موقع المسألة الكردية من خارطة التفاعلات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
موقع المسألة الكردية من خارطة التفاعلات التي تشهدها سورية راهناً وآفاقها المستقبلية
إن ما تشهده سورية اليوم من تفاعلات حادة متسارعة متداخلة، ومواجهات بين أركان المجموعة الحاكمة، تؤكد أن أزمة السلطة البنيوية في أساسها، قد وصلت إلى طريق مسدود..... وما نشاهده ونواجهه اليوم من وقائع ملموسة ليس سوى حصيلة تلك المقدمات الفاسدة التي انطلق منها حزب البعث في عملية استيلائه على السلطة في عام 1963 بقوة السلاح، واضعاً بذلك الحد لأية قرائن مبشّرة بحياة سياسية ديمقراطية كانت قد بدأت بواكيرها بالظهور ضمن حدودها النسبية في بدايات مرحلة ما بعد الاستقلال في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي.
وحزب البعث، كما يقدم هو نفسه في برنامجه حزب انقلابي (المادة السادسة من المبادئ العامة)؛ ينشد السلطة باسلوب العنف البعيد عن الخيارات الديمقراطية؛ كما انه يتبنى ايديولوجية قومية شمولية لا تقر بحقوق الآخرين. وهو يحدد بنفسه لنفسه حدود البقعة التي يعقتد انها تخص العرب من دون غيرهم، وذلك بمنأى عن حقائق التاريخ والجغرافيا والمعطيات الآثارية ( المادة السابعة من المبادئ العامة). وبالتعارض مع حقوق الشعوب، يدعو صراحة في المادة الحادية عشرة من المبادئ العامة إلى طرد كل من دعا أو انضم إلى تكتل عنصري ضد العرب، وكل من هاجر إلى الوطن العربي لغاية استعمارية، وذلك بموجب محددات البعث نفسه. وبالتناغم مع هذا التوجه المتشدد المنغلق على ذاته، يرفض حزب البعث الاعتراف بالوجود الكردي وغير الكردي باعتبار أن ذلك يتناقض مع توجهه القومي المتشدد الرامي إلى فرض التجانس العربي المطلق في إطار الوطن العربي الذي يعمل جاهداً - بناء على ايديولوجيته –من أجل تحقيق وحدته في نطاق دولة واحدة، يقودها البعث من دون غيره......
ومنذ اليوم الأول لاستيلائه على السلطة في 8 آذار 1963، عطّل الحزب المعني هنا الحياة السياسية في سورية من خلال تعليق الدستور والقانون، وفرض حالة الطوارئ. وقد اتضح للناس مع البدايات الأولى أن المسألة برمتها لم تكن قومية وحدوية، بقدر ما كانت مسألة شعارات كبرى، تستّرت بها مجموعات عدة متعطشة للسلطة، سعت لاحقاً إلى اسلوب التصفيات فيما بينها؛ إلى أن تسنى فيما بعد للرئيس حافظ الأسد التفرّد بالسلطة، وذلك بفعل الحركة الانقلابية التي أطلق عليها اسم الحركة التصحيحية التي كانت في السادس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1970.
لقد اعتمد حافظ الأسد اسلوباً براجماتياً مختلفاً عن ذاك الذي اعتمده البعث سابقاً مع المعارضة باتجاهاتها المتباينة. فقد تبنى اسلوب احتواء الاتجاهات القومية والشيوعية واليسارية من خلال اشراكها الشكلي في الحكم، والزامها بضرورة الابتعاد التنظيمي عن الجيش والطلاب، وذلك في اطار الجبهة الوطنية التقدمية التي تعد من الناحية النظرية أعلى قيادة سياسية في البلد. في حين أنه فرض على الجميع دستوره، هذا الدستور الذي تنص المادة الثامنة منه صراحة على أن حزب البعث هو الذي يقود الدولة والمجتمع في سورية. وحينما تبين لحافظ الأسد صعوبة، إن لم نقل استحالة، اعتماد الاسلوب ذاته مع الاتجاه الديني في المعارضة ممثلاً بصورة أساسية في حركة الاخوان المسلمين، اعتمد صيغة التصعيد، والتزم أشد الاجراءات قسوة. كما اتخذ من التدابير الادارية ما صادر على امكانية أي حل توافقي؛ وتوّج ذلك بإصدار قانون العار، قانون 49 لعام 1980 الذي ينص على اعدام كل من ينتمي مجرد الانتماء إلى حركة الاخوان المسلمين..... وذلك في سابقة خطيرة لم تشهدها سورية في تاريخها قط.
أما فيما يتصل بالوضع الكردي الذي يمثّل المحور الذي تتمفصل حوله هذه الورقة، فقد تبنت السلطات السورية عند بدايات سيطرة حزب البعث على مقاليد الامور عام 1963- كما اسلفنا - اسلوب التجاهل والطمس والالغاء في سياق تعاملها مع القضية الكردية في سورية. وقد تجسّد ذلك في سياسة اضطهادية مزدوجة، تمثلت في حرمان الشعب الكردي في سورية من جميع حقوقه القومية والديمقراطية المشروعة، من ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وادارية وغيرها.....من جهة؛ وتعرضه في الوقت عينه لجملة مشاريع اضطهادية استهدفت - وما تزال - وجوده القومي أرضاً وشعباً وثقافة. ومن أبرز هذه المشاريع يشار هنا إلى الاحصاء الاستثنائي الذي اجري حصراً في محافظة الحسكة عام 1962، وتم بموجبه حرمان أكثر من 120 ألف مواطن كردي من الجنسية السورية في ذلك الحين؛ وقد ارتفع هذا العدد مع الوقت ليبلغ في يومنا هذا قرابة ربع مليون انسان وربما أكثر، لا يتمتعون بأية حقوق شخصية. كما يشار في السياق ذاته إلى الحزام العنصري الذي كان بهدف الفصل بين كردستان تركيا وكردستان سورية، وذلك من خلال الاعتداء على الملكية الفردية للكرد، والاستيلاء عليها بذريعة تطبيق الاصلاح الزراعي؛ ومن ثم لجأت السلطات السورية البعثية إلى جلب العرب من مناطق منبج والرقة والباب وغيرها، وأسكنتهم من دون ارادتهم ضمن الشريط الحدودي لمحافظة الحسكة الذي يمتد على مدى أكثر من 380 كم؛ وذلك بهدف انجاز الفصل المشار اليه، وتغيير الطابع السكاني/ الديموغرافي للمنطقة.
من جهة اخرى، تعتبر اجراءات التعريب المتلاحقة التي تشمل أسماء المدن والقرى والمحلات والأشخاص جريمة ثقافية انسانية، تتناقض مع لوائح حقوق الشعوب والانسان، وتتعارض مع المواثيق والأعراف الدولية ذات العلاقة. وإلى جانب كل ذلك، تقوم السلطات السورية باتباع سياسة الاهمال والفساد والإفساد في المناطق الكردية التي تخضع لنهب مستمر من قبل المسؤولين الأمنيين وغيرهم من الذين يستغلون مواقعهم الوظيفية من دون أي رقيب أو حسيب....
فالمناطق المعنية محرومة من أية مشاريع اقتصادية حكومية، ويعاني سكانها من نسبة بطالة مفزعة على الرغم من وجود الثروة النفطية الاستراتيجية في مناطقهم. كما ان القطاع الزراعي في المناطق المعنية الذي يعد محور الحياة الاقتصادية يتعرض لتخريب متواصل نتيجة الجشع الاستغلالي، والسياسة الاضطهادية التي يستهدف القائمون عليها خلق المصاعب أمام الناس في المناطق الكردية، وذلك لاجبارهم على الرحيل، والكف عن المطالبة بالحقوق....
وفي مواجهة هذه السياسة الاضطهادية التي بدأت بوادرها قبل مجيء البعث، واستفحلت في ظل سنوات حكمه الطويل، تأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية عام 1957، هذا الحزب الذي سعى منذ بداياته من أجل رفع الاضطهاد، وتأمين الحقوق القومية والديمقراطية المشروعة...إلا أنه جُوبه دائماً بالقمع والملاحقة والاعتقالات. وفي خضم العملية النضالية، وبفعل تشابك عوامل عدة متباينة المصادر والأهداف، انقسم هذا الحزب على ذاته، وتوزع بين جملة من الأحزاب يزيد عددها اليوم على العشرة، تشكل قوام تجمعين كبيرين هما التحالف الديمقراطي الكردي في سورية، والجبهة الديمقراطية الكردية في سورية، بالاضافة إلى من هم خارج نطاق هذين التجمعين مثل حزب يكيتي.....
