أصداء

المرأة في القران

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

نحن لا نستطيع أن نضع اللوم على الدين الاسلامي لما تعانية المرأة العربية والمسلمة من إجحاف في حقوقها، وتحجيم لشخصيتها، واذلال لطاقاتها. ولا يمكن تصديق النظرة الشائعة حول مكانة المرأة في العالم الاسلامي التي تتهم فيه دول الغرب بأنها جاءت نتيجة لتعاليم الدين الاسلامي في القران الكريم، والتي يُنظر لها من الخارج كدليل على التعسف والدموية الموجودة في الدين الاسلامي كما يدعون و الذي هو من اروع الرسالات واسماها واطهرها.

يأتي اضطهاد الاسلام للمرأة على اشكال عديدة منها حريتها كأنسانة معترف بها، لها حقوق وعليها واجبات، الى لباسها وتحجيبها والى الحقوق القانونية في الطلاق". لكن الصورة الصحيحة للمرأة في العالم الاسلامي اكثر تعقيدا مما يعتقد الانسان.

إنها ليست قضية دين، إنها قضية تعقيد بشري ضد مخلوق بشري، إنها قضية هيمنة بشرية على نوع اخر من البشر لا غير، إنها كما ذُكر لمرات عديدة سطو ذكوري على نعومة الانوثة، إنها مسألة تغلب القوي على الضعيف كما يحلو القول للجميع صاحب السلطة والسطوة من ساسة وعلماء اجتماع ونفس وفلاسفة ورياضيون وفيزياوين من الجنس الذكري.

لقد رفع الاسلام مكانة المرأة بتحريم وأد البنات ( وإذا الموءة سئلت، بإي ذنب قتلت ) سورة ا لتكوير-اية 8- 9، وألغى ما كان متعارفا عليه من ان المرأة ملك للرجل، ووثق القدرة والكفاءة القانونية لها، وضمن حقوقها في اخذ نفقتها، وتغير الزواج من عقد ملكية الى عقد مشاركة وعلاقة بشرية لها احترامها والتزاماتها اتجاه الطرفين المشتركين في عقد الزواج، وسمح للمرأة بالتصرف الكامل باملاكها ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعضٍِ للرجال نصيبُ مما اكتسبوا وللنساء نصٍيبُ مما اكتسبنَ وسئلوا الله من فضلهِ إنَّ الله كان بكلِ شيءٍ عليما) سورة النساء، اية 32، واستعمال اسمها واسم عائلتها بعد الزواج.

كذلك، منح الاسلام حق النفقة الشرعية للزوجة بعد الطلاق من الزوج لحمايتها وصيانة كرامتها وابعادها عن شبح الحاجة والفقر.

واعتبر الاسلام المراة والرجل مخلوقان متساويان الله ( يَأيُّها الناسً اتَّقوا ربَّكم الَّذي خَلَقَكُم مِن نَّفسِِ واحِِدَةِ ) سورة النساء، اية 1، وبين القران الكريم العلاقة بين الرجل والمرأة والتي يجب ان تقوم على الحب والرحمة. وتقع المسؤلية على الرجال والنساء سوية دون تمييز في اتباع الاركان الخمسة في الدين الاسلامي ( المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياءُ بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويُقيمُون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورَسُوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عَزيز حكيم. وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدنٍ رضوان من الله أكبرُ ذلك الفوزُ العظيم) سورة التوبة، اية 71-72.

إن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنون والمومنات بالجنة سوية ولن يفضل الرجل عليها، بل ساواها في الطاعة والثواب عليها. وهذا يزيد من عظمة الله عزَّ وجل الذي لم يفرق بين مخلوقاته، فما بال الذين لا يتعظون بقول الله واتباع ما جاء في كتابه الكريم عندما ساوى المرأة بالرجل بكل شيْ حتى في الثواب والعقاب.

ان الاضطهاد الاجتماعي التي تعاني منه المرأة لن يأتي في القران، ولن ينزل به كلام الله مطلقاً، بل حباها الله بكل نعمه من قوة ومقدرة وذكاء ودهاء وقابلية ادارية جبارة لو أعطيت لها الفرص. فإذا هي ام ناجحة، فكيف لم يكن باستطاعتها ان تكون ادارية ناجحة في عملها؟

ويجادل بعض علماء الاسلام ما جاء في محتوى الاية والفترة الزمنية لها، حيث ادعوا نَّ الايتان ترسمان النظرة المثالية للعلاقة بين الرجل والمرأة في الاسلام – وهي المساواة والمجاملة.

إن معظم المجتمعات الاسلامية هي مجتمعات تراثية، والمرأة هي التي تتحمل اعباء هذا التراث المتراكم البعيد عن الاسلام والمحبوس داخل طقوس ومراسيم خلقها الفرد لوحده من اجل السيطرة من مركز القوة، واهمل ما جاء في القران الكريم من تعاليم واضحة في العلاقات الانسانية وخاصة ما يتعلق بالمرأة.

لقد تمت ترجمة ما جاء في القران الكريم والسنة النبوية الطاهر من قبل الرجل سابقا حيث لم يُسمح للمرأة بشكل فعَّال بتفسير النصوص القرانية والاحاديث النبوية الشريفة. وحتى مطلع القرن العشرين عندما بدأت الحركات النسوية بالظهور والتي رفعت صوتها عاليا مطالبة بحقوقها التي طمسها الرجل عن قصد طوال القرون التي مضت، وبدأت تحلل ما جاء في القران الكريم من نصوص تعطيها الحق في ممارسة حياتها بشكل افضل، وهل باستطاعة أي فرد ان ينكر ما جاء في القران من نصوص كثيرة تعطي للمرأة حقها؟ وبدأ الصراع الحاد بينهما في سبيل العدالة الاجتماعية والمساواة والمشاركة في مضامير الحياة التي تؤهلها للمارسة غير ناسية دورها الاساسي كأم وزوجة.

إن التفسيرات التي ظهرت كلها منصبة على تعظيم دور الرجل، واكبر مثال على ذلك هو قضية تعدد الزوجات عندما التزم الرجل بحقة الشرعي المنصوص عليه في الاية الكريمة، ولكنه مع الاسف لم يكمل الاية التي أوردت حقه الشرعي في مثنى وثلاث ورباع، ولو اكملنا الاية لوجدنا فيها معنى التحريم لعدم توفر العدالة بين النساء عند الزوج الواحد، فهل يا ترى يستطيع الاب ان يوزع حبه بالتساوي بين ابناءه؟ فكيف يستطيع الرجل ان يوزع حبه واحترامه بين اربع نساء غريبات تتملكهن الغيرة وحب الاحتفاظ بالزوج لنفسها؟( ولن تستطيعوا أن تعدِلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) النساء، اية 129.(،وإن خِفتُم ان لا تُقسِطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم إلا تعدلوا فواحدةٍ..... ) النساء، اية 3.

فمنذ مطلع القرن العشرين بدأ التساؤل عن علاقة هذه التفسيرات ( والتي لم يقصد بها النصوص القرانية مطلقا) من قبل المفسرين بما يدور حولنا من تغيرات اجتماعية اقتصادية وثقافية والتي أعتبرت فيها المرأة انسان من الدرجة الثانية غير قادرة على إدارة نفسها لعدم كفائتها العقلية والجسمية، وذلك كما ذكرنا لعدم اتمام الاية الكريمة في التفسير والالتزام بالقسم الاول منها " الرِّجالً قوامون على النساء بما فضل اللهُ بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم " سورة النساء، اية 34

ومع ذلك، فقد لاحظ بعض العلماء المعاصرين بان المقصود بالتفضيل هنا هو ما يتعلق بمستوى ثراء الرجل ومقدار مسؤليته اتجاه المرأة، وليس كما يتخذها بعض الجهلاء على ان المفهوم الصحيح للأية حسب ما يحلو لهم تفسيرها بان الرجل قوام على المرأة حتى لو كان عاطلا اميا مريضا وغير نافع اجتماعيا يشرب الخمرة وياخذ المخدرات، وهذا يذكرني بالمثل العراقي " ولد مجنون ولا الف خاتون" ( والخاتون هي كلمة تركية معناه المرأة الرصينة العاقلة ذات المركز الاجتماعي المحترم ). فالاية القرانية لم تقل بأن النساء غير قادرات في إدارة امورها، والسيطرة على نفسها، او حتى ان تكون قائدا.

إن معظم الايات القرانية الكريمة لا يوجد فيها إشارة على إعطاء الافضلية للرجال مطلقا

" ومنْ يَعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهُو مُؤمنٌ فأُوْلئِك يُدْخُلونَ الجنَّةَ ولا يُظْلَمُون نُقِيرا" سورة النساء اية 124.

إن الله عزَّ وجلَّ فضل بعض على بعض حسب اعماله الصالحة، وايمانه بالله وعدم اتباع السبل الخاطئة بحق البشرية، لقد فضل الله بعضنا على بعض ليس على اساس ذكر وانثى، بل على اساس متين وهو الايمان.

إن اول من وضع اسس المساواة بين الرجل والمرأة ووثقها في كتابه العزيز هو الله عز وجل،

وهذا ما ينادي به المصلحون والمنادون بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل في المجتمع حتى من قبل الطبقة المثقفة الواعية من النخبة العريضة من الرجال. إذا كان الله سبحانه وتعال أول من دعا الى هذه المساواة، فلماذا التحريف من قبل المتشددين الذين يحاربون في سبيل قمع المرأة وحبسها في قبو الرجعية ا لمتغفنة/ متخذين الدين وسيلة لمحاربتها، وهاكم سادتي البراهين الكافية والادلةالواضحة من كتاب الله على مساواة المراة بالرجل.

إن القران الكريم وما جاء فيه من كلام صاحب العز والجلال ينطبق على كل زمن ومكان، ونادرا ما تستعمل الفوارق اليايولوجية كتبرير خاطئ للقمع المتعمد، وهل نعمة الله على المرأة بالحمل والولادة هي نقطة ضعف تُتسعمل ضدها؟ هي اعظم هبة من الله لها، كرمها بها وجعلها تحمل رسالة ديمومة الحياة وتنشئة اجيال تبني المجتمعات وتؤسس الحضارات.

وهناك قضية معقدة تعاني منها المرأة في معظم العالم العربي والاسلامي وهي قضية الطلاق التي اصبحت نسبتها مرعبة، وتتباين معدلات الطلاق من دولة الى اخرى حسب معطيات واسباب متنوعة ومختلفة. لكن هناك قضية اتخذها الرجل فيها الوحدانية ومعناها هو الوحيد صاحب الكلمة الفاصلة في الطلاق، يطلق حسب ما تحلو له نفسه، في أي وقت دون اخذ الاعتبار للتبعات المأساوية التي تلحق الطلاق والضرر الذي يدفع ثمنه الاطفال مع تحريم ايقاع الاذى بالزوجة. فالنص القراني يقول " وإذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضِراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه..... ) سورة البقرة، اية 231. " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسن ولا يحل لكم ان تأخذوا مما اتيتموهن شيئا " سورة البقرة اية 229 وهناك المئات بل الالوف من القصص حيث يطلق الرجل زوجته ويرميها خارج بيت الزوجية بالملابس التي عليها فقط.

لقد طالبت جميع التنظيمات المنادية بحقوق المرأة ومنظمة حقوق الانسان بتنظيم قانون الاحوال الشخصية الذي يتعلق بالطلاق والنفقة وحضانة الاطفال حسب ما جاء في القران الكريم من نصوص صريحة تُحرَّم أذى المرأة وحرمانها من اطفالها.

ان القران الكريم صان حقوق المرأة جميعها ولم يغفل أي نقطة حتى في ارضاع اطفالها

" والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة" سورة البقرة اية 233، وهذا تكريم للمرأة واعتراف بامومتها للطفل وتقديرا لجهودها، " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها " نفس الاية الكريمة.

ورغم ذك، هناك الكثير من الدول العربية والاسلامية اعطت للمرأة حقها في التعليم والعمل خارج المنزل، وحق التصويت، ورئاسة بعض المؤسسات الحكومية والعمل في القطاع الخاص. بالاضافة الى قيام بعض الدول العربية بتعديل قانون الاحوال الشخصية التي يعطي حقوق المرأة كاملة في النفقة والحضانة ومنع زواج الرجل بأمراة ثانية إلا لظروف قاهرة، والمطالبة بالتعويض المادي عن خسارتها، ومنع زواج البنت القاصر كما حدث في تونس التي تعتبر رائدة في تعديل قانون الاحوال الشخصية وتطبيقة بشكل فعال ولحقتها الجزائر ثمَّ المغرب.

هذا هو القرأن كلام الله المنزل على رسوله المختار صفي الانبياء محمد بن عبد الله الف الصلاة والسلام عليه الى يوم الدين، لقد احب الله المرأة وخلقها بابدع صورة ومنحها كل حقوقها كأنسانة تساوي مع الرجل في كل شي، لكل منهما واجبه الخاص المناط به في هذه الحياة. وعسى ان يتعظ من يحرم المرأة من حقوقها ويتجاوز على كلام الله. واختم قولي بكلام الله " فإن تولوا فقل حسبي الله ولا اله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم". وصدق الله رب الكون العظيم. لكن الصراع مازال مستمرا وسيبقى مستمرا حتى تحصل المرأة على حقها بالحياة مادام الله الى جانبها.

الدكتورة خولة الزبيدي

السبت 10 حزيران

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف