مفهوم الرجولة والذكورة من منظور النساء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قالت عن نفسها وأكاد أجزم بأن ما قالته يتعلق بكل النساء بغض النظر عن فارق الخنوع أو التمرد خاصتهن : أنا لست أرغب في أن يخترق حياتي ذكر وإن كان لا بد فليكن رجلا، فما أكثر الذكور! كثيرون هم الذين يعانون من ارتفاع مستوى الذكورة التي تقودهم للهاث وراء أي امرأة وتدفعهم للاستزادة والتنويع رغبة منهم في تأكيد ذكورتهم، لكن يندر وجود الرجال. أريد رجلا لا أشعر معه بأنني كالمكرهة على العيش في العراء، أو الوقوف على سطح بيت آيل للسقوط في ليلة عاصفة وليس من حولي قشة لأتعلق بها طلبا للنجاة، إن بعض من يظنون بأنهم رجال قد لا يحفزوا في خيالي سوى تلك الصور إذا ما عرض أحدهم فكرة الارتباط بي.
إن الطرح الذي سبق ذكره من إحدى النساء اللواتي يتميزن بتقدير مرتفع للذات وتمثل نموذج امرأة هي في مقاييسنا التقليدية متمردة ومؤكدة لذاتها ليؤكد أن المرأة في مجتمعاتنا لم تزل تحتفظ في وجدانها بصورة الرجل الفارس وهذا لا ينتقص من تأكيد المرأة لذاتها ولا يكرس دونيتها، فما دامت قد قررت الارتباط أو فكرت به فليكن ارتباط برجل لا بذكر، وعلى ما يبدو فإن هنالك فهما ووصفا مختلفا للذكورة من وجهة نظر أنثوية
سألتها: ما هي الفوارق بين مفهوم الرجولة والذكورة أو ما هي الصفات التي إن اجتمعت ترتقي بالكائن من مرتبة ذكر إلى رجل
قالت: كلهم يعتقدون بأنهم رجال فمفاهيم الفروسية والبطولة والنبل والشجاعة قد تشوهت وانقلبت مقاييسها. أحدهم قد يجد في عدد النساء اللواتي استطاع أن يوقعهن في الشرك مقياسا لرجولته وفي حقيقة الأمر هذا لا يصح أن يكون سوى مقياسا لذكورة مضطربة، وآخر قد يجد في القوة العضلية وملحقاتها مقياسا للرجولة، أما النبل والشجاعة والإقدام فلم يتبق منها سوى بعض ما قد يستطيع أحدهم تقمصه لإتمام متطلبات دور مؤقت ولتشكيل قناعة مزيفة لدى الطرف الآخر رغبة في تطوير العلاقة ليس إلا
وبحسب وجهة النظر هذه فإن الأغلبية ذكور يجيدون تقمص الدور وغالبا ينجحون في إقناع الإناث بأنهم رجال، غير أن هذا الطرح يقود نحو استفسار آخر : فهل هنالك ثمة خلل في النساء أيضا ؟ بمعنى هل يدرك الذكور أن متطلبات الإقناع والإقدام وحتى اتخاذ قرار بأن تكون إحداهن شريكة حياة لا يتطلب أكثر من إتقان متطلبات دور؟
إن نسبة كبيرة من النساء يتنعمن بالسذاجة والسطحية ولحسن حظهن إنهن غير مدركات أيضا للفوارق بين الرجل والذكر، فكل شريك هو رجل أما مقياس الرجولة فقد لا يتعارض بالمطلق مع المقاييس المبتدعة لكن ما قد يضاف إليها هو أن يكون صوته جهوريا وقد لا يكون هناك مانعا من استخدام الضرب أو التهديد به.
إحدى النساء التي تجد أن هنالك ربطا بين مفهوم القوة والعنف والرجولة أوردت:
لا أرى في أن استخدام الرجل للضرب أو التهديد به ما ينتقص من رجولته بل على العكس قد يضطر الرجل لذلك إذا استفزته المرأة،وحول تجربتها الخاصة قالت: تعرضت للضرب من زوجي في بداية حياتنا الزوجية لكني كنت أراجع نفسي وأجد بأنني السبب في استفزازه ثم أصبحت أتحاشى عمل أي شيء قد يثير غضبه، وبدأت أتعرف على الأسباب التي تجعله غاضبا وعنيفا، وعندما أصبحت أفعل كل ما يريد وأبتعد عن كل ما لا يريد وأطيعه وأتبع أوامره لم يعد عنيفا، إن المرأة هي من تحرض الرجل على الضرب وباستطاعتها أن تتلا شاه، فهو ولأنه رجل لا يستطيع أن يتحكم بأعصابه ويجب على الزوجة أن تعرف كيف تتعامل معه.
وجهة نظر أنثوية مختلفة، لكنها تثير الشفقة، ولها من الأسباب ما يفسرها، فالثقافة السائدة لا تملي على الذكور وحدهم مفردات العنف وآلياته، ولذا فإن فئة من النساء يتحدثن بلسان الثقافة السائدة ويمارسن نوعا من أنواع التسلط الذكوري وإن كانت هذه الممارسات هي بمثابة جلد للذات وتكريس لثقافة العنف والرجولة المشوهة وما يقابلها من إذعان أنثوي، فباعتقاد هذه السيدة وبمقدار ما يمليه عليها الوعاء المعرفي والثقافي خاصتها فإن التصدي للعنف ومحاولة إيقافه هو مسؤولية المرأة ذاتها وبافتراض مسبق بأن الضرب وتوابعه هو إحدى متتمات الرجولة أو الصفات الملازمة التي لا يمكن للرجل التخلي عنها، كما أنها تجد في الأساليب التي استخدمتها للحد من رجولة أو ذكورة زوجها مبعثا على الشعور بالثقة وحسن التصرف.
محظوظون هم الرجال الذين ينعمون بما تنعم به زوجاتهم من سلبية وتصورات مشوهه، فذلك قد يعطي بعضهم الشرعية لاستخدام كل وسائل الإذلال وتأكيد رجولتهم من منظورهم ومنظورهن أيضا.
إن التصورات المشوهة حول مفاهيم الرجولة والذكورة تجد لها متسعا لدى الرجال أيضا، وبحسب ما ذكرته إحداهن فإنهم قد يجدون في عدد النساء اللواتي يستطيعون إيقاعهن في الشرك مقياسا لرجولتهم، ويجدون في هذا المقياس وما يحويه من علاقات مدخلا مناسبا لتأكيد فحولتهم والتغني بها، كما أنه قد يكون من أفضل الأحاديث التي قد يتجاذبون أطرافها فيما بينهم، لكن ما لا يخفى على كثيرين أن جزءا كبيرا من أحاديث الرجال بهذا الخصوص هو من صنع الخيال، وهي أقرب إلى التجارب "الدونكيشوتية " ولذا قد يتحدثون عن كم تجارب لا تحصى ولا تعد وعن تعلق أنثوي بهم بما قد لا يخطر ببال، وفي هذا دون أدنى شك ما يؤكد بأن الرجل في مجتمعاتنا يعاني من نقص أو خلل ما، هذا النقص الذي يحتاج الكثير من البحث، لكن على سبيل الخيال البحثي قد أفترض- وهذه فرضية قابلة للنقض- بأن أساليب التنشئة التي نتبعها مع الذكور تعمل على تضخيم تقدير الذات هذا بالإضافة إلى أن المضمون التربوي والمعرفي يشتمل على الكثير من المغالطات والتناقضات.
قديما كانت ثمة قضايا حقيقية تشغل الرجل وكان ثمة معركة بغض النظر عن نوعها لكنها كانت قضايا من نوع مختلف تمكنه من إثبات رجولته في تمسكه بها أو نيته لخوضها، لكن في الزمن الرديء وحيث لم يتبق في حياة أي منا قضية تتجاوز توفير لقمة العيش تبرز الحاجة لابتداع معارك وساحات حرب بديلة كانت إحداها المرأة، المرأة بما تبديه من ضعف واستكانة واستسلامية كانت الأرض الخصبة للرجال كي يثبتوا موجوديتهم.
إن العلاقة التي قد لا تعد في كثير من الحالات سوية بين الرجل وأمه قد تكون سببا في تقولب الرجل بالقالب الذكوري بما يشتمل عليه من متطلبات، هذا بالإضافة إلى أن المرحلة الانتقالية التي تشهدها مجتمعاتنا بين قديمها وحديثها البراق وما أدخلته الثقافات الأخرى من تصورات ومفاهيم وانقلابات في العادات والتقاليد قد أسهمت إلى حد كبير في التسبب بحالة من الازدواجية في نمط الشخصية وهذا لا يتعلق بالرجل وحده، ففي داخل كل منا شخصيتان أحدهما تشده للماضي أو الوعاء الثقافي التقليدي المحافظ وأخرى تشده نحو التحرر، غير أن الخلل يكمن في مضمون وآليات وصور التحرر.
وليس هنالك من حرج في اعترافنا بأن الرجل في مجتمعاتنا لم يزل يعاني من حالة صراع مكبوته بين نموذج المرأة الأم التي يقابلها في وجدانه مفردة ومواصفات قديسة أو الشمعة التي تحترق وتتنكر لكل رغباتها ومتطلباتها في سبيل إرضاء الزوج والأبناء، وبين نموذج الأنثى المتحررة من كل القيود والقادرة على إشباع غرائزه بالكم والكيف الذي تروج له وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، وهنا مقتل الكثير من الزوجات أيضا اللواتي لم ينجحن في تقمص الشخصيتين أو النموذجين معا فهن لسن صورة مماثلة من نمط الأم والزوجة التقليديين، ولسن قادرات على أن مجاراة متطلبات الذكور كإناث، ومن هنا قد نفسر كثرة المشاكل الزوجية ودوافع الرجل الذي يدعي الحضارة لممارسة العنف واستخدام أساليب تنسجم مع مفهوم الذكورة غير السوي
إن الخوض في هذه الإشكاليات التي قد لا يخلو منها بيت لا تدعونا بالضرورة لمحاولة إدانة أي من أطراف العلاقة، لأن ما نشهده من تغيرات يحتاج الكثير من العقلانية والتأني والكثير من كشف المستور بهدف فهم مشكلاتنا كخطوة أولية لحلها
المشكلة تصبح أكثر خطورة لدى الشباب أو حديثي الزواج، بحيث تصطدم العروس منذ الأيام لزواجها بأن الرجل الذي تحيا معه هو صورة أخرى من صورة الزوج "سي السيد" وتبدأ معاناتها وقد تتحطم آمالها إلى الدرجة التي تأخذها فيها دهشتها إلى حالة صمت قد تستثير الطرف الآخر لاستخدام آلياته الدفاعية الذكورية، وهنا تكون خياراتها إما القبول بالأمر الواقع والتكيف مع الحالة بتبريرها لسلوكياته حينا وبربط هذه السلوكيات بالرجولة ومتطلباتها حينا آخر، وإما أن تصرخ وتعلن رغبتها في الانفكاك
الرجولة من منظور كثيرات من النساء تعني الحلم والقدرة على ضبط الغضب والانفعالات،وحسن التصرف والتدبير، والقدرة على حل الخلافات بأقصر الطرق وأكثرها ديبلوماسية، كما أنها تعني القوة والشجاعة والكرم والنبل وحسن الأخلاق،كما أن بعض من يتميزن بقوة الشخصية وتأكيد الذات يجدن في أن إحدى خصائص الرجولة الحقيقية أو مؤشراتها هو أن لا يكون تفوقهن أو إحرازهن لأي نجاح مدعاة لاستياء الشريك لأن هذا يدل على وجود خلل في ثقته بنفسه مما يجعل صورته تهتز بنظر الشريكة
إحدى اللواتي عانين من غيرة الزوج من تفوقها ونجاحها ابتدأت حديثها عن تجربتها الخاصة بقولها: زوجي لم يكن رجلا، قبل الزواج كنا متفقين على كل الأمور، وهو يعرف طبيعة عملي ويعرف أنه يلزمني بأن يكون لي شبكة علاقات واسعة، ارتبطت به بعد علاقة حب وتعرف علي وأنا أعمل في نفس المجال، ولم يبد أثناء فترة الخطوبة أي انزعاج، وبقي على هذا الحال حتى مضت أول سنة من زواجنا،ثم سرعان ما تحول إلى رجل متخلف يحاول أن يفرض علي ما لا يلائم طبيعة شخصيتي أو عملي، وحينما كنت أذكره بأنه كان على علم ودراية كافيين بما يصر على أنه سبب انزعاجه حاليا كان يقول لي: أنا رب البيت والرجل وباستطاعتي أن أضع حدا لكل ما أجده لا يتناسب معي أو مع تقاليد أسرتي. كنت مندهشة من تقاليد أسرته التي ظهرت فجأة ودون سابق إنذار، وكنت مندهشة أكثر لأنه لم يستجد على طبيعة عملي شيء ولأنني بعد الزواج فعلت كل ما باستطاعتي فعله حتى أوفق بين عملي وبيتي خاصة وأنني أنجبت طفلنا الأول ولأنني حتى وقت ليس ببعيد كنت أحتفظ بمشاعر إيجابية تجاهه، لكن على ما يبدو كنت مخطئة، حاولت كثيرا معه وبذلت كل جهدي لإشعاره بأن عملي ونجاحي هو للأسرة ولا يعنيني وحدي، لكن
غيرته مني وليس غيرته علي هي ما كانت تدفعه لإشعال خلافات متكررة لم يكن باستطاعتي احتمالها، أما طلبه مني بأن أختار بين العمل وبين أن أبقى زوجة له جعلني لا أتردد في اختيار الطلاق، فليس العمل بحد ذاته وأهميته بالنسبة لي هو السبب وليست رغبتي في تحقيق نجاح تلو النجاح هو ما جعلني أختار الطلاق لكن لأن صورته اهتزت بنظري ولم يتبق منها شيئا، ولأنني أدركت بأنه من نمط الرجال الذين يرغبون في حبس حرية المرأة وجعلها تابعا لهم على الدوام حتى تكتمل رجولتهم، لم يكن باستطاعتي أن أكون سوى نفسي ولم يكن باستطاعتي أن أكون المرأة التي تمنح الرجولة ومتطلباتها لزوجها على حساب نفسها، فكان الطلاق هو الحل.
وبعد فما هي الرجولة ومن هو الرجل؟ هل هو في ذهن المرأة الشرقية من يمثل مفاهيم القوة والشجاعة والنبل لكن بعنف أو دونما عنف، والشجاعة والإقدام وإن كانتا موقوتتين أو غير موقوتتين ؟ وهل ثمة صورة محددة توضح معالم الرجولة أم أن لكل ليلى فارسها حتى وإن بدا مختلا ؟…
ميساء قرعان