أصداء

الرز في مواجهة النفط

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

انتهى النصف الأول من العمر الافتراضي للنفط بمرور مئة و خمسون عاما شهد العالم فيه نهضة صناعية و تجارية و زراعية و بروز اقتصاديات عملاقة ساهمت في زيادة عدد السكان على الكرة الأرضية إلى ستة أضعاف خلال تلك الحقبة.

المرحلة القادمة يعتقد البعض أنها ستكون حقبة هبوط و زوال بهجة الانطلاق النفطي و سينحصر تألقه و يختفي بريقه تدريجيا و بالتالي ستقل قيمة الأسواق المالية المعتمدة عليه و حجمها مما يؤدي إلى أن يخف دور الدول النفطية و يتراجع على الساحة العالمية.

من حوالي مليوني عام كان سكان الكرة الأرضية يعيشون في عصور غير ناطقة و مع مرور الوقت و ظهور اللغات أصبحوا ناطقين و متعددي اللهجات و اللغات، إلى أن أتي النفط منذ مئة و خمسين عاما ليحول المجتمع البشري إلى عصر الحضارة النفطية و الديزل. و هنا بداية التعريف الجديد للعصور عوضا عن العصر الحجري ليكون العصر النفطي أو عصر الديزل.

و لكن هذه الحقبة انتقالية لان التطور الكامل على الكرة الأرضية ما زال مجهولا، حيث لا يقدر احد أن يتخيل العالم بعد عشرين عاما كيف سيكون في ظل السرعة العالية للتطور التقني بظهور الاتصالات الحديثة ووسائل نقل المعلومات الرقمية و استخدامات الألياف الضوئية ناهيك عن علوم الطب و الفضاء و هندسة الجينات و غيرها من العلوم و أنواع الطاقة البديلة المستحدثة من مثل الطاقة الشمسية إلى الرياح والطاقة النووية و ما لا نعرفه حتى يومنا هذا بعد أو لم يكتشف.

استخدام دول العالم المتحضر لمحركات الاحتراق جعل الاقتصاد العالمي يتحول إلى ما سمي "اقتصاد النفط " ويرتبط بأسعار البرميل صعودا و هبوطا. اليوم يتم حرق و استهلاك سبعمائة ألف برميل نفط كل عشر دقائق في العالم الصناعي المتقدم. و هو ما يعادل أربع أضعاف ما يتم اكتشافه من أبار للنفط على مستوى العالم لتعويض ما استخدم.

و يعتقد البعض من محللي الأسواق و خبراء الإحصاء النفطي انه خلال خمس إلى عشر سنوات من اليوم سيتم استهلاك نصف الاحتياط العالمي من النفط و سيرتفع السعر اعتمادا على الطلب المتزايد و قلة العرض. و سيتحول العالم إلى طلب استهلاك اكبر و احتياج أضخم للتطور الذي سيسود العالم الثالث و انتشار ثقافة الصناعة و الديزل مما يجعل السلعة النفطية أغلى ثمنا و الأكثر طلبا.

و لقد لعب الاحتياطي النفطي في الشرق الأوسط دورا هاما في المساهمة على استمرار الدور الريادي لدول العالم الصناعي و الحفاظ على التحضر العالمي و الصناعة و التجارة الدولية بطريقة غير مباشرة.

أما الدول الاستوائية و الأقل تطورا و الأقرب إلى اقتصاد الفلاحة و الحقل الزراعي فمن السهل عليها وقت قلة النفط أو انتهائه من العودة إلى المزارع و الحياة العادية غير المتطورة، و بالتالي ستكون الأقل ضررا من غيرها حيث لم و لن يختلف على شعوبها شيئا خصوصا و إن حياتهم تحتاج إلى "صفر طاقة " في مناخ حار غير بارد. و ليس مطلوبا إن تكون لديهم منازل معزولة و مدفئة لمواجهة البرد القارص مثل دول الغرب وروسيا و كندا على سبيل المثال. هذه الدول الاستوائية لها محاصيل زراعية لعل أهمها الرز الذي سيبقى العالم على الحياة، و تقوم الدول تلك بزراعة الأرض مرتين في العام في الوقت الذي تقوم الدول الأخرى بزراعة الأرض مرة واحدة في العام، و هو ما يجعل العالم يعيد التفكير في أنماط الزراعة عالميا. و هذا ما أطلق عليه اقتصاد الرز في مواجهة اقتصاد النفط. الرز الذي اثبت انه الاكثر فعالية و إدامة على وجه الأرض من كل المحاصيل الأخرى، و بالتالي سيكون دور الدول الزراعية المنتجة للأرز هاما في المستقبل في مقابل دور دول النفط.

المعضلة عند تلك الدول الاستوائية تكمن في الأعداد الكبيرة للمواليد و عدد السكان و ستلعب دورا هاما في الاقتصاد لديهم. و في المقابل فأن أسعار الطاقة الرخيصة جعلت الولايات المتحدة الأمريكية و استراليا و كندا تقوم بزراعة مساحات واسعة من أراضيها بالحبوب باستخدام آليات زراعية متطورة و ساعات عمل منتجة وكميات ضخمة من المحاصيل. بينما الدول الأخرى الاستوائية و في العالم الثالث الوضع مختلف تماما سواء من حيث طبيعة المساحات المزروعة أو الكفاءة الإنتاجية أو نوعية المنتج.

الغرب و الولايات المتحدة الأمريكية استفادا في الصناعة و الكهرباء و الزراعة و السفر و الأجازات و الرحلات و السيارات ورفاهية المساكن و غيرها من أمور الحياة اليومية من أسعار النفط الرخيصة التي تصلهم من الشرق الأوسط و بقية مناطق العالم.

الآن الصدمة القادمة عالميا هي في غياب النفط، حيث ما يراه و يتعايش معه العالم المتقدم باعتباره شيئا عاديا في حياته لن يكون كذلك في السنوات القادمة.

لأجل كل ما سبق، فقد ارتفع سعر النفط رغم بعض الضغوط المطالبة بالاحتفاظ به ضمن المقبول، و ازداد الضخ اليومي و ارتفعت نسب استهلاك الآبار و الاحتياط.

ويبدو أن الأسعار يرفعها تجار المستقبل و لكن إلى متى ستبقى في ارتفاع و لماذا يجب أن يصدق العالم أسباب ارتفاع النفط و يقبلون بأسعار مرتفعه؟.

الولايات المتحدة التي تنتج خمس ملايين برميل يوميا و لديها اكبر امكانات مسح فيزيائي لأبار النفط و أماكن تواجده اعتمدت دراسات سابقة لشركة "شل" تقول إن أعوام 1965 إلى 1970 هم أعوام ازدهار النفط لديها، و لكن الاستخدامات الكثيرة و الاستهلاك الكبير جعل الأرقام تبدو ضئيلة مع تراجع الإنتاج لديها، مما دفع بسياسة أمريكية لوضع اليد على أماكن نفطية عالمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لحماية حالة التطور الصناعي العالمي من الانهيار.

الضخ الجائر لبعض من الآبار العملاقة بات مشكلة تهدد النفط في كل من كندا و فنزويلا و روسيا و بحر الشمال و الصين و السعودية و إيران.

و تلك الآبار الضخمة و العملاقة التي تم اكتشافها و استخدامها تقوم منذ ثلاثين عاما بتزويد العالم بما قيمته عشرين بالمئة من الاحتياجات العالمية و تشكل السعودية بإنتاجها ما قيمته خمسه بالمئة من الاحتياج اليومي العالمي. أما الثمانيين بالمئة المتبقية فهي من أبار عادية ليست عملاقة و ستنضب قبل الآبار العملاقة. و من المعروف أن كل الآبار العملاقة تم اكتشافها عالميا و الأمل ضئيل في اكتشافات عملاقة قادمة.

في عام 2004 كان الطلب العالمي اليومي اقل بمئة مليون برميل من الضخ اليومي للآبار حول العالم و كان ذلك مؤشر جيد إلا أن الدراسات و الأبحاث أفادت بأن الآبار تفقد سنويا ما نسبته 2% إلى 3% من قيمة قوة الضخ للأعلى و تلك مشكلة كبيرة تؤثر في الإنتاج و في قيمة بئر النفط. و هذا يعني وجود النفط في الأرض و لكن يصعب ضخه للأعلى.

و قد أظهرت الدراسات العلمية التزايد في استهلاك النفط حيث ارتفع معدل الاستهلاك من 25 بليون برميل عام 2000الى 30 بليون برميل عام 2004. و هذا مؤشر على زيادة الطلب المستقبلي على الشراء مع قلة العرض خلال الخمسين عاما القادمة. و إذا استمر الاستهلاك في ارتفاع فأن العمر الافتراضي لن يكون مئة و خمسين عاما أخرى بل فقط أربعين عاما و بعدها زوال اقتصاد النفط و بقاء اقتصاد الأرز.

مع نهاية عام 2004 كان الاستهلاك اليومي 83 مليون برميل يوميا و هو يطابق الإنتاج اليومي للآبار عالميا و الدراسات تشير إلى انه مع نهاية عام 2005 سيصبح الطلب في حدود 86 مليون برميل يومي أي بزيادة ثلاثة ملايين برميل.

و تشير الدراسات أيضا أن القدرة الإنتاجية القصوى للعالم هي 89 مليون برميل يوميا و تدعي بعض من الدول المنتجة أن هذا الفرق هو نفط غير مستخدم عالميا و يتم تخزينه أو إهداره من دول أخرى.

و هذا ما دفع بدول نفطية أن تنتهج مسارات أخرى لتقويه اقتصادها مثل التجارة البينية و إعادة التصدير و السياحة والأعمار و بورصات الأسهم والمدن الإعلامية و الطبية و المثل الحي الناجح الجدير بالدراسة هو ما تقوم به إمارة دبي من تحول ايجابي لأجل مستقبل لا يعتمد على النفط.

و لكن ما امكانات دول اقتصاد الرزالمستقبلية و منها الصين مثلا؟، سؤال يحتاج إلى إجابة ترتبط بالمياه على الكرة الأرضية. نفط و أرز و مياه هي معضلات و حلول في آن واحد على طريق إدارة العالم.

aftoukan@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف