أصداء

الانتخابات بين الفتاوى والممارسات الائتلافية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عدت للتو بعد زيارة شهر للوطن منه أسبوع في بغداد. خلال تلك الأسابيع تعرفت على كثير من تفاصيل الدهاليز السياسية، أما ما خفي عني فهو بالطبع أضعاف!
كنت موجودا عندما صدرت البيانات والتصريحات المتعاقبة عن موقف المرجعية الشيعية وهي متضاربة وكأنما عن عمد، والله أعلم! فقد صرح السيد عبد العزيز الحكيم مرارا وفي اجتماعات عامة ترفع صور آية الله السيستاني بأن المرجعية تدعم الائتلاف في هذه المرة أيضا. ولم يصدر عن المرجعية أي إيضاح في حينه. بعدئذ انتشر في بغداد تقرير عن اجتماع السيد محمد رضا نجل السيد علي السيستاني مع وكلاء المرجعية وتصريحاته هناك بأن المرجعية لن تعطي تعليمات خطية ورسمية هذه المرة، وإنما على الوكلاء إبلاغ الناس شفهيا وبلا ضجة بأن المرجعية تدعو لانتخاب الكتل الدينية، ولعدم التصويت للعلمانيين وعدم تشتيت الأصوات. بعد ذلك انتشر في عدة مواقع في الخارج بيان منسوب للمرجعية في نفي الخبر ثم صدرت وثيقة أخرى تؤكد التأييد، ثم بيان تكذيب! كل هذا أثار البلبلة الواسعة مع تأكيدات متضاربة. أما الموقف الحقيقي الرسمي فجاء قبل يومين في فتوى ممهورة بختم المرجع الأعلى حيث يقول نصا:
" على المواطنين رجالا ونساء أن يشاركوا فيها [أي الانتخابات ] مشاركة واسعة ليضمنوا "حضورا كبيرا وقويا للذين "يُؤتَمنون على ثوابتهم" ويحرصون على مصالحهم العليا في مجلس النواب القادم." ثم يرد:
" ولهذا الغرض لابد من التجنب عن تشتيت الأصوات وتعريضا إلى الضياع."
إن ما يلفت النظر هنا الحديث عن [الحرص على الثوابت] وهو تعبير آخر عن ثوابت أحكام الشريعة، وبالتالي فهذه دعوة لعدم التصويت للعلمانيين الداعين لقيام دولة مؤسسات مدني وعصري وفيدرالي ديمقراطي. أما الدعوة لعدم تشتيت الأصوات فترجمتها تذهب في الاتجاه ذاته. وخير دليل على هذا التفسير لبيان مطاط يحتمل التفسيرات هو بيان صدر بعد ساعات من نشر الفتوى غير الواضحة من علماء الحوزة العلمية في النجف، يؤكد أن ما يقصده وما يريده السيستاني هو انتخاب قائمة الائتلاف الشيعي الموحد. وجاء في بيانهم أيضا:
"ثم أن سماحته، دام ظله، دعا إلى وجوب خروج الرجال والنساء جميعا للانتخابات، وتجنب تشتيت الأصوات وتضييعها، كما دعا إلى عدم انتخاب القوائم الصغيرة التي ليس لها رصيد شعبي واسع، أو ليس لها امتداد في المحافظات. لقد دعت فتوى المرجع الأعلى المختومة المكتوبة بوضوح كاف إلى انتخاب قائمة الائتلاف العراقي الموحد [555 ] دون لبس أو إبهام، لتبين للمؤمنين ما سوف ينتخبون، ولنقطع الطريق على المغرضين المضللين ممن يحاولون أن يخدعوا الناس، [ ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين."!! إذن هذه قائمة تريدها العناية الربانية!!
لم يصدر تكذيب من المرجعية لحد الساعة، بل إن عمار الحكيم أيد بقوة ما قاله علماء الحوزة.
إن كل هذه البيانات والدعوات والفتاوى منشورة في الصحف العربية والمواقع الألكترونية. فهل يقولون بعد هذا إن المرجعية لا تتدخل لصالح قائمة بعيهنا؟؟ كيف؟؟
ومما يلفت النظر أيضا وبقوة، موقف مفوضية الانتخابات، فهي ساكتة عن كل هذا، مثلما سكتت عن وضع الرموز والصور الدينية على قائمة الائتلاف في الانتخابات السابقة أيضا. وهذا الصمت يثير العديد من التساؤلات المشروعة عن مدى موضوعية وحياد المفوضية، لا سيما وثمة أخبار متتالية تشير إلى تسلل الكثير من مؤيدي وعناصر المجلس الأعلى إلى عضوية الموظفين والمندوبين الذين اختارتهم المفوضية.
والسؤال الكبير: هو لماذا لا تحتج المفوضية على زج الدين ورموزه في الانتخابات، حيث أن هذه ممارسات مخالفة لأبسط مبادئ الانتخابات الديمقراطية؟؟
لقد كتبنا وكتب العشرات من الكتاب الوطنيين العراقيين عن مخاطر زج الدين ومرجعياته من سنية وشيعية وغيرهما، في تفاصيل العملية السياسية وكيف أن ذلك يلحق أضرارا كبيرة بكل من الدين ومرجعياته وبالعمل السياسي المفتوح على خلافات وتعدد اجتهادات ومواقف. وقد قرأت أمس في إيلاف مقالا رائعا حقا للشاعر المعروف حميد الخاقاني يبين بوضوح وجرأة مخاطر زج المرجعية في العمل السياسين وكيف أن تبنيها لقائمة الائتلاف يحملها بالضرورة عواقب أخطاء حكومة الائتلاف وفشلها المتلاحق وتدخلها المستمر في العملية الانتخابية من خلال المليشيات الهائجة.
أيها القارئ العزيز : اقرأ بعناية فائقة المقال المذكور لتجد فيه أفكارا ناضجة وشرحا ناصعا وعلميا مع مقتطفات دينية لمواقف الائتلاف وممارساته، وضرورة عدم زج المرجعية في العمل السياسي، وإلا فإن تواصل هذه المواقف لا يعني غير تكريس عملي لمبدأ ولاية الفقيه، ولكن بطبعة عراقية، بمعنى كونه خاليا من النص الدستوري الصريح الذي أرادوه في مسودات الدستور، لولا أن جوبه بالرفض القوي.
ترى كم ستكون درجة الحرية والنزاهة في انتخابات الخميس، التي نأمل أن تحدث على الأقل توازنا جزئيا في الخريطة البرلمانية!

مقالة ذات علاقة بالموضوع:

حميد الخاقاني الفقيه وورطة السياسة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف