف الكلام نفسه. اننا حين نطرح هذه الأسئلة نعرج طبعا عن ازمة الموضوعية في تناول المواضيع ذات الوقع الجماهيري الكبير و نشير الى الإستعمال المؤارب و المراوغ بحثا عن مصلحة ما. و ما دام الكلام نفسه يتم التلفظ به في ظروف لا يمكن نقضه او الطعن فيه فإن الخطر الحقيقي يأتي من عدم تكافئ الحظوظ في سلطة الخطاب. و مهما كان ما نسميه بتمثيلية الأغلبية قويا فإن التأثير المباشر يصدر عن اقلية تتفنن في تقنيات التقليب عبر المعاني الضمنية المفترضة و يقيها الضمني كما يقول اوزفالد ديكرو من مسؤولية الخطاب ما دامت توحي بالمبطن و لا تنطق به عبر الإفصاح. فعملية التبطين تزعم بموافقة المستمع للأمر الضمني المضمر فتقصي في ذات الوقت خطابه المعارض. فقولك انا و اخي فلان سنقوم بكذا يوجه الخطاب الى المستقبل والى المشروع و يدينك لسانيا و معنويا إن قفلت راجعا الى ما يعتبره الكلام حقا مكتسبا و هو الأخوة نفسها. و طبعا فإن هذا المسلك اللغوي يؤازر نفسه بشتى أنواع المقولات التي تحكمها الأفكار المسبقة، هكذا يضمن الخطاب اجترار الماضي و يقي نفسه مناقشة المسلمات و يرفض التغيير. إن العودة الى المسلمة المحصنة بالضمني تجعل من ناقضها شخصا متطفلا على القول ما دام يترك موضوع الحجاج ليعود الى مسلماته. و مهما كان هدف هذا« الطفيلي» ارساء الحوار على اسس صحيحة قبل التوغل فيه فإن مناقشته للمسلمة تزعج خطية الخطاب و يدان بتهمة القفز من الديك الى الحمار كما يقول الفرنسيون. و قد يقال له ببساطة انت خارج عن الموضوع و ليست هذه بالنقطة التي نتناولها اليوم أو لكل مقال مقام، ويظل المقال يبحث عن المقام الى يوم الدين!! إن تقنية الخطاب و الحجاج القائلة بالخطية و الموضوع المتناول المحدد الأهداف في كل المداخلات يقي نفسه من المفاجأة. هكذا ترى الخطباء يحضرون اقوالهم بمعونة و يضعون لها إطارات تحمي من النوافذ و الثغرات التي لا تتحملها كل السلط سواء كانت سياسية أو أدبية وهكذا يفضي مبدأ الحماية بكل بساطة الى قاعدة الإقصاء. فالهدف من الموضوع -الا في حالات قصوى من العلمية التي تضع الإحتفاء بالمصلحة جانبا- لن يكون ابدا إعادة النظر و إنما التطرق للموضوع بحجاج يهدف نصرته. يقول اوزفالد ديكرو و كلود اونسكومبرفي كتابهما « الحجاج في اللغة» :« نتحدث للتأثير( ...) و من بين انواع الثأثيرات هناك تلك التي يمكن ممارستها دون أن نعلن أننا نهدف الى ذلك«. كيف يمكن إذن قراءة المفترض الضمني ذي الهدف المنحرف؟ إن قراءته تتوقف قبل كل شىء على «سوق» الإخطار و البث و استعمل كلمة السوق عوضا عن قرينة الخطاب أو مكانه لأن كلمة السوق موجهة للبيع و الإقناع فيم القرينة قد تتسم بالعفوية. إن إغفال الإشارة للرغبة في تسويق فكرة ما عبر الإحاء المفتعل تفترض أن من يوجه له الخطاب موافق أصلا و يبقى الأداء شكليا في أمور لن تعاد مناقشتها لأنه يفترض أنها مثبتة و تبقى خارج نطاق الحجاج. هكذا يقدس الشكل بآلياته الإرهابية الخطية عن الحوارية و الإستطراد اللذين يفرضان التوقف عند المنعرجات و الشفافية في الطرح. و يبقى التكرار سيد التلقين حيث يقول ويتولد كومروفيك آن به نصنع الأساطير. فتكرار الضمني أدهى من تكرار التصريح لكن في كلتا الحالتين نؤسس للفكرة المرددة و نعطيها طابع المقياسية و المحك و المؤسسية فتصبح في مأمن لأنها تدمقرطت بحكم الأغلبية و الدهماويةو الغوغائية. إن الفكر الضمني المفترض يزج بفريسته في قدرية الشجب و الوصمة الطويلة المدى. و فوق ذلك يكون المعطى موضوع التنديد نفسه غير قابل للمس. في بعض الحالات الدقيقة كوسائل الإعلام . تلبس تقنية التحريك و التأثير المضمرين لباس الإجتذاب و الإستهواء حيث لا تختلف طرقها البلاغية أو الإقونية عن طرق الإغراء بوسائل الإشهار( اللباس، استتيقية الصورة، اللقطة المنتقاة بآنحياز و التي تجعل المتلقي يجمع الرؤية بالإعتقاد، كل ذلك في محيط إعلامي تفترض نزاهته) . إن المفترض المضمر حين لا يلقي بالا لتعددية الحوار أي البوليفونية يعمل على تكريس شبه بداهة . وتعبر آلية اللغة في مثل هذه الحالات عن آستبداديتها التي لا تعود إفادتها الا لمن يحسن استعمالها. طبعا هناك سلطة المؤسسة والفضاء الإجتماعي ولكن تبقى ضرورة التحكم في اللغة فارضة نفسها.
في السياق الحالي للعولمة، تبدو مراجعة ماهو قطعي ذاخل اللغة أو خارجها ضرورة حتمية. و الاستمرارية تفرض تحسين و فهم المعلومة المعطية عنا و عن الآخر ليس هذا فقط ابتغاء للتطور بل من أجل ضمان التعايش السلمي. و فوق ذلك لا يمكن التغافل عن مدى اهمية العمل على تشجيع القابلية للتغيير. و لا بأس أن نشارك تساؤل جورج بالونديي في اطار الأنتروبولوجية حيث يقول:« هل من الممكن اليوم أن نلجأ الى علم كون « قبلا« كي نفهم و نؤول الاشكال المستنبطة المحققة للإنساني». وإذا كان هناك مفهوم يجب الإحتراس منه اليوم فهو مفهوم «المفترض» . ولكن تبقى عملية إذكاء النقد الذي يضع «لماذا» أمام كل شيء عملية صعبة خصوصا ان القدرات على التفكير و التحليل لاتتسنى للجميع. ان الوقوف عند ما هو مفترض خصوصا في الخطابات السياسية الهادفة للسلطة او لترسيخها هو تعاقد شجاع على رفع اللبس والتعرض لانهيار ما بني فوق المفترض من حقائق قد تكون مزعومة. في هذه الحالة فقط اعني في حالة لغة واعية بوعي المتلقي لتشغيلها و اختياريتها، يصبح التخفي الكسول المتخاذل غير مجد في الإلقاء.
كاتبة مغربية مترجمة و محللة لتقنيات الخطاب