الدعاء والصلاة واتفاق التنوع الثقافي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قال سلمان العودة في واحدة من حلقات برنامجه "حجر الزاوية" الثلاثين، في رمضان: "إن فلسطين لن تحرر بالدعاء والصلاة (...). نحررها بالعلم واللحاق بركب الحضارة والثقافة الغربية". إذاً فهناك ما هو أهم من الصلاة، بحسب شيخ "فاضل" مثل العودة.
وعودة إلى فلسطين فبالنسبة إلى الباحثين عن تحريرها بالسلاح، فقبل أي حجة فليتذكروا أنهم سيشترونه من أميركا أو الغرب. وعلى مر التاريخ "الحديث" فمصدر السلاح العربي والإسلامي، إما من المعسكر الشرقي (الشيوعي)، أو المعسكر الغربي (الصليبي)، ولست هنا مع تقسيم عنصري أو مع كلمتي "شيوعية" و "صليبية"، بل أستخدمها لأن الحديث موجه إلى من يستخدمها. وإذا كان خصومهم هم الغربيون أو الشرقيون فلينتظروا السلاح إذاً. هذا إذا كان السلاح قابل للاستعمال، ولا يشبه أسلحة العصابات المحلية الصنع، التي لا تصلح إلى لقتل الأبرياء المدنيين.
على أي حال، لست مع الحرب بكل أشكالها، وأذكر كلمة الرئيس المصري حسني مبارك في مقابلة تلفزيونية، سئل فيها بشأن ان الرئيس اليمني قال بما معناه: "افتحوا الحدود لنحرر فلسطين"، وكان رد مبارك: "سأعطيه سيناء فليأت وجيوشه"! والمهم في كلام مبارك: "الحرب ليست لعبة، الحرب دمار اقتصادي وعسكري، وقبل ذلك كله دمار إنساني". وأنا أقول كما كانت أمي تقول لإخواني الصبيان: "العاجز هو اللي يمد يده".
كل ذلك ليس إلا مقدمة "تافهة"، يعرفها كثيرون، ويصر آخرون على التعامي عنها، وليست آنية و لا "حدثية"، كما ربما يفترض أن نكتب.
صدر الاتفاق العالمي بشأن التنوع الثقافي عن الدورة الـ 33 لمؤتمر اليونسكو، قبل أيام. وشذّت عنها أميركا وإسرائيل، في مقابل تأييد من فرنسا وكندا وبلدان أوروبا وبعض بلدان آسيا، لتكريس خصوصية على النتاج الثقافي، باعتبارها تعبر عن الهويات المختلفة.
ويأتي الشذوذ الأميركي، والإسرائيلي تأييداً، لأن هذا التكريس يأتي لمقاومة الهيمنة الثقافية واللغوية، خصوصاً الأميركية. وكما هو معروف، فالثقافة الأميركية هي سيدة صناعة الصورة.
ولا يمكن التعمق في الجمل السابقة قبل الإشارة إلى أن فرنسا كانت شاذة في منتصف التسعينات، عن ذلك التكريس، حتى ولو أن ثقافتها الفرانكفونية رفعت شعار استيعاب الثقافات الأخرى بما فيها الأميركية. كما أن البلدان الآسيوية لم ترد يوماً غير القيم الاجتماعية الآسيوية...
يأتي السؤال الآن: أين الثقافة الإسلامية والعربية؟ هل هي خلف جبال أفغانستان متمثلة بالثيوقراطية الدينية، وابن لادن؟ أم في العراق متمثلة بـ "تترس" الزرقاوي؟
طبعا هذان الاسمان ومن يتبعهما لا يعرفان شيئاً عن مدينة الزهراء الأندلسية في القرن العاشر، وعن شوارع مدن أندلسية أخرى مضاءة ومرصوفة بالحجارة، وفيها مجار صحية. بل إن هؤلاء لا يعرفون أيضاً عن الـ70 مكتبة في قرطبة وحدها، في وقت لم تكن فيه مطابع وآلات طباعة حديثة.
إذاً هل أبكي أنا على الأطلال أم أتحدث عن أساطير؟! ربما كانت أساطير، لنضف الآن أنه في الوقت الذي يفكر فيه "شاروخ خان" الممثل الهندي الأشهر في تاريخ السينما الهندية الدخول في منافسة أوسكار هذا العام على جائزة أفضل فيلم أجنبي، بدأت السينما تشق طريقها إلى السعودية، متمثلة في مبادرة خجولة هي سينما للأطفال في الرياض يعلم الله بحالها وضعفها.
وإذا تعمقنا في الفانتازيا، وإذا كانت أميركا تمتلك السيولة لتصنيع الصورة، فليس صعب أبداً أن تصنع السعودية الصورة وأن توجه العالم كله إلى مهرجانات سينمائية عالمية فيها، كما فعلت دبي ومهرجانه العالمي السينمائي الثاني يقترب. وذلك ينطبق على قطر والكويت. على أي حال ليس الهاجس في هذه الدول أبداً ما يسمى بالتنوع الثقافي لذا تتحول هذه الفقرة كلها إلى فانتازيا.
ربما كانت السينما والمسرح تُمثل مشكلة لبعض الطبقات في السعودية اليوم، كما مثلت الفضائيات يوماً المشكلة ذاتها، لنجد بعد سنوات من "الحروب" العتيدة شيوخاً أفاضل أمثال العودة والقرني وآخرين يحضرون وفي شكل يومي في هذه الفضائيات.
ولا يخفى على أحد أي معارضة واجهتها مسرحية نسائية بحتة في الرياض، كما واجهت المخرجة السينمائية السعودية هيفاء المنصور.
لنترك السينما والمسرح والكتابة والتأليف والتنوع الثقافي جانباً، ولننظر إلى حال الجامعات والناتج التعليمي. ففي استطلاع شارك فيه 2375 أكاديمياً من 31 بلداً بشأن وجهات نظرهم عن أفضل 20 جامعة في العالم، نشرته وكالة الأنباء الفرنسية في أواخر الشهر الماضي، كانت الجامعات الأفضل من أميركا (12)، وبريطانيا (4)، وفرنسا، والصين، واليابان، وأستراليا. وبحسب الاستطلاع كان المركزان الأول والثاني والمراكز من 5 – 9 من نصيب جامعات أميركية، والثالث والرابع من نصيب جامعتين بريطانيتين فيما العاشر من نصيب جامعة فرنسية. ويتساءل البعض عن سبب تربع هذه الدول على عرش العالم؟! وإن كان عدد الجامعات المذكور آنفاً يشبه درجات مقياس القوى العظمى "السياسية" و "العسكرية" المؤثرة حقيقة، إلى حد ما.
على أي حال، لا حضور للعرب والمسلمين يذكر إذاً في مجال التعليم، فكيف يكون لهم حضور في الثقافة في شكل عام؟ ويزعم البعض أن المسلمين والعرب أفضل شعوب العالم، ويتباكون على الأوضاع الحالية والهزيمة و... و... وكيف يكون لهم حضور والسعودية مثلاً تخطط لسعودة كراسي أساتذة الجامعات حتى!
كانت مقابلة في رمضان، في برنامج في قناة "عين"، يقدم شخصيات هُديت إلى الإسلام، مع ألماني مسلم. يقول الألماني: "من المستحيل أن تصل الدول الإسلامية إلى المراتب الأولى على المستوى الاقتصادي"، وتبريره يتمثل في أن المسلمين: "يوازنون بين الحياة والآخرة، وبالتالي لن ينصرفوا بأمور الدنيا وأموالها، كما في بعض المجتمعات الغربية، عن أمور الآخرة"! كأنه يفصل بهذا بين العبادة والعمل والعلم. أوليس العلم والعمل عبادة؟!
بالنسبة إلى أخي وأبناء عمومتي وزوجي وأبي السعوديين، فالعلم والعمل من أجل الزواج فقط وتوفير سبل الراحة والترفيه (السيارة والمنزل المؤثث والملابس الفاخرة...) فقط لا غير.
كائنة ما كانت الحال، تقول "وجهة نظري": المشكلة ليست في مناهج الرياضيات والفيزياء والكيمياء العربية وغيرها، ولا تُحل المشكلات بتغيير المناهج فقط، ربما نحتاج إلى تغيير العقول بعقول أخرى من تصنيع ياباني أو أميركي، تفهم معنى العلم والعمل. وحتى وقت ينجح فيه الأطباء والعلماء "الأميركان" و "اليابانيون" في جراحات تستبدل العقول، فلنقل على الحضور الإسلامي والعربي والسعودي في التنوع الثقافي وفي أفضل جامعات العالم، ولنقل على مدن تشبه قرطبة والزهراء: "السلام" بمد الألف بعد اللام، "طويلاً".
فاطمة ابراهيم