أصداء

المهزلة العراقية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في العشرين من اّب من العام 1987، قيدت ذراعا وقدما المعلمة الحامل،فائزة شاكر الحلاوي ذات الثماني وعشرين عاما الى عمود خشبي معصوبة العينين، كان الى جانبها تسعة من النسوة أوثقن الى أعمدتهن أيضا،بينما أصطف المسؤولون يتقدمهم وزير الداخلية سمير الشيخلي،ليشهدوا أعدامهن. صوّب الحراس بنادقهم الكلاشنكوف الالية السريعة الاطلاق(خمسمائة اطلاقة في الدقيقة)نحوهاتة النسوة،كانوا يصوبون بحماس منقطع النظير،حماس عصي على التفسير يزداد ضراوة وسعارا كلما أنبثقت الدماء من أجسادهن،كان الحراس عراقيين تماما،وكان صوت زغاريد اتحاد النساء يغطي على تصفيق السيّد الوزير وجمع السؤولين الذين كانوا معه،في تلك اللحظات،كانت الأجساد البريئة للنساء المعدومات تذوب رويدا رويدا كما يذوب الشمع، كانت أجسادهن تسيح الى الأرض الحصن الأخير الأّمن،الأجساد الممزقة بقوة اليقين القومي كانت مثقبة بثيابهن المنزلية التي فشلت في أن تسترهن.كانت فائزة أما لطفل في الخامسة،ووقت أن أعدمت كانت حاملا في شهرها التاسع ولعلها كانت تفكر في اسم للوليد القادم له الجرس الموسيقي نفسه الذي تسمعه عندما تنادي عمار ابنها البكر. لكن رصاص القئد صدام كان أسرع من أحلام أم تنتظر وليدا.لعل السيّد الوزير رأى الى المرأة الحامل وبطنها البارز بشكل واضح لكنه لحظتها تذكر ربما مقولة القائد صدام (اللي يعادي الثورة نلحكو ونطلعوا من ظهر أبوه ونكتلوا) والنص عزيزي القارى باللهجة التكريتية الفصحى وكان جزا مهما من الدستور المكتوب في نظرات القائد النارية عندما كان يغضب على شعبه العزيز وما أكثر غضبه، لكن الدستور البعثي لم يتطرق للجنين في بطن أمه ولعل ذلك ترك لأجتهادات الرفاق في القيادة في أن يفتوا بتمزيق الجنين اذا لم يبد موقفا واضحا من أهله الخونة.كان لابد للرئيس من انتصارات داخلية تغطي هزائم حربه مع الاّخر،حربه هو...وعندما قام بطل التحرير القومي بزيارة الى مدينة الديوانية قبل أيام من احتلاله لدولة الكويت، سمع صوتا يختلف كثيرا عن هتافات تمجيده،كان سؤالا ستعجز كل دساتير العالم عن الأجابة عليه،بأستثناء دستور حزب البعث طبعا كان السؤال _ سيدي الرئيس،هل هناك قانون في العالم يجيز اعدام أمرأة حامل ؟ كنا حينها في سجن أبو غريب نشاهد التلفاز الرسمي ينقل الينا وقائع زيارة القائد لمحافظة القادسية وكنا مستثارين حدّ الرعب، فالشهيدة كانت محسوبة على قضيتنا وقد مرّ على أعدامها ثلاث سنين،فكرنا لحظتها ا أن القائد العزيز ربما سيتذكرنا ويرسلنا الى حيث لايعود ذاهب،ويبدو أنه كان مشغولا في الكيفية التي سيلتهم فيها الشقيقة العزيزة الكويت. لم تكن المعلمة الجميلة الوقور،عضوا في منظمة علنية أوسرية كما أنها لم تقل كلمة تنال من الدكتاتور أومن حكمه،كان لها تلاميذها وأبنها وبيتها،ذلك كان عالمها،لم يسعفها الحظ بشخص حباب وأبن حلال مثل السيّد الجعفري وقاضيه الهمام ليوفر لها محاكمة مثلما تشتهي كما أسعف الحظ الممثل الموهوب أبو رغد والذي سيفرج عنه قريبا بهمة أهل تكريت الأبرار وزملائهم في منظمات حقوق الانسان والحيوان.ولعل المدة بين احتجازها وتعذيبها واعدامها لاتتجاوز الخمسة عشر يوما فقط.قد تعتقدون انكم تقرأون نسخة محرّفة عن رواية المحاكمة لفرانز كافكا، تلك الرواية التي تحكي عن انسان يجلب من بيته ويحاكم بالأعدام من دون أن توجّه له تهمة معينة،لا ياسادتي وللأسف الشديد تلك حقيقة عراقية بأمتياز، حقيقة يعرفها ابناء مدينة اليوانية، لكن فائزة ورفيقاتها الأخريات مشين الى أعمدة الموت،أالقومي بتسليم قدري نقي وواضح،فية تلك البطولة الصموت،البطولة النقية التي لاتمسرح نفسها أمام الكاميرات، على العكس تماما من البطل القومي صدام حسين والذي صرخ بذعر من حفرته الشهيرة صائحا لاتطلق النار أنا صدام حسين، الطلب الذي استحيت فائزة ورفيقاتها من طلبه، كان الأمر فضيحة قومية أستدعت نخوة القومجيين جميعا لسترها، كل من تابع مجريات المحكمة لابد أن رأى الأداء المضحك والمرتبك الذي بدا واضحا من الطريقة التي أدار بها القاضي رزكار محمد المحاكمة،بينما صال محامو صدام وجالوا،مستمدين عزمهم من اهانة الطاغية المتهم للمحكمة من دون أن يؤدب بأن يأمر بالتزام الهدوء.في سابقة ديمقراطية تثير السخرية والتندر، متيحين الفرصة للطاغية أن يبدو بطلا في عيون ابنته رغد واصفة اياه بالشجاع والأسد والذئب ولعلها استعرضت كل وحوش الغاب في وصف شجاعة السيّد الوالد،أن محكمة لاتمثل القانون بالشكل الذي يفرض احترام وجودها لايمكن أن تكون مؤهلة لأن تأخذ حقوق شعب مظلوم من طاغية دموي،أن ادارة مركزية تكرس قوة القانون لابد أن يتحلى بها أي قاض في العالم حتى لو أتى من بلاد الواق واق.فشلت المحكمة ومن ورئها الحكومة العراقية في ابراز الأدلة الدامغة التي بحوزتها لادانة القتلة،فشلت على المستوى التقني أيضا في توفير جهاز عرض الأقراص المدمجة بعد عام من التحضير كانت القضية تمتلك بعدا نموذجيا لتقديم درس في كيف تكون العدالة اجهضت لصالح ارضاء حفنة من المجرمين.وكاما سمعت مسؤولا عراقيا يبشرنا باعدام صدام في العام القادم تذكرت قول جرير :

زعم الفرزدق أن سيقتل معبدا ابشر بطول سلامة يامعبد

نعيم شريف

naeimaeidan@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف