أصداء

غزّة المحرّمة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الناس في غزة يدركون أن الانسحاب الذي نفذته حكومة شارون،من أرضهم منقوص،فالسماء ما زالت محتلة، والبحر مازال محاصراً بالطرادات الإسرائيلية،ومعبر رفح البري ما زال مغلقا لعدم موافقة إسرائيل على تشغيله بإشراف فلسطيني مصري،بالرغم من انسحابها من المعبر ومن الحدود بين القطاع ومصر بالكامل.ورغم كل ذلك فقد فرح الغزيون ورقصوا ابتهاجاً في الشوارع، وفوق ركام المستوطنات، وفي البروج التي كان جيش الاحتلال يختبئ فيها، وتبادلوا التهاني،وسجدوا شكراً لله. تواطئوا فيما بينهم على تسمية ما تحقق "نصراً "، وتجاوزوا قصداً ؛ لئلا تنكسر فرحتهم،حقائق كثيرة منها: أن ما تم ما هو الا فك ارتباط، وبلغة عسكرية لوجستية : اعادة تموقع وانتشار.
من حق الغزيين أن يفرحوا، وأن يحلموا بغد أفضل، وبأفق أرحب. فهم منذ عام 1967وبيوتهم مقفلة بفعل فاعل(محتل)، لا يدخلها فرح ولاأمل.
وهم منذ النكبة الثانية(أوسلو) لم يُحَرم عليهم الفرح والأمل، وحسب،بل
حُرِّمت عليهم بلادهم، وأصبحوا فيها غرباء.يُحكمون من قبل أناس لا علاقة لهم بالأرض ولا بالحال النضالية الخاصة والحساسة، التي أنتجتها الانتفاضة الأولى بما لها وما عليها. جاءوا كغثاء السيل يحكمون ويرسمون ويأخذون بالعربدة ما ليس من حقهم تلذذوا بإذلال وتعذيب أبناء البلاد، مناضلي الأمس،وحرمانهم من العمل وكسب الرزق النظيف.
لقد قسموا أسلاب أُحد فيما بينهم قبل أن ينزلوا الى سفح الجبل.تعاملوا مع البلاد وأهلها كما يتعامل الشركاء في شركة استثمارية. أخذوا المناصب ووزعوا الامتيازات الذين ما حلموا بها يوماً، وقد رفع كبيرُهم الوضيعَ،وأذلَّ الرفيعَ؛ حتى يضمن الولاء والسيطرة الدائمة على رقعة الشطرنج.
إن الغزيين الذين يحتفلون اليوم بالنصر الناقص، يعون حقيقة دامغة مفادها:إن الاحتلال لم يكن الا أحد عناصر مأساتهم ومعاناتهم واغترابهم في بلادهم، وهم ما فتئوا يرددون المثل الشهير: عدو عاقل خير من صديق جاهل، وبعضهم يترنم ببيت الشاعر العربي الوجودي المغدور طرفة بن العبد:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهندِ

أما العناصر الأخرى، فهي من صنع أولئك القوم (الأحابيش) الذين جاوزوا المدى، واستحلوا اللعبة التي باتت مكشوفة، لعبة تحويل هذا الشعب الى مجموعات من المتسولين، يقفون في طوابير طويلة تُذكِّر بتلك الطوابير التي كانت في الدول الاشتراكية البائسة السابقة، والى ثرثاري مؤسسات رسمية، يتنازعون فيما بينهم على أكواب الشاي وفناجين القهوة والجريدة المجانية وورق ال A4.
لقد زال حبل الغسيل الذي كان المنتفعون المتعيشون يعلقون عليه ملابسهم الوسخة التي لن تنظف أبداً ولو غُسلت بماء بحر غزة المالح، فهل سيستوي سلوكهم، ويقومون اعوجاجهم ( أم أن ذيل الكلب يظل على اعوجاجه حتى لو وُضِعَ في قالبٍ لمدة أحد عشر عاماً؟).
أما نحن،الغزيين، فنريد غزة محررة خالصة لأبنائها، لا محرمة على أبنائها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف