طاش ما طاش و نقد الأوضاع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من منا لا يريد أن تختفي هذه النظرات المذهبية الأقصائية التي تشخص كل مذهب بعيون ضيقة و تتمنى لو أنه يختفي و لا تستطيع التعايش مع الآخر و نعيش في وئام و انسجام لمواصلة البناء الوطني في جميع المجالات هذه رغبة الأغلب و الأسوياء.
و حتى يصل أهل كل مذهب إلى مستوى المسئولية و الهم الديني اللذين يقتضيا التسامح و القبول بأفكار المذهب الآخر، لا بد أن يتربوا أصحاب كل مذهب على تربية دينية تستمد على نصوص دينية تدعو للعفو و التسامح و تستوعب الاختلافات التي أتاحها الديني الإسلامي لكل مذهب و لا سيما في الأمور العبادية.
و لكن ما نرى واقعيا يخالف ذلك فبالرغم من التحديات التي تواجه المسلم و بالذات العربي يمارس على الواقع نقيض ذلك من زيادة وتيرة التكفير و الإقصاء، و ليس شرطا أن يكون الإقصاء من خلال العبادات و المعتقدات و لكن سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا، و ما جماعة الزرقاوي إلا إفرازات من تربية و تعليم ديني لم تكن وليدة سنوات قليلة خلت و لكن تمتد إلى عشرات السنيين من التربية و التعليم الديني الذي يغذي أتباعه بالخوف من فئات مذهبية معينة كان منشأها الأول سياسيا، التي لم تهيأ هذه الجماعات و المذاهب المسيطرة لاستيعاب المخالفين لهم مذهبيا و دينيا و كانت أحد النتائج العنف و الارهاب و عدم الانسجام مع الآخر.
بالطبع يفترض من هذه المذاهب أن يسيطر فكرها و تعاليمها و ثقافتها على ساحة العالم الإسلامي و أن يصل صوتها إلى العالم الخارجي و هذا ما حدث نتيجة السيطرة السياسية و المالية و لكن ما لبث الزمن أن انكشف نوايا هؤلاء الذين أرادوا أن يسيطروا على أفكار الناس بالقوة و القضاء على كل من لا ينتهج نهجهم و يدين بمذهبهم حتى طالت أيديهم إلى بلدانهم التي ولودوا و ترعرعوا فيها و دمروا اقتصادها و أثاروا الرعب و الخوف و عدم الاستقرار لأبرياء مواطنون و غير مواطنين و ظلت فئة قليلة، لكن بقي صوتها عالي نتيجة ما كونته من قوة متراكمة على مدى سنوات، و بعدما عرفت نفسها إنها في الرمق الأخير من حياتها نتيجة نبذ المجتمع لها و محاربة السلطات الأمنية لهؤلاء الذين أرادوا أن يتحكموا في رقاب العباد حتى بالسيف و يجعلوا الكل يعيش في دائرة تفكيرهم الضيق و فلكهم التطرفي.
و مع جهود الجهات الرسمية و فئات المجتمع بمثقفيه و متنوريه تنبه الكل لمحاربة هذه الآفة التي استشرت بالمجتمع و كادت أن تقضي على شرائح واسعة من المجتمع و كان شعار هؤلاء الجماعات المتطرفة العنف و الارهاب و النبذ، و اجتهدت وسائل الأعلام على مستوى المثقفين و المتخصصين في علم الاجتماع و النفس و المسئولين في محاربة الفكر التطرفي و توعية هؤلاء بخطر ما يعتنقون به و إنه يمثل كارثة على المجتمع. كان لا بد من مساهمة الأعمال الفنية التي تسلط الأضواء على آفة العنف و جذوره و كان مثال الأعمال الفنية التلفزيونية برمضان لهذا العام الحور العين الذي لم يرق لبعض الجماعات التي تخاف من تشخيص المرض و علاجه من أساسه.
و لكن يبقى " طاش ما طاش " رمز الجرأة في الأعمال الخليجية و العربية و لا سيما في السنوات الثلاث الماضية الذي أنتقل إلى النقد المباشر في الفكر و المنهج الديني المنحرف و عرى بعض المواقف و الأشخاص المصابين بانفصام الشخصية و البعض الذين يخافون على مناصبهم و مراكزهم الدينية أمام العامة، و لا يخاف على دمار وطن و ثرواته. استغل البعض التعليم الديني حتى بلغ الأمر أن الأب لا يستطيع السيطرة على ابنه عندما يلتحق بالحلقات الدينية، بل يربى الابن على محاربة أبيه عندما يراه يفعل منكرا مثل التدخين أو يعمل شيء يراه " الابن " خطأ حسب تعليمه، و هذه أحد العوامل التي أحدثت خلل في الأسرة بحيث أصبح دور الشيخ المعلم أكبر من دور الوالدين في المنزل. أبرز مسلسل طاش ما طاش التأثير المباشر للشيوخ الذين يهمهم سمعتهم و يقولون بأمور ليسوا مقتنعين بها، و مع الأسف لا يبرزون إن الدين يستوعب كل الاختلافات المذهبية و إن الدين يسر و ليس عسر، و إن الدين الإسلامي رسالة سلام و محبة و تعارف و ليس رسالة عنف و إرهاب، إن النقلة النوعية التي انتقلها طاش ما طاش أكسبته مصداقية و شعبية أكثر لدى الجمهور المحلي و بدول الخليج العربي حتى وصلت أقطار عربية أخرى، إن المسلسل و القائمين عليه لم يدفنوا رؤوسهم في التراب و يقولون إن التطرف و العنف اللذين كاد أن يدمر البلاد و يهلك العباد ليس له أساس و جذور تربوية دينية و تعليمية خاطئة أوصلت الحال إلى ما هو عليه من السوء، بل طرحت المشكلة بقوة و وجهت النقد إلى جهات معينة بعينها حتى يشخص المرض و يعالج بداء ناجع ليقضى على الداء قبل القضاء على الوطن، بالرغم من أهمية طرح و مناقشة القضايا الاجتماعية و الأسرية ألا أننا نحاط بمعضلات أهم من القضايا الأسرية وهو أمن دولة و مواطنيها و منشآتها، ينبغي أن تطرح و تناقش أسباب هذا الفكر المتطرف بقوة و بدون مراعاة أو مجاملة لأحد لأن الهم الوطني و المصلحة العامة أهم من مراعاة مشاعر جماعة معينة أو فئة، تريد أن تحقق أهداف معينة على حساب مصالح الوطن بمواطنيه و مرافقه.
علي عيسى