والأمر الذي يلفت النظر هو أن جميع الأحزاب الكردية في سورية تلتقي في برامجها على النقاط الأساسية التي تتشخص في المطالبة والعمل من أجل الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي في سورية، باعتباره القومية الثانية. كما انها تطالب بإلغاء الاجراءات وتعويض المتضررين من جرائها؛ وتأمين الحقوق القومية والديمقراطية. وخارج نطاق هذه الأحزاب يلاحظ أن الوعي السياسي لدى الشعب الكردي هو في أوجه؛ الجميع يطالب برفع الاضطهاد، ويدعو إلى تأمين الحقوق المشروعة ضمن إطار وحدة الكيان السياسي السوري. وتجدر الاشارة هنا إلى أن الاتجاه العام السائد في المجتمع الكردي يميل نحو الديمقراطية التي يجد فيها الحل الأمثل لجملة القضايا التي تبدو في ظل السياسة الرسمية المتبعة مستعصية الحل. وفي المقابل لا تجد الحركات الاسلامية المتشددة التكفيرية أرضية خصبة لها ضمن الواقع الكردي في سورية؛ هذا على الرغم من التدين المتوازن المعتدل الذي يُعد خاصية يتسم بها المجتع الكردي على وجه العموم. فهذا الأخير لا يحبذ المزج بين الدين والسياسة، ويتحلى بالتسامح الديني إزاء أتباع الأديان الاخرى سواء من الكرد أو غيرهم....والموقف الكردي العام يقوم على أساس أن الاتفاق حول المسائل السياسية يتم بالحوار والتفاهم، واقرار القواسم المشتركة التي قد لا تجسد التوجهات الحرفية للجميع، لكنها تعد الركائز التي يستمد منها الجميع إمكانية التواصل والمقدرة على التفاعل..... هذا في حين أن الدين يتمحور حول المعتقدات الخاصة بكل فرد........
لقد أدركت السلطات السورية باستمرار - خاصة في ظل حكم البعث - أن القضية الكردية هي من أكثر القضايا الحيوية في البلاد. وقد عملت باستمرار انطلاقاً من توجهاتها الايديولوجية المتناقضة مع المعطيات العيانية من أجل التعتيم على هذه القضية، وترويج صورة مشوهة لها. وكانت وسيلتها المفضلة في هذا الميدان إثارة العصبيات القومية المحدودة الآفاق؛ كما اعتمدت السلطات البعثية، خاصة في المرحلة الاولى من حكمها في سورية التي امتدت إلى عام 1970 – وهو العام الذي سيطر فيه حافظ الأسد على مقاليد الامور كما أسلفنا – نهج توجيه الاتهامات، والصاق تهمة العمالة بكل تحرك كردي مطالب بضرورة رفع الضيم، والاعتراف بالحقوق. ولم تكن هذه التهمة موجهة نحو نضالات الشعب الكردي في سورية فحسب، بل في العراق أيضاً...... لكن هذه النظرة اختلفت إلى حد ملحوظ مع التوجه النفعي الذي رسّخه حافظ الأسد في إطار تعامله مع مجمل القضايا السورية الداخلية والاقليمية؛ وقد تشخص هذا التوجه في عملية اللعب بالاوراق الاقليمية بغية اشغال الناس، وارباكهم، والايحاء لهم بأن ما يتعرضون له من ظلم وتجاوزات انما يندرج في إطار التضحية التي لابد منها بغية التصدي للاخطاء الجسام، والتحديات الكبرى التي تواجه الأمة، هذه الأمة التي اُختزلت في حزب البعث، واُختزل هذا الأخير في مجموعة من القيادات الأمنية والسياسية التي انتقلت من دور التابع في عهد الأسد الأب إلى دور الوصي في عهد الأسد الابن......
ومن بين الأوراق التي استخدمها الرئيس حافظ الأسد في إطار لعبة التعمية والارباك، الورقة اللبنانية والورقة الفلسطينية، إلى جانب العراقية؛ وقد أضاف إلى هذا الأوراق في المرحلة التالية الورقة الكردية؛ وذلك بهدف توجيه انظار الشعب الكردي في سورية نحو الخارج، وضرب أية علاقة تفاهمية ضرورية بين فصائل الحركة الوطنية الكردية ونظيراتها العربية، الأمر الذي عمل النظام - وما زال يعمل - بكل طاقته من أجل عدم حدوثه. وبالانسجام مع هذا التوجه، تعامل النظام مع الأحزاب والقوى الكردية في كردستان العراق، خاصة مع التنظيمين الأساسيين: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. كما تبنى حزب العمال الكردستاني في كردستان تركيا بزعامة اوجلان؛ ووضع في تصرفه جميع الامكانيات، طالما انه يدعو ويسعى من أجل توجيه الطاقات نحو كردستان تركيا؛ حتى وصل الأمر باوجلان إلى الدعوة من أجل العمل في سبيل تشجيع الكرد - وفق زعمه – على البدء بالهجرة المعاكسة من الجنوب إلى الشمال......
