أصداء

الحجاب أم العودة الى الاستقطاب الثنائي؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


كدت أعتزم فيما مضى من أيام تجميد أصابعي عن الرقن والكتابة حتى أعود الى عالم الواب أكثر تجددا واشراقا،لكن شغفا لست أدري له شفاء من عوالم الابحار ومتابعة الشأن العام أملى علي وبعد صراع طويل مع النفس العودة الى لوحة المفاتيح كي أبدي رأيا في موضوع أظن أنه في طريقه الى أن يملأ أسماع الناس ومهج أفئدة الكثير من الغيورين على هوية البلاد وانتمائها العربي والاسلامي.

عاد الحديث الى مسألة الحجاب أكثر توهجا واتقادا منذ أن ابتعدت الظاهرة عن التسيس وباتت تعبيرة حيوية عما تعتنقه المرأة في تونس من أفكار وقناعات.لعبت ثورة الاتصالات والفضائيات دورا كبيرا في احياء ماحاربته رماح السلطة على مدى عشرية ونصف،اذ لم تعد النهضة ولا تنظيماتها المدنية محفزا أو مبشرا بماارتأته المرأة في تونس من خيارات وقناعات،ولكن الديكتاتورية المتجلببة بقميص الايديولوجيا المتطرفة عادت لتجد في المسألة فزاعة تمزق بها قميص أي ائتلاف سياسي معارضفبالأمس القريب كانت الساحة في تونس تعيش على ايقاع انتصارات حركة اكتوبر المجيدة،وكانت المعارضة تنفض غبارها باتجاه الانبعاث من تحت الرماد،كانت البوصلة السياسية معدلة على من يقف مع الحرية ومن يقف في ائتلاف مناوىء لها،ولكن شياطين الاستبداد وجدوا فيما خلى من أيام قلائل ضالتهم في تصريحات وزير الشؤون اللادينية أبو بكر الأخزوري كي يدقوا بذلك اسفينا في جسم الائتلاف السياسي الناشئ ويعيدوا البلاد الى مربع الصراعات الايديولوجية التي خسر ت البلاد والمجتمع من ورائها كل خسرانانبرت الأقلام والوجاهات السياسية الى مزيد من اثارة غبار المعركة وقد وقع الجميع بذلك في فخ تصعيد الخلافات وتأجيجها بين الفرقاء،ورقص بذلك بسيس على نغمات منجية السواحلي التي عادت لتمارس هي ومن معها من دكاترة السلطان دور الاخصاء السياسي في زمن التكسر والهزيمة على مشارف قرطاجعاد الحديث الى الاغريق واليونان والجهالات ونصبت الفتوى مشنقة للاصلاح السياسي!،اذ المقصود من الموضوع كله ادخال الدين الى دائرة الجدل السياسي بعدما خلنا بأن الجميع قد اقتنع بحرية الجميع في الاختيار والاعتقاد وأن الموضوع قد طوي الى زمن غير معلوم ولكنه غير منظور على الأقل من زاوية المعارضين الأشاوس لاأشك لحظة في أن من اختار هذا التوقيت لاثارة هذه المعركة الكلامية والاعلامية والايديولوجية حول قضية الحجاب أو ماأدلي به من تصريحات في حق الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه،لم يكن مجرد ناقل للفتوى من فم غير المقتدرين عليها أو المتمعشين بالدين من حول موائد السلطان،وانما كان لاعبا سياسيا محترفا رمى بقنبلة موقوتة وسط جموع التائقين الى التغيير والاصلاح!،لا أشك لحظة في أنه متربص أثار نعرات الجاهلية بين من ظننا انهم اكبر من هذه الخصومات والفروقات.

المرأة حرة فيما تختار أو تعتنق من أفكار ومعتقدات،واذا كانت الأطراف الدينية لاتمارس الوصاية على لابسات الجينز او التنورة الفاضحة، فانه قد غدى لزوما على خصوم الفكر الديني الاعتراف لها أيضا بحقها في الاختيار اذا مااقتنعت بزي ترى فيه معبرا عن الحشمة أو القناعات الدينية التي تريد الالتزام بها!،فمثل هذا الموضوع لايعقل أن يشد النخبة في تونس الى صراع مغلوط وخاطئ منذ مايقارب الستين سنة!!!،اذ أن هناك قضايا أخرى أولى بالزعماء والسياسيين والمفكرين والدعاة والاصلاحيين معالجتها،وعلى رأس هذه الملفات الاعتراف المتبادل بين كل الفرقاء بحق الاخر في التفكير والتعبير والاعتقاد ومايترتب عن ذلك من تعايش سلمي واحترام لقناعات ورؤى الغير المغاير!،ولاريب بعد ذلك من الانطلاق باتجاه مسافات عملية تبني على ماهو مشترك بين ذوي الخصومات السابقة من أجل الدفع باتجاه عمل وطني مشترك يناضل نضالا حقيقيا من اجل مأسسة قيم الحرية والعدل والديمقراطية والحكومة الصالحة أو مايسمى بالحكم الراشد
بعد ذلك من أراد أن يعود بتونس الى حقبة الأتاتوركية المتسلطة على رقاب التونسيين فعليه أن يتحمل وزره ووزر أزلام المستبدينويعني ذلك هذه قضية يجب حسمها اليوم نهائيا ولامجال الى العودة فيها ورائيا!،فكل حر فيما خلق له وجبل عليه من اختيارات وقناعات ولا أنفي هنا مسألة الاختيار الحر والقناعات الراسخة في ماترتئيه المرأة من سفور أو عكس ذلك من ارتداء الحجاب.
كلمة أوجهها للسلطة في الموضوع،ان التلاعب السياسي بالموضوع لن يزيد الا من حالة الاحتقان العام التي تعتمل جوهر المجتمع وجنباته،وأظن أن الحيادية في الموضوع هي وظيفة الدولة المتنورة التي لاتتدخل في الحياة الخاصة للناس وانه قد ان الأوان من أجل الغاء العمل بكل القوانين والمراسيم والأوامر والقرارات والمناشير اللادستورية وعلى رأسها ماتعلق بالزي الخاص ومنها ماألزم به الموظفون في اليوم الوطني للزي التقليدي أو مااصطلح عليه بالمنشور السخيف رقم 108 .
واذا ماتخلصت الدولة التونسية في هذا المضمار من شموليتها وألفت للناس مسألة الاختيار الحر في حياتهم الخاصة،نأتي بعدها ان شاء الله تعالى الى مسائل تهم جوهر الحياة العامة وعلى رأسها ماطرحته النخبة مجمعة في مطالب مشتركة عبرت عنها هيئة أكتوبر للحقوق والحريات.
وفي كلمة أخيرة أتوجه بها الى قادة النهضة وفعالياتها،ان انخراطكم اللاواعي والمكثف في مثل هذه القضايا المفتعلة هو تصعيد منكم للمسائل الخلافية التي يمكن أن تفرق وحدة الصف المعارض وتأتي على بنيانه الهشاذ أنه كان حريا بكم ان تتركوا الجدال والنقاش في هذا الموضوع الى علماء الأمة ودعاتها ومشائخها المتخصصين دون الايلاج في عمق هذه المسائل حتى لايقع استثمار المسألة سياسيا من قبل نظام الحكم،الذي يريد بلاشك أن يفسر بعض الظواهر الدينية على أنها اختيارات سياسية مدروسة وهو مايسهل عليه العودة الى مربع اجتثاث الحريات في بعدها الفردي والخاص،ذاك المربع اللعين الذي حصد الأخضر واليابس في تونس منذ ان أهلت علينا عقد التسعينات.

مرسل الكسيبي
صبيحة ال30 من ديسمبر 2005

كاتب واعلامي تونسي مقيم بالمانيا
reporteur2005@yahoo.de

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف