الحكومة الفلسطينية وثقافة الاستجداء
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
اتخذت الحكومة الفلسطينية قرار وصفه رئيسها السيد احمد قريع ( أبو العلاء ) بأنه أجرأ واخطر قرار اتخذته السلطة منذ إنشائها، وهو الاقتطاع من الاحتياطي النقدي مبلغ مائتين وخمس وعشرين مليون دولار، وذلك لتنفيذ عدد من المشاريع، على المجالات المختلفة، مأخوذة من الخطة متوسطة المدى لمجلس الوزراء، معتبرا أنها تساهم في حل جزء من مشكلة البطالة.
جدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية أقدمت على هذا الإجراء، بعد أن " توقفت " تقريبا الدول المانحة عن تقديم ما سبق والتزمت به من تحويلات مالية للسلطة، وبعد أن لم تف معظم الدول العربية القيام بالإجراء ذاته، ضمن سياسة تشير إلى انه لم يعد لدى السلطة ما تقدمه لهذه الجهات مقابل تلك الأموال.و أخر تلك الأسباب ما تتمتع به تلك السلطة من " فساد " ومن تسر يبات مالية، بسبب انعدام المحاسبة وضعف الشفافية اللازمة لضمان أن تذهب الأموال إلى ما هو مخصص لها من بنود صرف عامة.
وحيث كان حديث الإصلاح قد ارتبط بالسياسة، حين كانت تنطق به الجهات الخارجية، فان جل ما أنجزته السلطة على هذا الصعيد، إنما يتمثل بإقرار الهيكليات الإدارية للوزارات والمؤسسات العامة، والتي لا تتعدى كونها تثبيتا لجهاز بيروقراطي متضخم ارتباطا بما يصرف من مرتبات لكبار ومتوسطي الجهاز الوظيفي، من شاغلي مواقع مدراء دوائر وما أعلى … وأية نظرة على أية هيكلية مقرة تؤكد ذلك، فلا تكاد توجد وظيفة مدير دائرة وما أعلى منها شاغرة. فيما تكاد تكون بالمقابل معظم الوظائف التي هي أدنى من ذلك شاغرة!!!
هذا على الرغم من عدم قيام الغالبية الساحقة من هؤلاء المدراء والمدراء العامين صعودا إلى أول راس الهرم الوظيفي بأي مهمة تذكر، بحيث يمكن القول بان موظفي الجهاز الحكومي للسلطة، لا يتعدون كونهم بطالة مقنعة بامتياز، وبكل وضوح وصراحة.
وحديث البطالة يطول، فالشهر الماضي، على سبيل المثال، ودون الدخول في التفاصيل، صرفت السلطة الفلسطينية ستة وثمانين ألف راتب بطالة، وفق إعلانها، ضمن برامج مدتها من شهرين إلى ثلاثة و أحيانا إلى ستة اشهر، تصرف في الغالب لخريجي الجامعات، الذين ينهون تعليمهم الجامعي، في معظمهم من الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون تخطيط مسبق يحدد اتجاهات الحاجة الوظيفية والعملية، وبهدف " إسكات " هؤلاء عن المطالبة بحقهم في العمل، كذلك بهدف إعالة عشرات آلاف الأسر التي تتضور جوعا، في مجتمع يفترض فيه أن يقاوم الاحتلال، وان يستعد لادارة نفسه بنفسه بعد تحرره من الأجنبي.
تظهر برامج " البطالة " وهي تصرف الآن وفق برامج مؤقتة وليست دائمة إلى حين توفير فرصة العمل لمن يعانون من البطالة، كما كان يحدث سابقا، سياسة تبدو أنها أخلاقية للوهلة الأولى، تقول بمواجهة الفقر، ومساعدة المحتاجين و وهي في الحقيقة سياسة مضللة، لأنها لا تتعدى كونها سياسة تقديم " الصدقة " للفقراء، بدلا من تأهيلهم للعمل، وتوفير فرص العمل الكريم لهم.
ويكاد كل ما يتخلل المستوى الاقتصادي في المجتمع الفلسطيني يشي بما يمكن اعتباره ثقافة راسخة في صفوفه، تربت عليها الأجيال منذ عام 48 وساهمت جهات " إنسانية " عديدة في تكوينها، لدرجة باتت معها الآن مكونات الذات هي التي تقوم باستمرار تأكيدها، من بطاقة التموين الأممية، وليس انتهاء بكوبونات حماس، مرورا بمرتبات ومكافآت البطالة التي تصرفها السلطة. وهي ثقافة ممتدة تدير ظهرها للمثل الصيني الذي يحفظ كرامة الناس، والذي يقول : خير لك أن تعمله الصيد من أن تعطه كل يوم سمكة.
رجب أبو سرية
Rajab22@hotmail.com