لكن الأخطر من كل هذا وذاك، هو أن هذا النظام تمكّن بأساليبه المختلفة من فرض منظومته الايديولوجية بخصوص القضية الكردية على الحياة السياسية السورية؛ حتى باتت فصائل المعارضة نفسها تستلهم تلك المنظومة في سياق تعاملها مع القضية الكردية.... فقد خضعت هذه الأخيرة لمنطق التجاهل والتشكيك والتوجس؛ ولم تبذل - إلا في حالات نادرة محدودة فردية - أية جهود معرفية جادة من أجل استيعاب جذور المسألة وأبعادها، الأمر الذي كان من شأنه مساعدتها في عملية البحث عن الآفاق والحلول في إطار الوحدة الوطنية؛ وهذا ما أحدث فجوة استراتيجية في العمل المعارض، فجوة ما زلنا نعاني من آثارها السلبية التي تعرقل عملية جمع الطاقات، وتركيزها في اتجاه المهمة الوطنية الكبرى التي تتمثل في ضرورة التغيير الديمقراطي. فغالبية القوى المعارضة ما زالت تحت وطأة الفعل السلبي للمنظومة المفهومية البعثية في ميدان التعامل مع القوميات الاخرى غير العربية. وهي تبعاً لذلك تأبى الاعتراف بحقيقة أن سورية الحالية هي كيان سياسي تشكل بموجب اتفاقيات دولية نصت على اقتطاع جزء من كردستان والحاقه بالكيان الوليد بعد الحرب العالمية الاولى. ويُشار في هذا السياق بصورة خاصة إلى الاتفاقية الفرنسية - التركية المعروفة باسم اتفاقية فرانكلين بويون 1921.
والأمر اللافت للنظر هنا هو أن قوى معارضة السورية تتفهم موقف حزب الله في لبنان الذي يستمد راهناً مشروعية سلاحه بصورة أساسية من واقع احتلال مزارع شبعا من قبل اسرائيل؛ في حين انها تغض الطرف عن جهل أو تجاهل عن واقع وجود أرض كردية ضمن الكيان السياسي السوري القائم راهناً، أرض تتجاوز مساحتها ضعفي مساحة لبنان وربما أكثر....
إن سياسة الالغاء والاقصاء والتهميش، لم ولن تكون مجدية في التعامل مع قضية هي في طريقها إلى البروز والتفاعل والتكامل، وذلك بفعل تنامي الحجم الكردي على المستوى العددي، والتطور الكيفي على مستوى الوعي؛ هذا إلى جانب التفاعلات الاقليمية الحادة التي تشهدها المنطقة، هذه التفاعلات التي أكدت أن العامل الكردي قد بات أحد العوامل الأساسية التي ستكون بمثابة الركيزة المفصلية التي سيتمحور عليها مستقبل الاستقرار في المنطقة. إن التعامل الأصح الذي تقتضيه الظروف الحالية والاستشفافات المستقبلية يتمثل في ضرورة الاقرار بالوجود الكردي أرضاً وشعباً ضمن اطار الكيان السياسي السوري الراهن. وأمر من هذا القبيل يستلزم مسألة احترام الخصوصية القومية على قاعدة الاقرار بالحقوق القومية والديمقراطية، والعمل من أجل الغاء المشاريع التمييزية، ومعالجة اثارها السلبية التي امتدت على مدار عقود طوال. والمعالجة المعنية هنا لا يمكن أن تتم من دون تعويض المتضررين ضمن حدود معقولة، تمكّنهم من استعادة قواهم، وتؤهلهم لاداء دور فعال، في اطار وطني ديمقراطي، تكون بموجبه سورية الحاضنة الوطنية الكبرى التي تستوعب الجميع، وتكون للجميع.....
إن القوى المعارضة - إذا كانت جادة في توجهاتها، وتعمل بالفعل من أجل تغيير ديمقراطي أكيد يريده الجميع - عليها أن تقطع مع عقلية البعث الاستعلائية الاقصائية، هذه العقلية التي أوصلت البلاد والعباد إلى مأزق بنيوي مسدود الآفاق. المعارضة ينبغي أن يكون لها مشروعها الوطني الذي لايتأثر بالتهديدات والمغريات. مشروع يفرض احترامه عبر امتلاك المصداقية، بعيداً عن المماحكات اللفظية والوعود الهلامية التي لاترتكز على قناعات راسخة بضرورة معالجة القضايا بمعزل عن منطق الفرض والهيمنة.....
إننا لانبالغ إذا قلنا أن الموقف السليم من القضية الكردية في سورية يعد إلى حد كبير مقياس مصداقية الجهود الرامية اليوم إلى التغيير الديمقراطي الوطني.... إن الوقوف على جذور وأبعاد وحجم القضية الكردية في سورية من قبل فصائل المعارضة السورية، وتأكيد ضرورة حلها باسلوب ديمقراطي ضمن نطاق البلاد، يكسبانها ثقة ودعم الشعب الكردي بأسره سواء في الداخل السوري أو في الجوار العراقي والتركي. أما التعامل التكتيكي النفعي الآني فلن يكون عامل توافق وتفعيل، بل مجرد مسكّن عابر، غير صالح للمعالجة الجذرية السببية المطلوبة....... نحن محكومون بالتعايش في سورية، والانتماء القومي المتعدد لا يمثل ضعفاً؛ بل على النقيض من ذلك، في مقدورنا الاستفادة من العلاقات العربية والكردية، ووضعها في خدمة نهضة سورية وتقدمها، الأمر الذي سيكون لصالح المنطقة بأسرها...
إن المنشود راهناً - استعداداً للمستقبل الحافل بالمتغيرات والاستحقاقات - هو حوار وطني عربي - كردي جاد في سياق وطني سوري، حوار يمثل أساس اللقاء بين مجمل مكونات الشعب السوري، حوار يمهد للفعل الوطني التغييري باسلوب ديمقراطي...فعل لم يعد يحتمل التأجيل أو التسويف...
ومن أجل انجاح مشروع وطني هام كهذا، لابد من بلورة معالم مرجعية كردية، تضم سائر الفصائل والطاقات، مرجعية تتبنى الهم الكردي في اطاره الوطني السوري، بعيداً عن الحسابات الذاتية الآنية والعصبيات الحزبية التي تتنافى مع المشروع الوطني الشامل الذي تكون الأحزاب والتنظيمات بالنسبة إليه مجدر وسائل، تمكّن من الوصول إلى المبتغى، لا العكس......
وفي هذا المجال لابد من الاشادة بإعلان دمشق، مع الاحتفاظ ببعض الملاحظات التي تخص آلية اختيار الموقعين، وتتناول بعض النقاط الواردة فيه، منها ما يتصل بالموضوع الكردي ومنها ما يتصل بالموضوع الوطني العام؛ ولكن ما عدا ذلك يعد الاعلان في شكله ومضمونه الخطوة الأصح في الطريق الصحيح إذا جاز التعبير......
إن المرحلة القادمة هي مرحلة مفصلية حاسمة في تاريخ بلدنا، ونحن جميعاً مطالبون بالارتقاء إلى متسوى التحديات، وامتلاك ناصية النضج المسؤول الذي يستوعب الجميع، ويطمئن الجميع، ويسد الطريق على عقلية الثار والانتقام......
وقبل أن أنهي هذه المداخلة أود أن أتوجه إلى الجانب الاوربي الرسمي لمطالبته بضرورة الاعتراف بالخطأ على صعيد سكوته في مواجهة تجاوزات السلطات السورية على حساب الشعب. لابد من التعامل مع الشعب السوري بمختلف مكوناته، ودعمه في نضاله من أجل الديمقراطية، ومساندته في عملية التنمية، ومن شأن خطوات مسؤولة في هذا الميدان، الإسهام في عملية قطع الطريق على الإرهاب، ومعالجة قضايا الهجرة والحد منها، وذلك بإنتفاء أسبابها.
لقد آن الوقت لنعلن للقوى الاقليمية والدولية الفاعلة أن البديل الوطني السوري موجود، وهو قادر على إدارة الامور، والسير بالبلاد نحو الاستقرار والنهوض، وفق مشروع وطني، يحترم حقوق الجميع، ويمكّن سورية من استعادة دورها الحضاري البنّاء اقليمياً ودولياً، هذا الدور الذي تكون بموجبه سورية عامل استقرار وتواصل من أجل مستقبل شعبها وشعوب المنطقة بأسرها...
لننتقل إلى دائرة الفعل، ونعتمد الآليات المناسبة، لان وتيرة المتغيرات المتسارعة لا تمنحنا مشروعة إضاعة المزيد من الوقت والجهد..
د. عبد الباسط سيدا
قدمت هذه الورقة - بنصها الكردي- إلى الكونفراس الخاص بالقضية الكردية في سورية الذي انعقد في الجمعية الوطنية الفرنسية بتاريخ 1-12-2005.