الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية?6
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة السادسة
في "الحلقة الخامسة" من الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ ذكرنا بعض المعلومات، ويمكن تلخيصها في مايلي : نظرة عامة حول سيناء.. أحداثها الحالية والتاريخية، الخطر الحقيقي الذي يعصف بالمنطقة وأبناءها ودول الجوار المحيطة بها، المكانة المتميزة التي إحتلتها سيناء وآثار الحروب المستمرة فيها والمحاولات الإستعمارية عليها، التشكيك في الإنتماء العربي لأبناء سيناء، المحاولات الصهيونية وفكرة تدويل سيناء ! وكيف فشلت ؟، لماذا قامت إسرائيل على جمع وتدوين تراث بدو سيناء ؟، تاريخ البدو في مناهضة الإستعمار، دور إتفاقية سايس بيكو في ترسيم الحدود الجغرافية، مقاصد الأفواج الغربية والصهيونية من زيارة سيناء، الخط الواضح لعمليات القاعدة ورؤيتها الإستراتيجية.
وهنا حيث "الحلقة السادسة" التي نحن بصددها سنقوم بدراسة العلاقة التاريخية والجغرافية لمنطقة سيناء وأبناءها وماحولها إذ لايمكن فصل الأحداث الأخيرة عن السياق التاريخي للمنطقة وتوجهات أبناء المنطقة بعد إنصهارهم بأجناس أخرى في علاقة وثيقة تربطهم ببعض ثمة رابط جعل يزيد من رقعة إنتشارهم على كافة رمال سيناء، وإنخراطهم الإجتماعي والأيدلوجي تحت مظلة تغريب النكاح الذي ربط مثلث عربي بعضهم البعض منطلقاً من قلب سيناء، وممتداً عبر شرايين تصلهم بجسد الجزيرة العربية الأم.
أقول : إذا كانت الحدود تمثل الإطار العام فالجوهر هو أهم ما بداخل هذا الإطار، إذ سيناء تمثل الحبل الشوكي في عملية السلام بين أبناء المنطقة عموماً وبين الكيان الصهيوني ومشروعات التعاون الإقتصادي بعد التطبيع والإتفاقيات المشتركة بين : مصر واسرائيل والسلطة الفلسطينية، فجميعها يمثل العمود الفقري لهذه العلاقات تلك التي تستهدف الإسراع في تنمية المنطقة الحدودية، والربط الاقليمي بين شبكات البنيات التحتية، مما تضفي على منطقة سيناء مركزا رئيسيا في عمليات إعادة التكوين الجنيني الذي يتمتع بالحركة الجارية في المنطقة العربية، والذي معه قد يمتد الجنين في حركته حتى يصل أوربا بأكملها، وذلك من خلال المنافذ القارية التي تحكمها جغرافية المنطقة.
فبرمجة منطقة سيناء لتكون ساحة سلام أولى لها من أن تكون ساحة معركة تجر بفتيلها نيران الحرب العالمية المنتظرة، وإنه لرهان رمزي لو تعلمون بليغ، إذ لابد من دراسة تطلعات أبناء المنطقة على العموم وتوجهاتهم السياسية والتجارية والثقافية وغيرها في محاولة لصياغة أيدلوجية يمكن تفسيرها وفك طلاسم غيبيات الإدراك فيها، والتنبؤ بما سيحل بالمنطقة قبل فوات الأوان، أخاله تبصر يسلط الضوء على المخبوء بتوازن الوعي مع مجريات الأحداث التي نعيشها، إذ لايمكن تمرير مشروعات سلام وهناك إنتفاضة مباركة مازالت تنير طريق المقاومين لكل هدف إستعماري في المنطقة وهذه حقائق فرضتها حتمية الجغرافيا والتاريخ وعناصر الصراع في المنطقة.
لقد تزعمت القوى الإستعمارية فكرة تقسيم الحدود، وإعتقدت أنها ستضفي طابعاً مميزاً لكل أبناء منطقة (دول)، ولكن ثبت إن هذه الحدود المفروضة قسراً على أبناء دول المنطقة لم تمنع المصاهرة فيما بينهم وهي أقوى من الحدود الوهمية التي تفرض بالإجراءات السياسية أو العسكرية وتجلى ذلك بعد إنسحاب إسرائيل من قطاع غزة، فقد وجدنا الإنصهار الحقيقي بين أبناء المنطقة بتجاهل المراكز الحدودية، وزيارة أبناء كل طرف لمن يعنيه في الطرف الآخر، مما أزعج قوات الإحتلال الصهيوني تلك التي عادت تفرض شريطاً أمنيا بين طرفي مدينة رفح، وحتمية التاريخ ستثبت سقوط هذا الشريط كما سقط جدار برلين من قبل.
كما ستلعب مدينة العريش في شمال سيناء التي تعتبر حلقة الوصل بين رمال الصحراء وطين البحر المتوسط، دوراً تاريخياً بارزاً في شحن أبناء طرفي الحدود بالطاقة اللازمة لكل منهما لتحقيق أهداف الوحدة بين أبناء المنطقة وبين شطري رفح الذي فرض الإستعمار حدودهما فأصبحت مدينة رفح البوابة الإستراتيجية الحدودية الفاصلة للنتائج الحربية والعسكرية، والواصلة كواحة تجارياً وحضارياً، فهي الثغر والواحة والبوابة ورأس الجسر بين قارتين.
صحيح أن سيناء ظلت لأمدٍ طويلٍ خاضعة لمركز قانوني خاص مثلها في ذلك مثل باقي المحافظات الحدودية” الصحراوية أساسا، والمحيطة بوادي النيل. ولكن ! كان هذا النظام موروثاً عن " ادارة المناطق الحدودية " التي انشأها الانجليز في نهاية الحرب العالمية الثانية لوضع هذه المساحات الصحراوية تحت اشراف السلطات العسكرية.
كما ظل سكان سيناء سكاناً هامشيين حتى الاحتلال الاسرائيلي عام 1967م، ولم يكونوا خاضعين لقانون الاحوال المدنية، ولم تكن لديهم بطاقات شخصية، بل يتم تسجيلهم فقط لدي إدارة الحدود، ويشير المؤرخون الى المفارقات الكامنة والإكراه الذي يعاني منه بدو سيناء أولئك الذين يرتحلون خلال جزء من السنة بين فلسطين ومناطق دلتا النيل، بل كانت تفرض عليهم ضرائب إذا هم عبروا القناة، مما أدى الى إستياء أبناء سيناء بسبب فقرهم، وبسبب القيود على تحركاتهم، الأمر الذي جعلهم أقرب الى الإنصهار مع بدو النقب والفلسطينيين أكثر من إنصهارهم مع أبناء وادي النيل.
ولهذا يصعب التفريق بين أبناء سيناء وبين بدو النقب وبين الفلسطينيين الذين يقطنون سيناء ولهذا إتسم وضع الفلسطينيين سكان شمال سيناء بالخصوصية مقارنة مع الوضع العام للجاليه على مستوى باقي محافظات مصر، ويكوّن الفلسطينيون - المشتتون جغرافياً - مجموعات مختلفه ضعيفه البنيه، وذلك وفقا لهجراتهم ولأصولهم الجغرافيه والاجتماعيه، وهم يعيشون فى محافظات مصر أساساً !، كما فى الدول الأخرى، وقد تم أندماجهم الاجتماعي في مصر بيسرٍ كبير، وذلك بفضل تماثل الهياكل الاجتماعية - الأسرية الفلسطينية والمصرية، الأمر الذي يحد من علاقات التنازع، ومن اضفاء الصبغة العرقية على العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، هذا فضلا عن العديد من الفلسطينيين أولئك الذين طبّعتهم الهجرة واللجوء الى لعب ورقة الاندماج عن رضى مع الشعوب، رغم عدم رضا القيادات السياسية العربية بلا استثناء بحججٍ واهيةٍ لاتنمُ إلا على تبعيةٍ مطلقةٍ لأنظمةٍ غربيةٍ تخلت عنها منذ زمن.
وتتسم هذه المساحه الحدوديه بظاهرة الترحال والهجرة، لذا فإن ثمة دوافع تقودنا إلى رصد العلاقات بين أبناء سيناء ( بدو النقب والفلسطينيين ) بشكل خاص، وذلك في محاولة لجلاء التعقيد العرقي الذي يتسم بتفاعل عناصره عند طرفى الحدود التي لم تعترف بها الديموغرافيا والتي بها يتشكل سكان المنطقة، إذ أن ربط جزء من هؤلاء السكان فى مجال جغرافي محدود، يجعل هذه الدراسة ليست بالامر اليسير.
أقول : إن بين مصر وفلسطين وإسرائيل مجال حدودى صنعه التاريخ، ولكن ! هل ستصنعه آفاق عمليه السلام، وآفاق الإنتفاضة ؟ السؤال الذي يتوقع أن يساهم سكان المنطقة فى إكتشاف دينامية الإجابة عليه وإن طال تحليقه في الفضاء، أما الإمكانات التي يتمتع بها أبناء المنطقة من خلال العبور فى الاتجاهين، ومن خلال التجارة أو مناطق إعادة التصدير التى يستتبعها، ورؤوس الاموال التى تستثمر أو المصانع التى ينشئها، ستوفر عناء الجهد في المسار الخطأ، والبحث المغموس ببعض غموض، وذلك لتوجيه البوصلة إلى حيث المنطق المقبول في التعامل مع المتغيرات، ولربما يكون ذلك عبر إنصهار وتصاهر أبناء المنطقة والجيل الجديد المتمخض عن هذا الإنصهار والتصاهر.
ولن نستنكر على أبناء المنطقة مواجهتهم وخضوعهم أحياناً للضغوط السياسية ولتبصراتها القانونية، إذ اتخذت بدءاً من إحتلال إسرائيل لمنطقة سيناء تدابير تفرقة بين أبناء المنطقة لإحداث تدهور في العلاقات بين مصر التي وقعت إتفاقية سلام، وبين الفلسطينيين الذين يرفضون ذلك وتقاطع الطرفين مع بدو سيناء الذين تجمعهم بهم علاقات مصاهرة وجيرة جغرافية، وتلاحم ديني عقدي، الأمر الذي بدّل وضعهم وأصبغ عليهم نوعاً من الهامشية الاجتماعية الاقتصادية، بعدما كانوا يصعدون عتبات السلم الأولى بالتمتع في أغلبية الحقوق الوطنية - تولي الوظائف العامة، وما يشبه بالمكرمة في مجانية التعليم العام والتعليم العالي، الخ – إذ هم اليوم "أجانب" مثلهم كمثل الآخرين، بتجاهل لظروفهم المعيشية الصعبة، لذا بات اندماجهم مهدداً بالإنقراض الجبري بقيمٍ ما يزالون يحافظوا عليها رغم محاربتهم وتنحيهم من أية مشروعات فيها تكافل إجتماعي، إذ هذا العمل يسلخهم عن التفاعل مع باقي شرائح المجتمع، وهو مشابه لما أفرزته حقبة السادات بحق الفلسطينيين بعد إغتيال يوسف السباعي.
مما تقدم نخلص إلى إستنتاج التضارب في العلاقات التي تجمع بين أطراف مختلفة المصالح، والأهداف والتوجهات أيضاً، وبالرغم من هذا التضارب نجد نوعاً من الترابط بمقتضى ثلاث نقاط، في بادئ الامر يكون الشأن هو تقديم بعض المعلومات على نظام تأهيل المكان بالسكان وبالتالي على أصول السكان المحليين وما أدى ذلك في تلوين هذا الفضاء الجغرافي بسمة تعدد الهويات، الأمر الذي يجعلنا بحاجة الى المزيد من القراءة والتحليل لندرك الإجابة على سؤال : هو مازال ماثل أمامنا : الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟
مصطفى الغريب – شيكاغو