شموع في دهاليز الظلام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أهدي هذه المقالة الى الشموع التي أنارت لنا عتمة المنفى....
عراقيون من مختلف المشارب والأنتمائات.. فقط عراقيون لايفرقهم أنتماء طائفي أو عرقي أو ديني.. قد تفرقهم وجهات النظر التي تصب جميعها في مصلحة العراق ولكن ما يجمعهم أكبر وأعظم بكثير.. أنه العراق.. كنا جالسين نتبادل الحديث عن العراق وهموم العراق ونحن في قمة الشوق والحنين الى العراق.. في قمة الخوف والوجل مما يحدث وما يمكن أن يحدث للعراق.. أذا بالخبر يأتينا فجأة..
" بغداد- برلين " جسر ثقافي بين العراق والمانيا.. فكرة طرحها الدكتور عوني كرومي وجدت طريقها الى التطبيق تتلخص بدعوة مجموعة من المسرحيين العراقيين الى برلين لتبادل الخبرة والأطلاع على المشهد المسرحي الألماني والأنخراط في ورشة عمل مسرحية تختتم بتقديم عمل مسرحي يعرض لمدة ثلاثة أيام للفترة من 10 الى 12 آب/أغسطس 2005 الجاري بغية الأسهام في أعادة أعمار المسرح العراقي الذي فقد حالياً تأثيره الفاعل في المجتمع بسبب ضعف الأمكانيات التقنية والمادية أثر ممارسات الديكتاتورية وعواقب الحروب المتتالية التي مرت على العراق.
و وصل الوفد المسرحي العراقي الذي تكون من الفنانين ( د.عواطف نعيم.. عزيز خيون.. فيصل جواد.. رائد محسن.. شعاع ضياء عبد الله.. د.أفبال نعيم.. فاضل عباس.. د.هيثم عبد الرزاق.. سنان العزاوي.. أزل يحيى أدريس.. فرح طه.. مخلد راسم الجميلي.. أيار عزيز خيون.. مهيمن أسماعيل.. حسن خيون ) الى برلين وبدأ مشواره واصلاً الليل بالنهار في التدريب الشاق من أجل أن يكون عمله المسرحي نموذجاً رائعاً وصورة مشرّفة للفن العراقي الجميل الذي لم تستطع لا السلطة الديكتاتورية المقبورة ولا غبار الحروب تدميره أو تغييبه.
أذاً هاهو العراق قد حلّ بين ظهرانينا.. العراق بأجمل ما فيه رغم أن كله جميل بمبدعيه بباقة من أجمل وروده التي طالما شممنا عطرها وأنتهلنا من رحيقها زاداً أعاننا على مواجهة الحياة سيأتي ألينا وسيحضر بيننا رغم بعد المسافات وطول الفراق.. أحسسنا بلحظات عمرنا الجميلة وما أقلها.. عمرنا الذي ضاع سداً إلا من هذه اللحظات الجميلة التي عاصرنا بها هؤلاء الناس وغيرهم من طيب العراق تعود ألينا كشريط سينمائي جميل.
مامن عراقي غير طائفي أو غير مؤدلج بأفكار صدأة إلا وسارع لحضور عروضهم المسرحية والألتقاء بهم ليستعيد معهم ذكريات الشباب والطفولة أو ليشم فيهم رائحة العراق البعيد عن العين والقريب دائماً وأبداً الى الروح والقلب أو ليشاركهم الحديث عن هموم الوطن الجريح.
كانوا لنا في هذه الأيام التي مرت كلحظة شموعاً أنارت لنا عتمة المنفى كما أنارت لنا في الماضي ظلام الديكتاتورية.
ذهبنا اليهم كما جاؤا هم ألينا.. تحدثنا معهم.. قبّلناهم.. تبادلنا معهم الحديث حول ما يجري في العراق.. ساعات وساعات وساعات مرّت كلحظات.. وهاهو يوم الفراق يقترب وانا أكتب هذه الكلمات المتواضعة عن هذه الرموز الفنية الرائعة.. سيغادروننا الى الوطن أو بالأحرى سيعودون الى الوطن وقد نبقى نحن المغادرين.. لانعلم متى ستتلاقى الوجوه مرة أخرى وأين ؟
وصلت رسالة الفن العراقي الراقي والجاد التي جاء هؤلاء المبدعين لأيصالها ألينا والى كل العالم الى عقول وقلوب أغلب العراقيين في برلين لكنها ضلّت الطريق بالنسبة الى قلّة قليلة تأبى حتى هذه اللحظة إلا أن تعيش في قمقم الماضي قرأتها بالمقلوب وفسرتها كما تشاء وفق آيديولوجياتها ورؤاها التي سبق وأن دمرت العراق.
لن نقول لهم وداعاً.. بل الى لقاء جميل في الوطن الجميل.
مصطفى القرة داغي
mftl05@yahoo.com