أصداء

من أجل صفقة سمينة من الدولارات

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

من أجل صفقة سمينة من الدولارات
وعمل المفوضية "الغير" مستقلة للإنتخابات في بغداد


بتاريخ تلقيت 13 أكتوبر 2005، إيميلاً من السيد موفق....(MuvakMohamad)، من مقر المفوضية في بغداد، وعلى اثر ذلك، أجبته بالرسالة المرفقة طياً، ليس توثيقاً مني وتوقعاً لما سيحدث في إنتخابات الخارج، وهذا ما يؤيده التقرير الذي نشرته إيلاف يوم 14 أكتوبر 2005 عن نشاطات المفوضية وبصورة خاصة مسؤولة الإنتخابات في الخارج، السيدة حمدية الحسيني، والذي جاء مدعماً بالوثائق الدامغة، وحسب؛ إنما ظناً مني أيضاً، أن هناك على الأقل شخصاً واحداً من "شعب الله المختار" من مجلس المففوضين في المفوضية يفكر بشكل مستقل، وحضاري، سيجيب على رسالتي، ويناقش فحواها، ليسلك على الأقل سلوكاً جديداً، يميز به نفسه عن تلك الأساليب التي عرفناها في زمن صدام حسين. لم يحدث ذلك، إذ لم أتلق رداً لا من السيد موفق، ولا من السيدة حمدية الحسيني ولا من رئيس مجلس المفوضين "حفظه الله"!! الآن وبعد نشر إيلاف التقرير المفضل عن تبذير الملايين، تبدو لي أسباب التجاهل واضحة ومنطقية!!
التقرير الذي كتبه الدكتور أسامة مهدي، يبين كيف، أننا ومن جديد، ليس فقط أمام إستهتار سكرتيرات سابقات من زمن البعث، يصلن ويجلن لميزات خاصة بهن لا يعرفها إلا المقربون منهن، إنما أمام فضيحة كاملة تطيع بنزاهة كل المفوضية "المستقلة" للإنتخابات في بغداد. لأنني لا أعتقد، أن ما قامت به حمدية الحسيني، السكرتيرة السابقة لرئيس جامعة بابل في زمن البعث، هو تصرف فردي، إنما له علاقة بنظام كامل في داخل المفوضية. فقرار عدم تكليف "منظمة الهجرة الدولية" لم يأت من حمدية شخصياً، إنما جاء بقرار مركزي من المفوضية. ليس لأن منظمة الهجرة لم تنجز عملها بشكل مضبوط، وليس لأن أحداً ألقى ظلالاً على حياديتها ونزاهتها، إنما جاء على لسان رئيس مجلس المفوضين وفي الرسالة التي بعثها لمنظمة الهجرة الدولية، بحجة المصاريف المكلفة التي أنفقتها "منظمة الهجرة"!!!
ولكن ذلك كان السبب المعلن، وإلا كيف تُفسر المفوضية إستبعادها وعن عن طريق حمدية الحسيني القسم الأكبر من المدربين العراقيين الذين أشرفوا على الإنتخابات السابقة في الخارح، بتكليف من منظمة الهجرة الدولية، خاصة وأن هؤلاء حصلوا على شهادات فخرية من منظمة الهجرة تثميناً لعملهم ونزاهتهم؟ ولماذا عينت المفوضية مشرفين محسوبين على أحزاب معروفة؟ إلا يلقي ذلك الظلال على إستقلالية المفوضية ونزاهتها ويفضح إدعاءات المفوضية عندما أبعدت منظمة الهجرة الدولية، التي تتمتع بسمعة دولية في تجاربها الإنتخابية في مختلف بلدان العالم، والتي لم يشك أحد يوماً بحيادتيها ونزاهتها ودقتها؟ ترى هل تجرؤ المفوضية بتقديم كشف في حساباتها، خاصة ونحن نعيش في مرحلة جديدة، غير بعثية، شعارها الشفافية ويُفترض ألا مكان فيها للمحسوبية وللعلاقات الغامضة؟
يخطأ من يظن أننا خسرنا بهذا الشكل الإثنين فقط: النزاهة والمصاريف الباهضة، (- وشكراً للمفوضية العليا "المستقلة" للإنتخابات والسيدة حمدية الحسيني ما يزيد عن 56 مليون دولار، أي ما يقارب 3 أضعاف تكاليف منظمة الهجرة!). كلا، أن خسارتنا أكبر من ذلك: خسرنا ثقة المواطن بإستقلالية ونزاهة المفوضية المستقلة للإنتخابات. خسرنا الأطنان من الآمال. فهذه الإنتخابات وخاصة بالطريقة التي تمت فيها بالخارج، لم تجلب لنا إلا الغصّة، وأطاحت بآمالنا الديموقراطية وثقتنا بالدولة الجديدة إلى أجل غير مسمى. لا أدري، وأعتقد أن مصداقية أية حكومة جديدة تبدأ بمحاسبة هؤلاء، والقيام بتنظيف كل هذا المستنقع الآسن. ولكن السؤال الذي يظل عالقاً، كيف ستخترق حكومة جديدة الإنتخابات التي تشرف عليها مفوضية بهذا الهيكل المنخور!؟ رغم ذلك، ربما، على هيئة النزاهة أن تُحاسب هؤلاء، حتى إذا نجحت الأحزاب التي يمتثلون بأمرها بالفوز في الإنتخابات.
أما سيادة مجلس المفوضين في المفوضية "الغير" المستقلة للإنتخابات فعليهم أن يتنحوا، لكي لا نخسر الديموقراطية التي كلفتنا أغلى الأثمان: ملايين من الموتى.
لم يكافح العراقيون 35 عاماً ضد واحدة من أعتى الديكتاتوريات الدموية في العالم، عاشوا فيها، أما "مدفونين أو مسجونين أو منفيين"، لكي تجلس على رقابهم سكرتيرات سابقات، ومعها عصبة من المرتشين بالنسبة لها الديموقراطية وحياة الإنسان مجرد صفقة سمينة من الدولارات!


نجم والي
كاتب وصحافي عراقي مستقل
الباب مفتوح لمن يريد توقيع هذا المقال

ــــ

إلى المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات في بغداد

بون بتاريخ 25. أكتوبر 2005

حضرة الاستاذ موفق محمد المحترم
تحيات طيبات
الشكر الجزيل على رسالتك الألكترونية، التي هي دليل على حرصك ومتابعتك وإحتفاظك بالعناوين التي تسلمتها في زيارتك في بداية هذه السنة، الزيارة السريعة، لكن المهمة أيضاً، لأنها جعلتك تكون على الأقل صورة تقريبية للجو العام الذي جرت فيه أول إنتخابات برلمانية "تاريخية" في العراق، كانت بالتأكيد فخراً لكل من سنحت له الفرصة بتنظيمها أو العمل فيها. وأعتقد أنك تشاركني الرأي، أن الهفوات والأخطاء التي حصلت في تلك الإنتخابات اضافة للعراقيل التي تعرضت لها، ليست أسباباً تثنيّ بعضنا من العمل، على العكس، إنما هي حوافز تدفعنا أكثر للمشاركة لكي نستفيد من تلك الدروس.
الإستفادة من الدروس والحديث بصراحة وشفافية وتبادل الآراء والمقترحات، وكل ما له علاقة بذلك من أمور وإجراءات، كفيل بإنجاح الإنتخابات القادمة، والمحافظة على نزاهتها، وبدون ذلك، فإننا سنساهم بوأد أول تجربة ديموقراطية في بلدنا التي خرجت من ظلام إحدى أعتى الديكتاتوريات دموية في العالم في التاريخ الحديث. أقول ذلك لحرصي بالمساهمة الصحيحة الفعالة من طرفي، وليس مجرد العمل مهما كانت الظروف، خاصة وأن تجربتي في موقع مسؤول خلال الإنتخابات السابقة التي جرت في يناير عام 2005، وتمتعي بدورة تدريبية بصفة مشرف قيادي من قبل منظمة الهجرة الدولية، صاحبة الخبرة الدولية العريقة بالإشراف على العديد من الإنتخابات البرلمانية في بلدان مختلفة من العالم، أقول تلك الخبرة، مضافاً إليها مراقبتي للإنتخابات الديموقراطية التي تجري في البلد الذي أعيش فيه المانيا ومهنتي ككاتب وصحافي يكتب في الصحافة الألمانية والصحافة العربية (خاصة كتابة العمود والريبورتاج في الصحيفتين الدوليتين: الحياة والمستقبل في ألمانيا)، تحتم عليّ الحديث بصراحة وتوضيح بعض النقاط المهمة، قبل الموافقة على العمل في تنظيم الإنتخابات.
1- لا أعتقد، أن من الصحيح توزيع إستمارات التقديم للعمل عن طريق السفارات العراقية في الخارج. لأن الأمر ليس كما يعتقده البعض، بأننا نملك سفارات نزيهة مستقلة، تهتم بالشأنين الديبلوماسي والعراقي قبل كل شيء. للأسف وتلك حقيقة ليست خافية على أحد، أن جميع السفارات ودون إستثناء وُزعت على أساس المحاصصات الحزبية والطائفية، وليس من المبالغة القول، أن طبيعة العمل في هذه السفارات لم تتغير كثيراً عما كانت عليه في زمن النظام الديكتاتوري، حيث ما تزال تشيع المحسوبية والطائفية والحزبية وكتابة التقارير والأعمال الكيدية! لست هنا بصدد الحديث عن السفارات "معاقل النظام"، وعن مؤهلات العاملين "الأميين" فيها، ولكن ما يهمني هو التنويه، بأن الحصول على إستمارات العمل لن يحصل على اساس المؤهلات الحقيقية (كما تطلبها المفوضية)، وإنما على اساس النقاط التي ذكرتها أعلاه، ناهيك عن التزوير الذي سيحدث بلا شك! وحتى لو أسلمنا، بأن ما أقوله يُمكن تلافيه عن طريق تدخل المفوضية المستقلة للإنتخابات، إلا أن قضية البيروقراطية التي ستُصاحب هذا العمل، ستظل عائقاً لا يمكن التقليل من شأنه، خاصة وأن المسافات التي تفصل مركز السفارة عن المدن الأخرى تصل أحياناً إلى 800 كم (خذ المسافة بين برلين وميونيخ مثلاً). وحسب تجربتي الشخصية في الإنتخابات السابقة، حاولت السفارة التدخل في عملنا بأكثر من صورة، سواء عن طريق زجّ بعض المحسوبين عليها "عملائها" بالعمل كمساعدين في المراكز الإنتخابية، أو بإرسال موظفين منها، بصفة مراقبين، قدموا أنفسهم زوراً بصفتهم أعضاء في منظمات المجتمع المدني! لا أعرف، إذا نجحت السفارة في مراكز معينة، لكنني أستطيع القول: انها لم تنجح ولحسن الحظ بمسعاها ذلك في أكبر المراكز الإنتخابية في ألمانيا، في مركز إقليم نوردفيستفالين، في مدينة كولونيا (الذي زرته أنت شخصياً)، والذي كنت أنا فيه أحد الذين اشرفوا على قيادة المركز. فإذ حاولت السفارة التدخل في الإنتخابات السابقة ولم تنجح، رغم أنها لم تكن مكلفة لا من بعيد أو قريب في الإنتخابات، فكيف ستكون الحال عليه الآن؟
2- حسب إطلاعي ودراستي للتجارب الديموقراطية الفتية الشبيهه بتجربتنا (خذ تجربة ألمانيا، اليابان...ألخ)، لم تُكلف السفارات بتلك المهمة على الإطلاق (إن لم تُستبعد من التدخل في شؤون الإنتخابات تماماً)، إنما اشرفت على الإنتخابات الفتية منظمات دولية معروفة بحيادها ونزاهتها.
3- يجب التمييز بين من عملوا مشرفين ومدربين (الذين هم بمثابة قياديين نظموا وأشرفوا على على عمل المراكز الإنتخابية)، وبين من قاموا بمهمات لوجستية في الإنتخابات، لأن المشرفين (القياديين)، وأنا منهم، خضعنا لدورات تدريبية بمستوى عال من قبل منظمة الهجرة الدولية، وكان ضمن شروطها، ليس التمتع بشهادة علمية وحسب، إنما إتقان لغة البلد الذي تُنظم فيه الإنتخابات أيضاً (الألمانية في حالتنا). المشرفون الذين يتمتعون بثقة عالية، يلعبون دوراً مهماً وحاسماً في سير الإنتخابات، فهم القياديون الذين يكفلون عن طريق الخبرة التي يتمتعون بها ضمان نجاح سير العملية الإنتخابية ونزاهتها، من الناحية التكنيكية على الأقل. ولكي تتأكد المفوضية من كفاءتهم، عليها أن تشترط في هؤلاء، أن يكونوا على الأقل من حاملي شهادة جامعية في البلد الذي تُقام فيه الإنتخابات، وألا يكونوا بالفعل منتمين لأي حزب أو جهة سياسية، وألا تكون لهم علاقة لا من قريب أو بعيد بالسفارات العراقية، أو بقرابة من الدرجة الثانية مع أحد موظفيها!
4- عليه يُفضل أن تُرسل إستمارات التقديم عن طريق البريد الإلكتروني، أو - وذلك أكثر ضماناً - أن يأتي أحد أعضاء المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات إلى ألمانيا، لكي يختار بنفسه لجنة تمثل المفوضية ينسق معها عملية إختيار الذين سيعملون في الإنتخابات، مثلما يضع بالتشاور معها خطة مفصلة وملزمة للجميع للتحضير للعملية الإنتخابية، توضح:
أ: عدد مراكز الإقتراع.
ب: عدد المدربين المشرفين في كل مركز، بالإضافة إلى عدد المساعدين اللوجستيين.
ج: توقيع العاملين على ميثاق عمل المفوضية.
د: الشفافية والتدقيق في الحسابات.
ه: الحرص على التدبير والإقتصاد في المصروفات، وليس كما حصل في الإنتخابات السابقة!
5- توقيع عقود عمل مع العاملين تبين لهم حقوقهم والواجبات الملقاة على عاتقهم، في حالة خرقها يتعرض المسؤول للمساءلات القانونية.
بدون تنظيم كل ذلك، وفي حالة تدخل سفارة العراق في الإنتخابات، لن يكون فقط من المستحيل ضمان سير إنتخابات ديموقراطية سليمة، إنما - أكثر من ذلك - سيُعرض ذلك الإنتخابات جميعها إلى فوضى وتزوير، ويجعل تنظيمها في الخارج أمراً زائداً عن اللزوم، إن لم يكن مجرد ديكور نحن في غنى عنه في تجربة العراق الحديثة التاريخ بالديموقراطية. وأعتقد أن المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات حريصة على تحمل المسؤولية التي تقع على عاتقها، وأنها لن تسلم بسهولة تنظيم العميلة الإنتخابية والإشراف عليها، إلى سفارات غير مستقلة، معروفة بإنحيازها الطائفي والحزبي! وإذا اصرت على القيام بعكس ذلك، فإنها تساهم بأول وأكبر عملية تزوير تاريخية في تاريخ العراق الحديث!

نجم والي
كاتب وصحافي عراقي مستقل
ومدرب سابق في مركز نوردفيسفالين الإنتخابي، كولن بتكليف من منظمة الهجرة الدولية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف