المراة الكويتية واختراق المنظومة المحافظة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ عدة أشهر وفي إطار التحضيرات التي كانت قائمة لإستضافة القمة العربية بالجزائر حدث وان عقد الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى رفقة الوزير السابق للخارجية الجزائرية عبدالعزيز بلخادم ندوة صحفية تحدث فيها عن الترتيبات التحضيرية وأجندات العمل المطروحة على القمة العربية، و ما الىذلك من قضايا الوضع الراهن.
وما لفت انتباهي -في تلك الفترة- هو الحديث الذي عرج بالامين العام الى قضية جوهرية ومحورية قفزت-في الفترة القريبة الماضية - الى أولويات المطالب التى تطرح لدي التعاطي الاقليمي والدولي مع منظومة العمل العربية،سواء كان في إطار العلاقات الثنائية، او حتى القومية والاقليمية،وهي المتعلقة بقضية الإصلاح السياسي ودمقرطة الأنظمة العربية من خلالفسح الحريات وإعطاء دور أكبر للشعوب في إدارة شئونها السياسية والاقتصادية.
وقد بدى موسى حينها {على غيرعادته} متفائلا بل وواثقا من إمكانية تحقيق إختراق حقيقي وفعلي على مستوى الاصلاح السياسي في أكثر من دولة عربية بل وقدَر ان تحقق "خلال
الخمسة اعوام قادمة"جميعالدول العربية خطوات حقيقية تجاه الاحتكام للصندوقوتغليب الاقتراع كوسيلة لإفرازوتكوين حياة سياسية فاعلة وشرعية، الخطة الخماسية التى تحدث عنها موسى وان إقتصرت في "ظاهرةإلأنتخابات"كعمل وممارسة ديمقراطية فان الكثير قد يختلف معه في مدى إعتبار الانتخابات التى ينتظر ان تعرفها الدول العربية، كمؤشر فعلي على حياة ديمقراطية حقيقية، خاصة وان الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها {بل وسيلة}من ضمن مجموعة من العوامل التى يمكن ان تضمن قيام أنظمة ديمقراطية في حال تمتعها بالنزاهة وتعبيرها حقيقة عن إرادة الشعوب - من خلال حياد بريوقراطيات الدولة المركزية-عن التأثير في مسارها او اللعب في نتائجها، ولكن من المهم ان نشير ان ذلك "التصريح" الذي له مدلوله السياسيى العميق،لك يكن سوا محاولة متابعة موضوعية للتطورات التى اضحت تعيشها المجتمعات العربية في الآونة الاخيرة سواء نتاجتفاعلها الداخلي الذي يوفره الحراك الإجتماعي والسياسي والاقتصادي بالدولة او نتيجة الضغوطات الخارجية التى أضحت تطالب-علنا- بضرورة إحداث نقلة نوعية في إتجاه تحقيق مطلب الإصلاح السياسي بكل حيثياته السياسية والقانونية، ولعله من الأهمية بمكان التذكير ان كل تلك الظروف الموضوعيةهيئت اكثر المجتمعات العربية محافظة، للتحرك جديا ومحاولة رج بعض المياه الراكدةفي مستنقع الحكموطابوهات المجتمع المحافظ.
والذي شد إنتباهي أكثر هو صدور ذلك "التصريح المتفائل" من عمرو موسى الذي إستبق ذلك بتصريح آخر شهور قبل زيارته للجزائر لصالح إحدى كبريات الصحف المصرية، والذي عبر فيه عن تشاؤمه من مستقبل الدول العربية و مصير الجامعة العربية كمؤسسة قومية للعرب، معيدا ذلك لعدم قبول وتفاعل الأنظمة العربية مع دعوات الإصلاح التى إقترحها
بشأن هياكل المنظمة، فضلا عن التخلف الواضحالذي تعيشه الأنظمة العربية عن مواكبةقضايا التحديث والإصلاح المنشودة عبر العالم.
ويمكن هنا- حصر العديد من الأسباب لتبرير وجهتي النظر اللتين تبدوان متناقضتين في الوهلة ألأولى- لربان العمل العربي المشترك، خاصة لمن يجيد قراءة أسلوب وسياسة{موسى}، فقد يدرك {تماما}ألأبعاد التى تحتملها تلك التصريحات والمناسبات التى أطلقت فيها بجانب قراءة مدلول كل تصريح والجهة التىعنى ايصال الرسالة اليها.
ولكن وبعيدا عن تلك الحسابات السياسية {الرسمية} فان المتابعللتطورات السياسية والفكرية التى تحدث على مستوى الوطن العربي قد يصل الى نفس النتيجة المذكورة، -مع إختلاف الوسيلة والرؤية ربما- فالحراك السياسي الساخنالذي تعرفه مصر على مستوى الشارع او على مستوى النظام السياسي {من حيث تنظيم التظاهرات او تعديل مواد الدستور مثلا..}الى غيرها من المؤشراتتؤكد مرة أخرى قدرةالمجتمعات العربية في المضي قدما نحو تحقيق الأنفتاح السياسي والديمقراطي {و لو كان نسبيا }.
كما ان الغليان السياسي الذي يعرفه لبنان بعدطوفان فبرايرالذي اعاد صياغة الخارطة السياسية اللبنانية بشكل مختلف، الى جانب ملاحظتنا للعديد من التجارب الفتية التى بدأت في منطقة الخليج بإتجاه إجراء انتخابات بلدية {محلية} وكذلك انتخابات المجالس،هي ألأخرى تؤكد نفس الحقيقة الواضحة.
وفي الواقع فأن منطقة "الخليج العربي" التى هي أكثر المناطق العربية "محافظة"، ظلت معزولة خلال العقود الماضية من صيغ الانتخابات بكافة اشكالها، ما عدا دولة الكويت التى شرعت في خلق حياة برلمانيةتتمتع بالكثير من الحرياتالتشريعية منذ نهاية ستينيات القرن الماضي وهي تجربة رائدة بكل المقاييس في تلك المنطقة كما ظل هناك متنفس معقول للحريات الصحفية رغم حداثة التجربة وقيودها الكثيرة، وظلت تلك التجربة البرلمانية تعرف حراكا وتكسب خبرة،وتصقل ممارسةخلال العقود الماضية لتتشكلملامح التيارات السياسية داخل "قبة مجلس الأمة" دون ان يصل الامر الى حد التصرح لإقامة أحزاب سياسية ذاتصفة وشخصية قانونية وسياسية{ ويبدوا ان ثمة حاجزا نفسيا وعرفيا لا اكثر }يقف حائلا دون تسمية تلك التيارات بالاحزاب
وإكسابها الصفة الشرعية التي يمكن ان يتمتع بها أي حزب سياسي في اية دولة، خاصة وانها تقوم بكل المهام التى توكل الى الاحزاب والجمعيات السياسية.
إلا ان هذه التجربة "الديمقراطية" ظلت قاصرة وغير مكتملة بل ومختلة"الموزازيين" في واقع الأمر،ذلك لغياب عنصر اساسي وحاسمفي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، آلا وهي "المرأة" التى تشكل نصف اي مجتمع،فبالرغم من كل النضالات و المحاولات الجادة والأكيدة التى بذلت خلال الاربعة عقود الماضية من اجل تمتعها بحق الترشح والانتخاب وتمثيلها في مجلس الوزراء، فان جميع تلك الجهود أصطدمت بإرادة نواب" مجلس ألأمة"، التى تتحكم عليها غالبا المقيدات القبلية والدينيةالمحافظة،والتى وقفت حائلاامام إفتكاك المرأة الكويتية لحقوقها ألسياسية المشروعة، ذلك بالرغم من إثبات المرأة فعليا تميزها وقدرتها في إدارة المؤسسات الإقتصاديةوألإجتماعيةوتمتعها بحق العمل المتوازي والمتكافئ مع الرجل في ميادين مختلفة بالكويت، ألشيئ الذي يعني بأن ظروف سياسية معينة تلك التى ظلت تحول دون تمكن المرأة من لعب الدور المنوط بها في الساحة السياسية.
ولعل تلك العقبة المتمثلة في {موافقة البرلمان} -حيث ان الحكومة قد إقترحت اكثر من مرة مشاريع "تقدمية" في هذا الاتجاه ورفضتمن قبل النواب - ، تكون قد عززت إمكانيةتشكيلصيغ معينة لإكتساب أصوات النواب المحافظين من لتيارات الدينية والقبلية- في مجلس الأمة، وهناك حديث عن بعض العروض المغرية التى قدمتها الحكومة في هذا الاتجاه للموافقة على مشروع "تعديل القانون الانتخابي"، بحيث يستوعب النساء انتخابا وترشيحا، وهو ماحدث بالفعل يوم ألاثنين الماضي، حيث حظى المشروع بموافقة اغلبية النواب وبفارق 12 صوت لصالح التعديل، و سيمكن هذا التعديل،المرأة الكويتيةمن التمتع بجميع حقوقهاالسياسية المشروعة،وبالرغم من منطقيةهذا الحقوبداهة التمتع به فان الظروف التى ظلت تحيل دون تحققه جعلت من يوم السادس عشر من مايو يوما إستثنائيا في التاريخ الحديث للكويت، الى حد طالبت فيه الصحافة الكويتية،الحكومة لضم هذا اليوم لقائمة الايام الوطنية التىيحتفل بها سنويا، وإعتباره "عيداللمرأة الكويتية".بعد ان تمكنت هذه الأخيرة -من افتكاك حقوقها بعد مخاض عسير وطويل، بل ان جامعة الدول العربية هي ألأخري-وفي معرض تعبيرها عن غبطتها بهذا التطور قد وصفة ألإجراء المتمثل في التعديل - في الرسالة الموجهة الى الكويت- بأنه " الحدث الأكثر أهمية في التاريخ السياسي للكويت" حسبما ذكرت وكالات الانباء-
وبعيدا عن أسطرة هذا التقدم الكبير الذي أخترقت ألمرأة الكويتية عبره المنظومة المحافظة للحكم في الخليج من خلال تمكنها من ضمان حق الترشح للمرأة، -حيث تمكنت دول اخرى قبلها من منح المرأة حق الانتخاب فقط- فإن الكويت قد تمكنت من تجاوز محك مهم في قائمة الطابوهات السياسية التى كبحت الى حد كبير قدرتها على
المضي قدما في دمقرطة وتحديثنظامها السياسي بشكل يضمن المشاركة المتكافئة والمتوازنة لكافة افراد وشرائح المجتمع الكويتي. كما انها فتحت الباب
واسعا امام الدول الأخرى الى إحداث إختراقا آخر في نفس الإتجاه.