أصداء

الإنتخابات العراقية والسؤال المحرج

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

(خير اللهم اجعله خير)
في مقال تهَكُمي ساخر،عن الفضائيات العربية، كنت قد اعلنت نفسي كبيرا للخبراء والمحللين بعالمنا العربي الكبيرمن على هذا المنبر ومن على منابر اخرى قبل ذلك. فعلت ذلك بعد ان رأيت انتشار الفضائيات في سمائنا، وان كل الناس صاروا محللين وخبراء ومفكرين!! خاصة ابناء دفعتي والدفعات السابقة واللاحقة، واكتشفت انني انا الوحيد الذي لم يصبح مفكرا او خبيرا في شئ او محللا لشئ، وبالطبع لم يرضني هذا الوضع لذلك قمت بتنصيب نفسي مفكرا وخبيرا ومحللا في جميع الامور والشئون الخاصة بالعالم العربي والعالم الاسلامي والعوالم المجاورة، وغير المجاورة( خاصة وقد اكتشفت بان الخبرة او التفكير ماهي إلا حفظ بعض محتويات الكتب الصفراء والخضراء وبقية الالوان وما اكثرها عندنا، يُضاف الى ذلك حفظ عدد من الكلمات الأجنبية مع شِوية حقائق علمية ). وكنت ايضا قد ناشدت جميع القنوات الفضائية والارضية بما في ذلك قناة السويس وبنما، وحتى قناة استاكيوس، بان لاتستضيف أي مفكر او محلل غيري. وبما انه مضى على ذلك الاعلان فترة ولم يعترض عليه احد،فان ذلك يعتبر موافقة من الجميع على هذا التنصيب ( لانكم تعلمون بأن السكوت علامة الرضى ). ولكن يبدو انني بهذا الاعلان قد وقعت في شر أعمالي. إذ ان احد مقدمي البرامج إياها!! لاحدى القنوات إياها!! قد اتصل بي طالبا اجراء حوار عن الشأن العراقي، خاصة وانتخاباته على الأبواب. بالطبع لم اضِِِِِع الفرصة ووافقت على الفور على هذا اللقاء،خاصة وانا اعلم انه سوف لن يكلفني جهدا، ذلك ان الكلام الذي يقال في هذا المجال محفوظ ومعروف، بل انني اعلم بان ذلك المذيع قد لا يحيجني لاي كلام لانه وفي الغالب سوف يلقي خُـطبته الافتتاحية والتى سوف تستهلك نصف وقت البرنامج ـ ومنها سوف اعرف الخط الذي يجب ان اسير عليه ـ ثم سوف يلقي خـُطبه السؤالية ويعقبها بخـُطبه الجوابية بينما اكون انا فاغرا فاهى جالسا ( كما ألأهبل ) امامه. كان من ضمن الاسباب التي جعلتني اوافق فورا على هذا اللقاء هي الفرصة التى سوف تتاح لي لإمتطاء الطائرة،مجانا، الى البلد الذي تقبع فيه تلك القناة،هذا بالإضافة للاقامة في فنادق الخمسة نجوم، والفخفخة التي سوف اعيشها لمدة يومين اوثلاثة، وهذه اشياء لا تتيحها امكانياتي الخاصة،هذا إضافة للظرف الذي قد استلمه بعد اللقاء. وفي انتظار موعد السفر قمت بتجهيز نفسي بمذاكرة كل الخـُطب والمصطلحات والمقالات الخاصة بهذا الموضوع، وايضا الخاصة بالعدو الصهيوني وامريكا والامبريالية!! بل وجهزت ملفا كاملا بهذه الاشياء لكي احمله معي تحوطا لكل ملابسات،هذا على الرغم من انني وكما قلت سابقا قد لا احتاج الي ذلك لان الاسئلة في هذا المجال معروفة ومحفوظة، وإجابتها ايضا معروفة ومحفوظة عن ظهر قلب، اضافة الى ان المذيع نفسه سوف لن يقصِّر في هذا المجال إذ انه غالبا سيقوم بطرح الأسئلة وطرح اجاباتها، وبالطبع فان المتداخلين ( وهم معروفون مسبقا امثال الدكتور فلان الفرتكاني من هولندة، وأُم عرمان من السويد وبقية الشلة المعروفة والجاهزة في كل البرامج ) هؤلاء سوف يدعمون الموقف بخطبهم الررنانة الحاسمة وتصويتهم الذي سوف يدعم موقفي بنسبة لا تقل باي حال من الاحوال عن التسعين في المائة، وبالطبع ايضا اعرف ان أي شخص من خارج السرب ويريد الشوشرة، سوف لن يتاح له تليفون الاتصال، واذا حدث أن تسلل احد من هؤلاء عن طريق الصدفة او بالتعمد (للتحلية)، فان المذيع كفيل بأن يجندله ويصرعه،هذا بإلاضافة للمتداخلين الذين هم له بالمرصاد وسوف يلقمونه صخورا. اما اذا كان ذلك الخارج عن السرب موجودا معي في الاستوديو للاشتراك في نفس البرنامج فان خـُطبي الجاهزة والمحفوظة كفيلة بردعه والرد عليه (وقطع نـَفسِه)، هذا اذا اتيحت له فرصة لان يتنفس او ينبس ببنت شفة، او اذا لم يسبقني المذيع الى جندلتة وصرعه. لكل هذه الاسباب حينما حان موعد السفر هرعت الى المطار قبل موعد الطائره بنصف يوم وانا مطمئن على الوضع واضعا في بطني مزرعة بطيخ شتوي ( ومافيش حاجة هاماني ). وصلت الى هناك حيث الاستقبالات والاستضيافات، وعندما حان وقت الذهاب الى الاستوديو خرجت من الفندق على سنجة عشرة بفضل ما استلفته من الاصدقاء لهذه المناسبة من بدل وكرفتات وساعات وجزم (لا مؤاخذة ) واشياء اخرى،وهذا بالطبع لكي يكون منظري مشابها للخبراء والمفكرين!! وصلت الى الاستوديو وليتني لم اصل. لانني من الوهلة الاولى اكتشفت بان سؤ حظي اوقعني في شر اعمالي لانني عرفت بان هناك ظروفا حالت دون تواجد المذيع المعروف لهذا البرنامج وان مذيعا بديلا سوف يدير الحلقة، وهذا بالطبع جعلني اتوجس من هذا المذيع الجديد الذي لا اعرف نمطه وطريقته في ادارة الحوار، خاصة وانا كنت في اتم الجاهزية للتعامل مع الوضع في حالة المذيع الاصلي. عموما حاولت ان اطمئن نفسي بان هذا المذيع لن يختلف كثيرا عن الاخر لانه وكما تعلمون (كله عند العرب صابون ) واكيد ان هذا المذيع لن (يكون شامبو). وانا في الاستوديو في انتظار فتح الكاميرات ـ وكلي انشكاح وانبساط ـ دخل المذيع ومعه شخص آخر وكلاهما غريبان عليَّ ولم ارهما قبل ذلك على أي شاشة، فقلت في نفسي سرا، خير اللهم اجعله خير. وما ان جلسا وبدأت الحلقة حتى اكتشفت بانني قد وقعت في فخ كبير لا أعرف هل هو من سؤ حظي ام بسبب مؤامرة اُحيكت ضدي. إذ انني اكتشفت بان ذلك المذيع وايضا الضيف كلاهما من خارج السرب المتعارف عليه لذا كان حوارهما وتساؤلاتهما غريبة ومحرجة ولا تتناسب مع اجندتي وخطبي وملفاتي التي احملها،ولا تنطبق عليها اجاباتي التي احفظها (اذ أن العادة هي الاسئلة المحفوظة ذات الاجابات المحفوظة )، وكما تعلمون فان العقل مـُبـَرمـَج بشكل مـُعَيَّن ومُحدد ـ كما شريط الكاسيت ـ وأي خروج على هذه البرمجة يؤدي الى (لخبطة ) الموضوع من اساسه. هذا الوضع جعلني في حيرة من امري اذ انهما وبتلك الاسئلة الغريبة لم يتيحا لي فرصة التداخل وإلقاء خطبي فما كان مني والحال كذلك إلا ان (أحرد) واطلب المخرج فورا، وعند حضوره اخبرته بأن ما يتم في هذه الحلقة مخالف لما هو متعارف عليه في فضائنا، وان الاسئلة التي تم طرحها كلها من خارج المقرر ولم نتعود عليها، واخبرته ايضا بشكي في مؤامرة يقودها هذا المذيع وضيفه ضد القناة ونهجها لتشويه سمعتها بين اخواتها القنوات الاخرى، وايضا لم اخفِ عنه شكي في ان يكونا من العملاء المدسوسين على القناة، لانهما يسألان اسئلة تتطلب الإجابة عليها وجود (حاجات ) لم احضرها معي مثل : الشجاعة والعقل والتفكير، وهذه اشياء قد تخلصت منها والحمد لله منذ زمن بعيد!!!
سمع مني المخرج كل هذا الكلام، وبالطبع كنت اعتقد بانه سوف يطرد ذلك المذيع وضيفه من الاستوديو فورا، ويتيح لي الفرصة لإلقاء خـُطبي بدون شوشرة،ولكنني فؤجئت بانه يطلب مني ان استمر في المقابلة حتى نهايتها، وهكذا اُسقط في يدي، اذ كيف لي ان استمر في هذه المهزلة وكيف لي ان اتعامل مع هذه التساؤلات المحرجة والسخيفة التي يديرها هذا المذيع وضيفه، وهي كلها تساؤلات ومناقشات من خارج المقرر ولم نسمع بها قبل ذلك من أي واحدة من قنواتنا الفضائية (إلا ما ندر). هذا الامر جعلني اتأكد تماما بان هناك مؤامرة تحاك ضدي، فما كان مني إلا ان اعلن احتجاجي واخرج من الاستوديو معلنا رفضي لمثل هذه الاسئلة. لا اريد ان اصدع دماغك بألاسئلة التي دارت في ذلك اللقاء ولكن فقط اشير الي سؤال واحد يؤكد لك زعمي بان هذه الاسئلة كانت من خارج المقرر. كان السؤال الذي طرحه المذيع هو :
هل تتمنى ان تنجح الإنتخابات العراقية وتؤدي إلى تشكيل حكومة قوية وشاملة لكل الوان الطيف العراقي وتستطيع اخراج العراق الى بر الامان؟؟.. اتحدى أي واحد منكم ان يكون قد سمع بسؤال كهذا من أي قناة فضائية في السابق. فالاسئلة المعتادة في مثل هذا المجال والتي كنت انتظرها هي من امثال :هل سوف تنجح الديمقراطية في العراق؟ او هل تؤيد اجراء الانتخابات في العراق؟، او ماهو رايك في المقاومة؟.. وهكذا، وهي اسئلة كانت سوف تتيح لي فرصة القاء كل الخطب والمداخلات والمحفوظات التي جهزتها والتي تدحض العملية برمتها وتبرهن على فشلها. ولكن متى كنا نسال عن الاماني؟ وكيف لي ان اجاوب على مثل هذا السؤال المكيدة واتمنى نجاحاً مثل هذا؟ فإذا تمنيت نجاح العملية الانتخابية في العراق فهذا يعني بطريقة غير مباشرة انني اتمنى نجاح المشروع الامريكي الذي يزعم انه من اجل حرية وتطور الشعب العراقي، وطبعا هذا على جثـتي، وجثثنا جميعا، فكيف لي بالله عليكم ان اتمنى النجاح لامريكا في أي شئ، حتى لو كان مصلحة لنا؟ فنجاح مثل هذا يعني ان امريكا قد نجحت وبالتالي يدحض كل الذي كنا نقوله خلال خمسين عاماً، وانتم تعرفون ان امريكا تُمثل الامبريالية والصهيونية والكفر ( ويمكن كمان الشيوعية بعد ان لم يعد هناك من يمثلها). لكل ذلك رفضت الاجابة على السؤال وحملت اوراقي وملفاتي وخرجت من الاستوديو مسرعا و(تـَكـَعـبـَلت) واصطدم راسي بدرج السلم وفي هذه اللحظة صحوت من النوم لاكتشف بانني كنت في حالة ( كابوس)، فقلت في نفسي خير اللهم اجعله خيرا.

د/ ابراهيم الخير ابراهيم
كاتب سوداني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف