ثورات العرب القادمة 2-4
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ما وراء الافق
ثورة الجياع
قال على كرم الله وجهه" لو كان الفقر رجلا لقتلته" وهذا كناية عن مرارة الفقر، وسوء وطأته، فا "الجوع كافر" كما تقول العامة، والجياع هنا هم المواطنون العرب من المحيط الى الخليج من الذين لم تصبهم تخمة الغنى لا عن طريق النفط ولا عن طريق الارث ولا عن طرق السرقة ونهب مال الناس. العرب الذين عاشوا اول خمسين عاما من القرن العشرين تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي للوطن العربي، والخمسين سنة الاخرى تحت حكم نواب الانتداب ممن ولاهم شؤون العباد قبيل رحيلة، وهم ما نطلق عليهم اسم "الحكام العرب".
ثورة الجياع هم هؤلاء العرب الذين غرر بهم عبر ماية عام او اقل بقليل منذ العام 1916 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي انتهت بها حقبة الحكم التركي ( الدولة العثمانية) للوطن العربي، والوعد الانجليزي الشهير للعرب بانشاء دولة عربية واحدة، عرفانا منها بالجميل الذي قدمه العرب بالوقوف الى جانب فرنسا وبريطانيا المنتصرتين في الحرب، الا ان المكافأه كانت المفاجأه، حيث قسمت البلاد العربية بين الفرنسيين والبريطانيين، ودخول العرب في احتلالين جديدين، هما الاحتلال البريطاني الفرنسي، خفف اسمه من احتلال الى انتداب فرنسي بريطاني، بعد خمسماية عام من الاحتلال التركي للامة العربية.
ثورة الجياع، هم هؤلاء العرب الذين انتهوا في اربعينيات القرن الماضي وخمسينياتة وستينياته من الخديعة والانتداب البريطاني الفرنسي الى الوصاية الامريكية على الامة العربية، والتي بدات بعد تراجع الدور الانجلوفرنسي قبل حوالي 50 عاما، حيث دخل العرب بنظام امريكي جديد، منذ الحرب الباردة التي ادخلت العرب في بيت الطاعة الامريكي، بعد ان برد الحضن الدافئ الانجلوسكسوني وتحطم الحلم الشيوعي الذي استهوى بعض العرب الذين تقربوا منه نكاية بالامريكين، فدخل العرب في نظام عالمي جديد لا يعرف العرب احمع بمن فيهم الساسة ابعاده وحدوده ونهاياته التي سيوصلهم لها.
ثورة الجياع هي ثورة العرب الذين غرر بهم، وافقروا على مدار 57 عاما منذ عام 1948 حين انشئت "اسرائيل" كسرطان على ارض فلسطين، وشرد اهلها، فقررت الانظمة العربية المتاجرة في هذه القضية الفلسطينية بمن فيهم بعض من اهل فلسطين وقادتها ممن استرزق واساسد في المتاجرة بفقراء فلسطين التاريخية وبمشرديها وبمخيمات الشتات وعذابات اهلها الطيبين. فاتفقت حفنة من الانظمة الثورية العربية،مع حفنة من المنظمات الثورية الفلسطينية في اقناع العرب ان "لا شئ يعلو فوق صوت المعركة" مع انه لم تقم معركة، ولم تختفي اسرائيل، ولم يتركوا شعوبهم تعيش بامان ورخاء، ولم ينتبهوا لاجيال عربية تولد يوميا بعشرات الالاف، لا تجد قوت يومها، ولا تعرف اين المصير. والحجة دائما تحرير فلسطين ولم تحرروا فلسطين. ونحن هنا لا نقطع الامن من هذا المصير الحتمي للصراع العربي الاسرائيلي، لكن نطالب بتغير الخطاب، والاداة، والاستراتيجية، وعدم المتاجرة بالجياع.
لقد قبل العرب عامة اغنيائهم وفقرائهم الاكاذيب التالية.. كذبة "الدفاع العربي المشترك "، و كذبة "دول الطوق"، و كذبة "دول المواجهه"، و كذبة "دول الصمود والتصدي"، و كذبة "دول الضد ودول المع"، لاكثر من نصف قرن، مقرونا بخطابات رنانه، وشعارات عاصفة مقرونة بفقر حاد حتى النخاع، قبلتها اغلب الشعوب العربية على امل انها (شده وتزول) واستحقاق لمرحلة وتنتهي. الا انها اصبحت اسلوب حياة، وحالة مستمرة، والنتيجة مزيد من التنازولات، ومزيد من الاخفاقات، ومزيد من العبث السياسي والمراهقة الفكرية غير المحسوبة. مما ادى الى ولادة اجيال (كافرة) بكل القيم التبريرية الواهية للمراحل العربية السابقة والقادمة التي لم تعد تقنع احد، اجيال من الشباب العربي غير المؤمن باي شئ نراه يوميا في جامعتنا وشوارعنا العربية، فاقد لذاته لهويته وبعضا من عروبته.
لذلك نرى اليوم ان الثورة الحريرية التي اطاحت بكل المسلمات اللبنانية كانت شرارة البداية، للوعي العام العربي، وحركة كفاية المصرية لم تكن مسبوقة بان يقول الشعب العربي في بلد عربي، لرئيسه الذي ما زال في السلطة كفاية لم نعد نريدك، ولا تطحنهم الدبابات. انها بدية حالة من ثورة لجياع السياسة وجياع الحرية وجياع لكرمة وجياع لخبز. انها ثورة اجتماعية دافعاها الفقر والحرمان والجوع وانعدام المستقبل، تقودهم غرائزهم لا عقولهم، بطونهم لا ايولوجياتهم، فطرتهم الطيبة لا سياسات بلدانهم ومنظريهم، هؤلاء فقط هم الذين سيغيرون وجه العالم العربي عندما تحين الفرصة، فلن تنفع معهم الشرطة ولا تخيفهم قوات الحرس الجمهوري ولا الجيوش. لا الجياع هم هؤلاء الشرطة الجائعة، والجيش الجائع، والحرس الجائع، والمعلمين الجيائع وموظفي الدولة الجياع.. انهم بالنهاية هم المواطنون، وهم اصحاب ثورة الجياع.
الدكتور منور غياض ال ربيعات
استاذ في الاعلام الدولي