أصداء

الاختراق الأمني والاجتماعي الأردني

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

كثيرة هي الأسئلة التي انتشرت في الشارع الأردني في الفترة الماضية حول مدى الاختراق الأمني للدول المجاورة للساحة الأردنية عن طريق مواطنها في الأردن. وأين هم الأردنيون، ولماذا ذابوا وسط هذا الموج البشري الهجين الغريب في الأردن، وهل هي سياسة متعمدة لمسح الأردنيين وإظهار القرامطة مكانهم؟ أسئلة ليس من السهل الإجابة عليها بشكل قاطع إلا أنها محولة لتفكيك مفردات المشهد الأردني.

كان الأردن ولغاية عام 1990 يستطيع أي من مواطنيه أن يعرف الآخر عند لقائه لاول مرة وذلك من اسم الشخص الأخير، فيحكم على سلوكه في الغالب من سمعة عشيرته وصفات أهله، إلا أن السنوات الخمسة عشرة الأخيرة خلطت الأوراق في الأردن مما اصبح من المتعذر معرفة من يطلون عليه في التلفزيون الرسمي ممن يشغلون مواقع رسمية وشبه رسمية وليس في الشارع. مما يعني أن شاغلي مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني جرى استجلابهم وتجنيسهم ومنحهم فرص التغلغل في المجتمع الأردني وفرض قيمهم الوافدة علية، وكأن الأردن بلد نفطي يحتاج إلى مواطنين وقوى عاملة وثروة ليس لها من يستغلها.

في الانتخابات العراقية الأخيرة امتلأت شوارع المدن الرئيسة الأردنية بيافطات الدعاية الانتخابية للمرشحين العراقيين، والذين يعيش اغلبهم في عمان ويديرون حملتهم الانتخابية منها، يتنافسون على حوالي 250 ألف عراقي في الأردن، مما اشعر المواطن الأردني أن الانتخابات في عمان وليس في بغداد، مع محبتنا للاخوة العراقيين، إلا أن الاختراق الاجتماعي والأمني لهم في الأردن كشفته السيدة سائدة( الانتحارية) التي فشلت في تفجير نفسها في أحد الفنادق المستهدفة في عمان.

يرى بعض المراقبين ان هذا التدفق البشري العراقي في عمان يمكن له ان يكون خطيرا وخطيرا جدا اذا ما قررت بعض القوى العراقية والميليشيلت المتصارعة في العراق نقل ساحتها الى الاردن لتصفية حساباتهم على الاراض الاردنية كما فعل الارهابيون الشهر الماضي عندما فجروا فنادق عمان واعتذروا من الاردنيين، لان هدفهم كان بعض الرموز العراقية المتواجدة في تلك الفنادق.

على الجانب الآخر يعتبر وجود اكثر من 2 مليون مواطن فلسطيني في الأردن قنبلة موقوتة ولكنها مزمنة يمكن لها أن تنفجر في أي وقت ولمصلحة محددة، يملك الآخرين مفاتيحها ولا يملك الأردن من أمرها شئ سوى احتوائها، مفاتيح المخيمات الفلسطينية الثلاثة عشر في الأردن هي في أيدي شخصيات فلسطينية فاعلة خارج الأردن، ولذلك لو أرادت تلك القوى الفلسطينية في الخارج اللعب في الساحة الأردنية لحولت الأردن ألي لبنان ثانية في غضون أيام، إلا أن الاخوة الفلسطينيين في الأردن هم ولغاية ألان يعتبرون الأردن موطنهم النهائي وان من مصلحتهم الحفاظ عليه، لان لا خيار لهم غيرة.

عندما تقوم عمليات استشهادي في فلسطين يحتفل فيها في الأردن من قبل ذويهم، وعندما تحدث احتكاكات بين فصائل السلطة والمنظمات الفلسطينية في الضفة الغربية تجد صداها في الأردن، وتستطيع أن تقرا ذلك الصراع في الصحف الأردنية المملوكة في اغلبها لهم بغطاء أردني، ولذلك فالاختراق الأردني حاصل من جهتين من الشرق من قبل الاخوة العراقيين، ومن الغرب من قبل الاخوة الفلسطينيين.

أما من الشمال ومن الجنوب فيوجد اكثر من نصف مليون مصري واعداد كبيره منهم غير مسجلة ومزمنة في الأردن، واعداد مماثلة من الاخوة السوريين، وهؤلاء العمال في اغلبهم يعملون في أشغال متواضعة ويعيشون في ظروف عدمية وفقر مدقع، كما هي الحال بالنسبة لجزء كبير من العراقيين في عمان وكذلك الفلسطينيين في المخيمات المحيطة في المدن الأردنية، تلك الشرائح العربية الفقيرة في الأردن هي مستنقعات سهلة الانقياد للعمل مع المتطرفين، تحت وطأة الفقر وانعدام المستقبل والجهل اللامية rsquo; ولذلك يمكن لهم أن يكونوا إذا ما قررت بعض الجهات الإرهابية استغلالهم أدوات سهلة لتنفيذ أعمال تدميرية في الأردن.

إن المتتبع إلى أعداد الشبكات الإرهابية التي يتم الإعلان عنها في الصحف الأردنية من قبل الأجهزة الأمنية تثير القلق، لأنها تنبع من ومواطني الدول العربية آنفة الذكر باستثناء العمال المصريين، فقد كانت وفي اغلبها تتركز تلك الشبكات من فلسطينيين يحملون الجواز الأردني كعملية تفجير المخابرات الفاشلة والتي كان يقودها المتهم الأول الجيوسي والذي أذيعت اعترافاته في التلفزيون الأردني، ومساعده السوري، مرورا باثنين وعشرين شبكة إرهابية كان أبطالها عمال سوريون ومقيمون عراقيون ولاجئون فلسطينيون، وقد توجتها أحداث عمان الأخيرة حيث المجموعة المنفذة كانت عراقية بالكامل. فالأردن يسهل التدخل به واختراقه، ولكنه لا يستطيع التدخل والثاثير في الآخرين، حيث ليس للأردن في الخارج سوى بعض الطلبة الدارسين حول العالم، وهؤلاء لا يشكلون قوة بآي حال من الأحوال.

إن الأمن الأردني يعتبر جيدا بكل المقاييس بكل فروعه إلا أن السبب في نجاة الأردن من أحداث مزلزلة يعود للمواطنتين الأردنيين الذين ما زال اغلبهم يعرفون بعضهم بشكل نسبي، والترابط العائلي والعشائري، أي انه مجتمع ما زال متماسك وغير مفكك، لذلك يسهل تمرير المعلومة الاجتماعية بين أفراده لان أفراد الآمن جزاء من أبناء الشعب. ألا أن المشكلة التي سيشهدها الأردن اليوم هو إدخال مئات المتجنسين من غير الأردنيين في مفاصل الآمن والمخابرات الأردنية حتى أن الذي يجلس على اغلب سلم الهرم الأمني في بعض الأحيان ليس أردنيا بالكامل. مما يجعل الأردن مخترقا اجتماعيا من بعض الدول المجاورة، و من الداخل، وهذا سيخلق وضعا جديدا آخر في المستقبل يصعب تخيله في الوقت الحاضر.

الدكتور منور غياض ال ربعات

أستاذ مساعد للإعلام الدولي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف