أصداء

انفصال الكرد وعقدة الاخر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

التساؤل الذي طرحه الكاتب الاسلامي المصري فهمي هويدي في مقاله في جريدة "الشرق الأوسط" 9752، يحمل في ثناياه نوايا غير طيبة ورؤى غير مريحة تجاه القضية العراقية وتجاه القضية الكردية، لا سيما وأن الحالة العراقية بدأت تدخل مرحلة تاريخية حاسمة من الحياة السياسية والدستورية والبرلمانية في ألعراق الجديد الذي انطلق الى عالم الحرية والكرامة بعد تحرره وتخلصه من النظام الاستبدادي البعثي العربي القومي النزعة والعنصري المسيرة.

والعنوان الذي طرح به المقال، أيضا يحمل منظور سياسي غير عادي يحمل علامات ومؤشرات الحقد والكراهية تجاه المسألة العراقية وتجاه خصوصياتها الوطنية التي تحمل تنوعا وتعددا قوميا ودينيا وسياسيا، لأن العنوان المطروح "مؤشر خطر في تلويح غلاة الأكراد بالانفصال" لا يطرحه بهذا الشكل أي كاتب متفهم ومنفتح ومؤمن بالحقوق المدنية والسياسية للانسان والحقوق الشرعية المثبتة في المواثيق الدولية للقوميات والأقليات، ان كان الكاتب مصريا او عراقيا، ولكن على ما يبدو ان الكاتب فهمي هويدي يحمل في صدره وقلبه شوائب من ترسبات الأيديولوجية القومية التي طرحها حزب البعث طيلة مسيرتها المدمرة على الساحة العراقية والعربية، التي قلعت جذورها من الواقع العراقي بفعل العملية التحررية للقوات الدولية والبيشمركة الوطنية الكردستانية والمعارضة الوطنية العراقية في التاسع من نيسان.

والدليل على ما ذهب اليه السيد هويدي وما طرحه من قول يحمل نية تتسم بالكراهية، هو هذه الفقرة المستخرجة من مقاله التي تؤكد على ان الكرد بدأ يرفض كل ما هو عربي وإسلامي، كما جاء نصا " ولا مفر من الاعتراف بأن دعوات المفاصلة والخصومة لقيت آذاناً صاغية لدى بعض الأوساط، وساعدت معاناة الأكراد ومظلوميتهم على توفير أجواء الاستجابة لها، بل ذهب نفر من الغلاة الأكراد إلى شحن الأجيال الجديدة بمشاعر السخط والرفض لكل ما هو عربي وإسلامي. والتقارير التي خرجت من المناطق الكردية العراقية تحفل بالمعلومات التي تعبر عن ذلك السخط، حتى أن وجود العرب في تلك المناطق أصبح يستقبل باستياء مشهود. أما اللغة العربية فقد تراجع حضورها حتى أصبحت تحتل المرتبة الثالثة بعد الكردية والإنجليزية. وكان طبيعياً في ظل ذلك التراجع أن تظهر أجيال جديدة لا تتكلم العربية، وتتعامل مع العرب بحساسية مفرطة، وكأنهم مسؤولون عما حل بالأكراد من مظالم، وغير مدركة أن العرب كانوا بدورهم ضحايا للنظام البعثي، ولم تكن معاناتهم منه بأقل من معاناة الأكراد".

ومن منطلق الدقة والمهنية والمصداقية، لتكون المعاير الأساسية في تقييم ما ذهب اليه مقال السيد الكاتب ووجهات النظر والرؤية التي طرحه، فإننا نقول ان المطالب والحقوق القومية التي يطالب بها الكرد ليست وليدة اليوم، بل هي وليدة عقود طويلة تعود الى ما قبل منتصف القرن الماضي والى العقدين الأوليين منه، عند تأسيس الدولة العراقية وعند دخول العراق في عصبة الأمم المتحدة حين نعهد الحكومة العرقية في ذلك العهد بالتعامل مع الكرد وفق عملية سياسية وإدارية محددة تحقق وتلبي الحقوق والمطالب الكردية في الادارة الخاصة واستخدام اللغة الكردية في المناطق التي تسكنها أغلبية كردية. ولكن الحكومة والحكومات العراقية المتعاقبة تنصلت من تحقيق ذلك التعهد الموثوق دوليا في الأمم المتحدة، ونتيجة لذلك تراكمت المشاكل وتعقدت الإمور، بتعاقب الحكومات المركزية في عهود الحكم الجمهوري، لرفضها حل القضية الكردية وحل مشكلة نظام الحكم والسلطة في العراق، الى ان وصلت الأحوال الى ما وصلت اليها في عهد نظام البعث المستبد، فلحق بالعراق دمار شامل ولحق بالشعب العراقي ظلم جائر ولحق بالشعب الكردي مآسي ومعاناة انسانية كبير، فخسر العراق الكثير الكثير، الى أن لحق بها ركب التحرر في التاسع من نيسان، فدخل في عهد جديد فيه الحرية والحقوق والكرامة والديمقراطية والتعددية أساس الحكم والنظام لادارة الدولة العراقية وفق المفاهيم الانسانية التي غائبة عن حياة العراقيين لعقود وقرون طويلة.

وبفضل هذا التغيير تحقق نقلة نوعية وقفزة كبيرة في الحياة المعيشية الاقتصادية والاجتماعية في حياة المواطن العراقي، وتشير بعض الدراسات الاقتصادية الى ان نسبة التغيير الحاصل تقدر بواحد الى عشرة مقارنة مع الوضع السائد في عهد النظام السابق. إضافة الى هذا تحقق نجاح اكبر عملية تحول للحياة السياسية وذلك بإرساء النهج الديمقراطي والاختيار الانتخابي لنظام الحكم في العراق، وهو نجاح باهر يتحقق لأول مرة في حياة المنطقة.

ولكن بسبب تواصل الحالة العراقية الجديدة استنادا الى الوقائع السياسية المستندة الى الديمقراطية والتعددية والحرية والتحولات الاقتصادية في العراق، فان الدول الاقليمية للجوار العراقي وبعض الدول العربية، لا تستسيغ ولا تتقبل هذا الواقع كمعادلة وموازنة جديدة في المنطقة، لذلك فهي تحاول بشتى الوسائل بطرق مباشرة وغير مباشرة، قلب هذه المعادلة العراقية الجديدة، فاقحمت العراق في حرب ضروس للارهاب، لإبعاد شبح التغيير والتحرر والإصلاح عن تلك الدول، حفاظا على أنظمتهم السياسية التي لا تستند الى شرعية حقيقية من الشعب، شرعية نابعة من النهج الديمقراطي الصحيح والإيمان بالمباديء الأساسية لحقوق الانسان.

ولا شك فان الأجواء السياسية التي خلقها عالم ما بعد التاسع من نيسان في العراق، من حرية وتعددية وانفتاح وإرساء الحقوق السياسية والمدنية للانسان وللمكونات الفعالة من المجتمع العراقي كالمرأة والإقرار بحقوقها دستوريا، فان الطروحات السياسية للأحزاب والكيانات والتكتلات العراقية، أصبحت مسألة عادية في الوسط العراقي بالرغم من اختلافها مع بعضها، في ظل هذا الجو الانفتاحي الديمقراطي والتعددي. ضمن هذا السياق فان الطروحات الكردية بشأن حقوقها الشرعية والعادلة أصبحت مسألة طبيعية في سياق المسار العراقي، وأصبحت المطالب الكردستانية المتمثلة بالنظام الفدرالي، وإرساء الديمقراطية، وتثبيت المباديء الأساسية لحقوق الانسان والمرأة، وتقسيم الثروات الطبيعية والموارد المالية، والحفاظ على البيشمركة القوة الوطنية الكردستانية، وتثبيت مصادر متعددة للتشريع العراقي وليس مصدر واحد، وتعيين الحدود الادارية للأقاليم، وإبعاد شبح الدين السياسي عن الدولة، وغيرها من المطالب الكردستانية والعراقية، كل هذه المطالب أصبحت تناولها على الساحة السياسية مسألة طبيعية عادية ومفهومة ومقبولة من قبل العراقيين.

ولكن تلك المطالب لا زالت غريبة وغير مقبولة في الوسط والواقع العربي والوسط الاقليمي، لأن هذه الأوساط لا زالت تعيش بعقلية الماضي، ولا زالت بعيدة عن الإدراك والإلمام بالمباديء الأولية لحقوق الانسان والقوميات والأقليات، ولا زالت بعيدة عن النهج المدني والتطبيق الديمقراطي الحقيقي لنظام الحكم في المجتمع والدولة. وكاتبنا السيد فهمي هو واحد من هؤلاء الذين يعيشون في ظل هذه الأجواء في مصر وفي غيرها، لا سيما وان مصر بالرغم من استقرارها السياسي الطويل الا انها لم تقدر على خلق نظام سياسي ديمقراطي لحكمها ملبي لطموحات شعبها، وهي في الفترة الأخيرة ونتيجة لضغوطات دولية أخذت تميل الى إصلاح نظام الحكم عن طريق الانتخاب المباشر، ليحقق الشرعية الدستورية لنظام حكم الدولة والمجتمع في بلد لها جذور تاريخية عريقة. لذلك فان كاتبنا السيد فهمي هويدي لا زال يعيش في تلك الأجواء التي لا زالت تتسم بعدم الانفتاحية على المعالم الحديثة لنهضة الانسان الحقيقية المستندة الى تطبيق الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعيش بحرية وكرامة، ولا زال هو مع آخرين من سادة آخرين من الكتاب والمثقفين يعيشون في بيئة وأجواء منغلقة لا تسمح للرأي الآخر بالنطق والحوار والمجادلة والمطالبة بالحقوق المهضومة، وهي أجواء تمنع عن الآخر حقوقه الطبيعية والانسانية والسياسية والمدنية. ولهذا فان المنطق الذي خرج به وكتب به هويدي مقاله يفسر ضمن هذا التأويل ولا يؤخذ عليه، لان عملية هضم واستيعاب حقوق الانسان والقوميات والأقليات المثبتة في المواثيق الدولية الصادرة من منظمة الأمم المتحدة ومن الهيئات الدولية المرتبطة، ليست سهلة تقبلها واستيعابها في بيئة كبيئة الشرق الأوسط.

ولهذا فان مسألة انفصال الكرد كما يطرحه السيد هويدي، وفق الرؤية المكتوبة في المقال، تمثل عقدة نفسية وسياسية لدى الكاتب ناتجة من عدم إيمانه بالآخر وبوجوده، ولا شك ان الإمساك بهذه العقدة من قبل الكاتب وعدم التحرر منها تخلق نماذج فكرية وكتابية مريضة غير سليمة كالمطروح في هذا المقال، والمؤسف ان هذا النمط من الكتابة هو في عين الوقت يمثل نموذج لكاتب غير متحرر ومقيد بأفكار الماضي. وبما ان الدنيا في تغيير وتطور دائم، فان الوقت قد حان لأمثال كاتبنا الفاضل ليتحرر من هذه العقد السياسية المريضة التي تسكن صدور بعض الكتاب بشان المسألة العراقية والقضية الكردية.

وفي الختام لا يسعنا الا ان نقول للكاتب الفاضل فهمي هويدي يا أستاذ، أهل مكة أدرى بشعابها، وأهل العراق أدرى بشعابها، وأهل اقليم كردستان أدرى بشعابها، فشعابك ليس منا وشعابنا ليس منك، وما دمت لا تزرع وردة فلا حاجة لزرع شوكة.

ينشر في ايلاف بالتزامن مع جريدة "الاتحاد" العراقية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف