أصداء

العقبات الرئيسية امام فدرالية العراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ولادة كيان او نظام سياسى جديد، سواء كانت ولادة دولة جديدة او نظام حكم جديد هى بمثابة ولادة كائن حى ترافقها آلام و معوقات عدة بعضها تنتهى بولادة سليمة و منها تحتاج الى عملية قيصرية و بعضها الآخر يمكن ان يؤدى الى كوارث تؤدى بحياة الام او المولود. دول و انظمة عدة ولدت بطريقة سليمة كسلوفاكيا و تشيكيا عام 1992 و اخرى تطلبت عمليات قيصرية على شكل تدخلات خارجية كالبوسنيا و الهرسك و التيمور الشرقية و حالات اخرى ادت الى فناء دولة الام كيوغسلافيا و الاتحاد السوفيتى السابقتان.
و ما يحدث الآن فى العراق هو ليس بمثابة ولادة دولة جديدة اذ ان الدولة العراقية الحالية هى امتداد للدولة العراقية التى اسست عام 1921 حسب قانون التوارث الدولى ولكن الامر يتعلق بنظام الحكم لهذه الدولة. و لا يدور السوآل هنا حول نجاح او اخفاق ولادة هذا النظام الجديد بل المشكلة هى داخل العائلة العراقية الواحدة من السنة و الشيعة و الاكراد و التركمان و المسيحين حول تسمية المولود الجديد. اى هل سيكون العراق دولة بسيطة (مركزية) او (مركبة فدرالية) و اذا اصبح فدراليا كيف سيكون شكل هذه الفدرالية؟
و هذه المشكلة هى ليست بهذه البساطة كما تبدو لان لكل من اعضاء العائلة العراقية استراتيجيته و مصالحه الخاصة به و كما ان العائلة العراقية حتى لو رغبت فى الوصول الى قرار توافقى حول هذا الموضوع فان هناك عوامل جيوبوليتيكية يجب اخذها بالاعتبار كوجود دول الجوار التى سوف تتاثر بالقرار العراقى حول مسالة الفدرالية مباشرة و لذلك تبذل قصارى جهدها للتاثير على القرار العراقى بوسائل شتى لكى يتلائم مع امنها القومى و مستقبل نظامها السياسى.

فى هذا البحث الموجز عن مسالة الفدرالية فى العراق نحاول القاء الضوء على العوامل الداخلية و الاقليمية والدولية التى يمكن ان تتاثر على القرار العراقى فى هذا المجال من خلال عرض نماذج من تجارب دول و شعوب اخرى تبنت النظام الفدرالى بنجاح كالولايات المتحدةالاميركية و سويسرا و اخرى اخفقت بالكامل كيوغسلافيا و تشيكوسلوفاكيا و اخرى تعانى من مشاكل جمة كنيجيريا و الهند.

و كتمهيد لتقديم هذا البحث لا بد من عرض موجز لنظرية الفدرالية.

نظرية الفدرالية:

الفدرالية هى نظام قانونى سياسى لتنظيم ادارة الدولة ليست لها علاقة بالقانون الدولى اذ لا يوجد نص فى القانون الدولى يلزم الدول بتبنى النظام الفدرالى بعكس النظام الديمقراطى التعددى الذى ينص عليه ميثاق الامم المتحدة و العهد الدولى للحقوق المدنية و السياسية لعام 1966 و لكن النظام الفدرالى لا يمكن فصله من النظام الديمقراطى اذ لا توجد فدرالية حقيقية بدون الديمقراطية.
مصطلح الفدرالية هو مشتق من الكلمة اللاتينية feudus و يعنى الاتحاد و يرمز الى الاتحاد بين كيانات مستقلة من خلال مؤسسات دستورية من اجل اهداف المشتركة و هو اتحاد بالرغم من الخلاف.
اهداف النظام الفدرالى تكون عادة اما الحفاظ على وحدة اقليم الدولة او تسهيل ادارة البلاد و تقليص البيروقراطية او النمو الاقتصادى او تقريب مؤسسات الدولة الى المواطن من خلال توسيع اشتراكه فى علملية صنع القرار داخل الدولة و الخ.
و فى بعض الدول المتعددة الاعراق يستخدم النظام الفدرالى كبديل لممارسة حق تقرير المصير بصورة كاملة اى لكل قومية دولتها الخاصة بها.
و فيما يتعلق بنشأة الدول الفدرالية فان هناك ثلاث طرق حسب النظرية الفدرالية و التى تتبعها الدول عادة لانشاء نظام فدرالى فيها و حسب خصوصيات كل دولة على حدة:

الوحدة: كيانات سياسية مستقلة تتحد فى اطار دستور فدرالى و تكون دولة واحدة حسب القانون الدولى و من امثلة هذا النموذج الولايات المتحدةالاميركية و سويسرا و استراليا.
الانفكاك: دولة مركزية تتحول الى دولة فدرالية من خلال تاسيس كيانات لامركزية شبه مستقلة فيها يحدد صلاحيتها الدستور الفدرالى. من امثلة هذا النموذج بلجيكا و الارجنتين و البرازيل.
النموذج المختلط: الدولة البسيطة قبلا كانت تتسم بنوع من اللامركزية الادارية ثم تتحول الى دولة فدرالية كالمانيا مثلا.

هناك اللآن فى العالم حوالى عشرون دولة فدرالة تتارجح درجة الفدرالية فيها بين دولة لا مركزية و كنفدرالية.
و هل سيكون العراق بين هذه الدول؟

عقبات امام فدرالية العراق:

السوآل الاول المطروح المتعلق بالدستور العراقى الجديد كما اشرنا اليه اعلاه هو ليس عن درجة و شكل الفدرالية بالدرجة الاولى بل عما هل سيكون العراق حسب الدستور الجديد دولة فدرالية ام مركزية.
و هذا القرار لا يتخذه طرف واحد من الاطراف الرئيسية فى العراق بل يجب ان يكون القرار توافقيا بين الاطراف الرئيسية الثلاثة فى العراق اى السنة العرب و الشيعة و الاكراد بسبب المادة الواحدة وا لستون فقرة (ج) التى تتطلب استفتاء شعبيا على الدستور الجديد حيث تستطيع ثلاث محافظات او اكثر رفض الدستور باكثرية الثلثين اذ جاء فى هذه المادة: يكون الاستفتاء العام ناجحا، ومسودة الدستور مصادقا عليها، عند موافقة اكثرية الناخبين في العراق، واذا لم يرفضها ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات او اكثر.
و من المعلوم بان لكل من السنة و الشيعة والاكراد اكثرية الثلثين فى ثلاث محافظات او اكثر.

و لكل هذه الطوائف الرئيسية الثلاثة موقفها الخاص من النظام الفدرالى حسب ظروفها الجيوبوليتيكية و مصالحها و استراتيجيتها الطويلة المدى و منها:

العرب السنة: ممثلى العرب السنة داخل اللجنة الدستورية هم من اشد المعارضين للنظام الفدرالى فى العراق حيث اعلنوا مرارا رفضهم القاطع للنظام الفدرالى و هددوا بالعمل على رفض هذا الدستور فى الاستفتاء المقبل اذا نص على النظام الفدرالى بحجة ان هذا النظام سوف يهدد وحدة العراق.
و لكن الاسباب الحقيقية وراء رفض ممثلى السنة للنظام الفدرالى هى غير ذلك و منها:

1.المناطق السنية العربية هى مناطق فقيرة نسبيا حيث تتواجد منابع النفط اكثرها فى المناطق الشيعية و الكردية و حتى من ناحية اللامن الغذائى فان المناطق السنية اكثرها مناطق صحراوية او شبه صحراوية تفتقر الى موارد المياه ما عدا الشريطين المحاذيين لنهرى دجلة و الفرات. لذلك فى حالة تشكيل ولاية فدرالية سنية فان هذه الولاية ستظطر الى الاعتماد اقتصاديا على الولايات الشيعية و الكردية مما يجعلها عرضة للاستفزاز.
2.انتشار السنة العرب لا يقتصر فقط على المناطق السنية بل يمتد الى الجنوب الشيعى و حتى الى كردستان،3. فمثلا نسبة السنة فى بعض المناطق الجنوبية كالبصرة تصل الى 40% من السكان. فى حالة تكوين ولاية او ولايات شيعية فى الجنوب فهناك خطر على وجود السنة كطائفة فى هذه المناطق او ربما يؤدى هذا الى نزوح جماعى للسنة من هذه المناطق و هذا ما لا تستطيع المناطق السنية استيعابه.
4.الدول العربية المجاورة للعراق و تركيا هى كلها دول ذات اكثرية سنية لا ترغب اكثرها فى النظام الفدرالى فى العراق و لذلك ياتى موقف السنة الرافض للفدرالية تجاوبا مع مواقف هذه الدول من الفدرالية.

الشيعة: موقف الشيعة عن النظام الفدرالى يتأرجح بين التايد و الرفض و لكن الاكثرية بين ممثليهم و مرجعياتهم تميل الى تشكيل دولة مركزية او اتباع نظام فدرالى ضعيف جدا على اساس ادارى و لكنهم لا يعلنوا عن موقفهم ذلك بطريقة تتاثر على تحالفهمم من الاكراد بل و تركوا هذا الامر للسنة العرب.

و يمكن اسناد الموقف المتارجح للشيعة من الفدرالية الى العوامل التالية:

أ. الشيعة يتمتعون بالتفوق العددى فى العراق يتجاوز الاكثرية المطلقة و لهذا فهم حسب رأيهم يحق لهم كاكثرية حكم البلاد فى كل الاحوال سواء كان العراق دولة فدرالية ام مركزية و لكنهم يفضلون النموذج المركزى على الفدرالى لان النظام المركزى سوف يزيد من نفوذهم فى كافة مناطق العراق كالمناطق السنية و الكردية ايضا.
ب. نقطة ضعف المناطق الشيعية هى افتقارها الى مصادر المياه الذاتية حيث معدلات هطول الامطار هى منخفضة جدا و ان الاكراد والسنة يتحكمون فى مصادر المياه التى تمد الجنوب بالمياه كنهرى دجلة و الفرات و روافدهما و فى حالة تشكيل ولايات سنية و كردية لها حق التصرف بمصادرها الطبيعية فان هناك خطر تعرض الجنوب الى ضغوط من قبل الاكراد و السنة لاغراض سياسية. فمثلا يستطيع السنة استعمال مياه دجلة و الفرات لاغراض الري فى المناطق الصحراوية و تحريم الجنوب من القسم اللاكبر من هذه المياه.
لذلك فان انشاء دولة مركزية او فدرالية ادارية ضعيفة سوف يجعل الشيعة كاكثرية يتحكمون فى هذه الموارد ايضا.
ج. ايران فى تكوينها العرقى وا لطائفى تشبه كثيرا العراق. و ايران كتركيا و بعض الدول الاخرى المجاورة للعراق تنظر بعين الشك الى النظام الفدرالى لهذا يحاول الشيعة عدم احراج ايران فى هذا الموضوع.

3. الاكراد: ممثلى الاكراد داخل الجمعية الوطنية و اللجنة الدستورية هم من اشد المتحمسين للنظام الفدرالى و اسباب هذا التحمس يمكن تلخيصها فى النقاط التالية:

5.كافح الاكراد منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 و حتى سقوط النظام السابق من اجل حق تقرير المصير و الذى يعنى ايضا تاسيس دولة قومية لهم و لكن الوضع الجيوبوليتيكى لكردستان العراق لا يسمح الآن بتشكيل هذه الدولة و لذا تحاول الاحزاب الكردية التى تمثل الاكراد فى بغداد الحصول على الاقل على الحق الفدرالى لكردستان و عرضه على الشعب الكردى كبديل لدولة كردية. اى ان ولاية اقليم كردستان الفدرالية ستكون تقليدا للدولة الكردية التى تريدها 98% من اكراد العراق حسب استطلاعات الرأى و الاستفتاءات الغير الرسمية التى اجريت بينهم.
6. مطالبة الاحزاب الكردية بالفدرالية لا تخلو ايضا من نزعات انانية و مصالح شخصية اذ ان قيادات الاحزاب الكردية و خاصة قيادات الحزبين الرأيسيين ذاقوا طعم ممارسة السلطة او بالاحرى الانفراد بها و التمتع بامتيازات اقتصادية هائلة و بطرق غير مشروعة و لهذا فان هذه السلطة و الامتيازات لا يمكن الاحتفاظ بها الا فى كيان كردى فدرالى لا تتدخل فى شؤنه الداخلية الحكومة الفدرالية فى بغداد و لكن الدولة العراقية كدولة ذات سيادة حسب القانون الدلولى تضمن فى نفس الوقت حمايتهم من تدخلات دول الجوار التى سوف تجهض تاسيس دولة كردية فى اى وقت.
7.كردستان العراق تتمتع بثروات طبيعية هائلة ترغب العوائل الحاكمة فى هذا الاقليم الاستيلاء عليها و تحويلها الى املاك شخصية كما فعلت مع الكثير من الملك العام لحد الآن حيث الفساد الادارى و المالى وصل الى حد الكارثة. و هذا لا يتم الا اذا حكمت هذه العوائل اقليم كردستان لوحدها كما هو الحال الآن.

الموقف الكردى المؤيد للفدرالية لا يواجه فقط عقبات داخلية متمثلة فى رفض السنة و الشيعة للنظام الفدرالى بل هناك عوامل موضوعية ايضا منها اقليمية و دولية تشكل عقبة امام مطالب الاكراد.
اذا نظرنا الى خارطة الدول الفدرالية فى العالم نجد بان هذه الدول اما ان تكون متجاورة مع بعضها البعض بحيث تشكل جزر داخل بحر من الدول المركزية او هى من حجم و قوة تستطيع الوقوف امام معارضة الدول الاخرى لنظامها الفدرالى لان النظام الفدرالى ينظر اليه من قبل الكثير من الدول كتهديد لوحدة اقليمها.
ففى اوربا مثلا نجد بان المانيا و النمسا و سويسرا هى كلها دول متجاورة مع بعضها البعض و الناطقة باللغة الالمانية فيما تشكل الدول الناطقة باللغات الرومانية كفرنسا و اسبانيا و ايطاليا والبرتغال التمجاورة لبعضها البعض كتلة الدول البسيطة. و نفس الشئ هو الصحيح بالنسبة للدول الاسكندنافية الاربعة التى هى كلها دول بسيطة. روسيا الوحيدة التى تبنت النظام الفدرالى فى شرق اوربا هى كبيرة و قوية بدرجة تستطيع مواجهة اي معارضة من قبل دول الجوار. و فى شمال امريكا نجد بان كندا و الولايات المتحدةالاميركية و المكسيك كلها دول متجاورة و كبيرة تبنت النظام الفدرالى. و فى جنوب امريكا نجد البرازيل و الارجنتين و فنزويلا المتجاورة لبعضها البعض تبنت النظام الفدرالى و نفس الشئ بالنسبة للهند و باكستان فى جنوب أسيا فهما متجاورتان و كبيرتان.

و ماذا عن العراق؟ فان العراق على المستوى الاقليمى محاط بالكامل بدول مركزية بعضها بسبب تكوينها العرقى وا لطائفى تعتبر الفدرالية فى العراق حتى تهديدا لامنها القومى ووحدة اراضيه و ذلك لا بد لهذه الدول ان تمارس ضغوطا لاجهاض مشروع النظام الفدرالى فى العراق بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

و على مستوى الدولى اى تجارب الدول الاخرى التى تبنت النظام الفدرالى نجد بان النماذج هى غير مشجعة لمؤيدى النظام الفدرالى فى العراق.
فلنفقى نظرة سريعة على تاريخ بعض هذه الدول و نقارن وضعها فى البداية مع الوضع العراقى الحالى.

الولايات المتحدةالاميركية: الولايات المتحدةالاميركية قبل ان تصبح دولة فدرالية من خلال دستور عام 1788 كانت كنفدرالية متكونة من ثلاثة عشرة دولة مستقلة و ثم اتحدت فى اطار الدولة الفدرالية الحالية. و لكن العراق كان دولة مركزية موحدة منذ البداية مما يصعب الأن تفكيكها الى ولايات بعكس توحيد كيانات سياسية مستقلة الى دولة واحدة.
سويسرا: سويسرا كالولايات المتحدة كانت قبل عام 1848 تتكون من كنفدرالية هشة تضم ثمانى دول مستقلة اتحدت بعد الحرب الاهلية عام 1848 و لم تكن ايضا دولة مركزية فى بداية تاسيسها كما هو الحال مع العراق.
كندا: كندا اسسها الاستعمار البريطانى كدولة فدرالية منذ عام 1867 و كانت تتكون فى الاصل من اربع ولايات و بقت كمستعمرة بريطانية الى عام 1930. و لكن العراق الحالى اسسته بريطانيا منذ البداية كدولة مركزية و الا لكان الامر اسهل منذ البداية.
المانيا: النظام الفدرالى فى المانيا تم فرضه من قبل سلطات الاحتلال بعدا الحرب العالمية الثانية و بالاخص الولايات المتحدة اللامريكية و ذلك من خلال دستورعام 1949 حيث اشترط على هذا الدستور بان توافق عليه سلطات الاحتلال اولا. و لكن العراق هو الآن دولة مستقلة من الناحية القانونية و صاحبة كامل السيادة رسميا لذا يتجنب الامريكيون والبريطانيون اعطاء اى انطباع بانهما دولتان محتلتان للعراق من خلال تدخلهما فى العملية الدستورية فى العراق بل اكدتا مرارا و تكرارا بان الدستور هو شأن العراقين وحدهم. و كما ان امريكا و بريطانيا ليستا مستعدتان للتدخل و التضحية بمصالحهما من اجل الاكراد.
النمسا: النمسا كانت قبل الحرب العالمية الاولى دولة كنفدرالية منذ عام1868 ثم تحولت بعد انهيار الامربراطورية النمساوية بعد الحرب العالمية الاولى الى دولة فدرالية عام 1920. و ليس هناك شبه بين وضع النمسا أنذاك والوضع العراقى الحالى.

هناك مثال وحيد بين كل الدول الفدرالية يمكن ان يتطابق مع الوضع العراقى الحالى و لكن بفارق كبير و هو مثال بلجيكا. بلجيكا كالعراق تتكون من قوميتين رأيسيتين و كانت دولة مركزية قبل ان تتحول الى دولة فدرالية حسب دستور عام 1993 بعدما كان هناك خطر انقسام البلاد و انفكاكها بين الفالون الناطقين باللغة الفرنسية و الفلاندر الناطقين باللغة الهولندية. و لكن الفارق الكبير بين النموذج البلجيكى والعراقى هو بان الفلاندر يشكلون 57% من السكان و الفالون 42% و كلا الطرفين كانا قادرين على تاسيس و ادارة دولة خاصة بهما و كما ان لكل من هذين الطرفين عمق استراتيجى المتمثل بفرنسا لطائفة الفالون و هولندا لطائفة الفلاندر و لذلك كان خطر التقسيم خطرا حقيقيا. و لكن الوضع فى العراق يختلف تماما فان العرب يكونون حوالى 75% من السكان و الاكراد اقل من 25% و كما ان الاكراد غير قادرين على تشكيل دولة خاصة بهم حاليا لاسباب جيوبوليتيكية و اقليمية و دولية مما يقلل من خطر انفكاك الدولة العراقية و يقلل الضغط على الاكثرية العربية لتقديم تنازلات للاكراد.

اذن فما هو السلاح الذى بقى بيد الاكراد من اجل الحصول على الحق الفدرالى؟
هناك خيارات عدة فى هذا النطاق و لكنها تبدو اكثرها غير فاعلة او حتى غير واقعية منها:

الانفصال: فان الانفصال هو حق شرعى حسب حق تقرير المصير و الاكراد فى العراق لهم من الناحية القانونية حق تاسيس دولة خاصة بهم اسوة بالشعوب الاخرى فى النمطقة و لكن التمتع بالحق و ممارسة هذا الحق هما شيئان مختلفان. لنفترض بان كردستان قد انفصلت عن العراق فان دولة كردستان ستكون عرضة لتدخلات دول الجوار و حتى الاحتلال العسكرى و ربما سيكون مصيرها مصير تيمور الشرقية التى احتلتها اندونيسيا عام 1975 بعد انسحاب البرتغال منها. كما ان كردستان هى منطقة مغلقة و محاطة بدول الجوار المعادية لتاسيس دولة كردية بسبب وجود اقليات كردية فيها وليس لكردستان منفذ بحرى و لا يمكن الوصول اليها برا و جوا الا بموافقة دول الجوار هذه. لذا فان الاكراد سيتجنبون من الانفصال عن العراق حتى اذا دعتهم الاكثرية العربية الى ذلك.
ثورة جديدة: هذه الامكانية هى واردة و لكنها اصبحت صعبة جدا نظرا للتغيرات الجيوبوليتيكية التى طرأت على المنطقة بعد سقوط النظام العراقى لان الاكراد كانوا دائما فى ثوراتهم يعتمدون على العمق الاستراتيجى الايرانى لاغراض لوجيستيكية كتأمين السلاح و الغذاء و علاج الجرحى و لكن الامر تغير الآن اذ ان الشيعة اصبحوا هم الذين يحكمون العراق و للشيعة علاقات طيبة مع ايران لذا فان اي ثورة كردية معادية للحكومة العراقية فى المستقبل سوف لا تتمتع فقط بدعم ايران بل ستكون ايران طرفا معاديا للاكراد فيها من خلال تشكيل كماشة مع تركيا و سوريا والعراق تحاصر الاكراد من كل الجهات. و يجب القول ايضا بان القيادات الكردية الحالية تغيرت تماما و اصبحت تهتم بمصالحها الشخصية اكثر من مصالح الشعب الكردى و الكثير من قيادى الاحزاب الكردية و ابنائهم و اقاربهم تحولو الى راسماليين كبار من خلال سرقة موارد الشعب الكردى و كنتيجة ليس لهؤلاء المصلحة فى التنازل عن كل هذا الامتيازات و التوجه من جديد الى الجبال لخوض المعارك و ان الطرف العربى فى العراق يعرف ذلك لهذا لا ياخذ تهديدات القيادات السياسية الكردية بجدية و فى الاخير يقبل زعماء الاحزاب السياسية الاكردية باى حل يضمن مصالحها الشخصية حتى لو كانت هذا حكما ذاتيا متكونا من قرية كردية واحدة يمارس هؤلاء الزعماء سلطاتهم فيها و يتمتعون بما سرقوه من الشعب الكردى و اكثر هؤلاء الزعماء هم من اصول اقطاعية لذا لا يرون الا مصالحهم الشخصية.
التدخل الاجنبى: امكانية التدخل الاجنبى لصالح الاكراد هى غير واردة اطلاقا لان لا امريكا و لا بريطانيا هى مستعدة للتضحية بمصالحها فى المنطقة من اجل الاكراد و كما ان وجودهم فى المنطقة لها اهداف استراتيجية اخرى تتعلق بماصدر الطاقة وا لهيمنة على المنطقة و ضمان امن اسرائيل و ليس الاكراد هنا الا وسيلة للوصول الى هذه الاهداف.

اذن كل ما يبقى بيد الاكراد للوصول الى حقهم فى ظل النظام الفدرالى هو طريق التفاهم و الحوار مع الاطراف العراقية الاخرى و اقناعهم بحقهم المشروع فى التمتع بحق النظام الفدرالى و تجنب لغة التهديد و الضغط لانها سوف ربما تؤدى الى نتائج عكسية.

a7825836@unet.univie.ac.at

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف