ليل وضح النهار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
غيوم سوداء تعود الى لبنان من جديد، إنها جبن و إغتصاب للأرواح، لتحلق خفافيش الليل وضح النهار.
استشهد جبران التويني و انضم دمه الى قافلة الأحرار، هكذا اصطادوا الصقر الصغير، أخذوه غدرا قبل أن يفرد جناحيه للتحليق، حتى نصاب نحن بالوطن البسيط. تناولت طيورنا القلم تكتب مراثيها فشردتنا ذلك النهار، رمت معاطفها الحقول فجمعتنا، ويبقى النهار. كل يوم، يدفع لبنان قربانا جديدا في معبد الدم.
أصواتنا تصرخ من قلوب معذبة، ونيران الأسى و الظلم العبثي يكوينا، نريد استقلالا، حرية، كرامة، أغتصبت من أذرعنا سنينا. كل يوم تنكس أعلامنا حدادا على الشهداء. كل يوم نسير في المظاهرات ونرفع الأعلام وكأنهم يشاهدون كرنافالا، بات شهداؤنا مجرد مهرجان في نظر الرئيس، صرخاتنا ترفع الى آذان صماء، نريد حقنا في البقاء، نريد ديمقراطية تسلب في كل آن. كوابيس تطل علينا من شاشات التلفزة.
دموع، تعازي، حداد، سواد. تجمعت جميع الدول تعلن التضامن والعزاء. علينا رفع الشعار، كل من يعارض سوريا تقتله إسرائيل. فيطل التلفزيون الشقيق على جيرانه بالموسيقى والمهرجانات، معبرا بذلك عن حزنه العميق، تضامنا مع شعب لبنان العريق. ووسط كل الأسى والأنين تذكرت لوهلة أياما سوداء، حفرت في الذاكرة فقلبت الصفحات، وعدت الى يوم غريب، سواده حالك وألغازه خرساء. أجبرنا حينها على إبتكار الحزن، أغلقت محلاتنا من حيث لا ندري ليطوق رجال غرباء المكان. كان علينا أخذ دروس في التمثيل من عادل إمام. أذكر جيدا ما حدث ذلك الآن، ففي بلدتي الصغيرة كنا نحضر لحفل زفاف بسيط، تألقت فيه العروس كالبدر في ليل حالك مخيف. دخلنا الى الحفل فوخدنا الصمت يخيم على المكان، لا زغاريد، لا أفراح بل حزن عميق، و غصة تأبى الخروج. حتى أنهم قطعوا الأنوار، تساءلت يومها ما المشكلة؟؟هل توفي العريس؟؟ لا! بل توفي الرئيس...صرخة تعبر الى الصميم. عدت الى مكاني مستغربة مذهولة وعلامات التعجب بادية علي وإذ بإحداهن تجلس قربي و تهمس في أذني توفي الرئيس الأسد رحمة الله عليه...هش! شش! طلب منّا عدم إظهار الفرحة، إنهم في كل مكان، آه شبابنا، أرجوكم إلتزموا الصمت جميعا.هكذا ذهبت العروس الى منزلها ظننا منها أنها ترتكب ذنبا. اليوم نغرق نحن بالدموع و الدماء، نصرخ مستنكرين. والجيران يعرضون المهرجانات تضامنا و حزنا على شهداء لبنان. هؤلاء الذين رخصت الأيادي العبثية دمائهم. هل نستطيع النسيان؟
سنوات، أحداث، ليل وضح النهار؟؟ لقد بشرونا بالأيام القادمة، قالوا لنا الحقيقة قبل يوم من إغتيال التويني...
لماذا...لماذا عدت يا جبران؟؟ أكان ينقصنا دم جديد؟؟ لم نستطع بناء حصن منيع، لقد كانت المهلة قصيرة جدا يريدون تكسير الأقلام، يريدون كسر الرقاب، و تحويل لبنان الى عراق. أصابع مجهولة، شبكات منظمة، لكننا هذه المرة نحب أن نطمئن الشقيقة بأننا لن نطلب مساعدة أحد، شكرا تعبناها والله. لن نطلب مساعدتها مهما حصل ما دمنا أقسمنا على البقاء موحدين الى أبد الآبدين.