من يحتاج لحزب سياسي في مصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من يحتاج لحزب سياسي في مصر الإخوان المسلمين أم الأقباط؟
منذ فترة طويلة والحوار يدور في مصر سواء في وسائل الإعلام الرسمية أو صحف الأحزاب، هذا بالإضافة إلي الصحف الخاصة والذي يهيمن عليها الإخوان المسلمين أنفسهم بحق الإخوان المسلمين في تأسيس حزب خاص بهم. والآراء تنوعت ما بين الرفض المطلق اعتماداً على القانون الذي يحرم وجود أحزاب ذات صبغة دينية، بينما يرى البعض انطلاقاً من التجربة التركية أنه من الأفضل أعطاء الفرصة للإخوان المسلمين بتأسيس حزب سياسي لهم.
والمشكلة تكمن في الواقع حول أهداف الإخوان المسلمين أنفسهم من تأسيس حزب أم لا. فالمراقب لتطور حركة الإخوان المسلمين مع الدراية التامة بمبادئهم وأهدافهم النهائية سيرى من الصعوبة أن يقبل الإخوان بتأسيس حزب سياسي بدون مرجعية دينية وخاصة أن دستورهم الذي لا يقبلون بغيره دستور وهو القرآن نفسه، وبالتالي سيكون من الصعب عليهم بعد هذه السنين الطويلة أن يتخلوا عن هذا الهدف الأعظم لهم وهو أعادة الخلافة الإسلامية على مستوى العالم كله وخاصة بعد أن استطاعوا أن يخترقوا المسلمين الذين هاجروا واستقروا في الدول الغربية والأمريكتان وأستراليا وتجنيدهم والاعتماد عليهم في تدعيم وتحقيق أهدافهم التوسعية. ونذكر القراء بأن الإخوان المسلمين أسسوا لهم فروع في كافة الدول العربية والإسلامية. وبهذا أصبحوا منظمة عالمية تغطي العالم أجمع مما جعلهم يتصورون أنهم يملكون من القوة ما يسمح لهم بتحقيق هدفهم وهو نشر الإسلام بكافة الطرق ومن بينها الترهيب والعمليات الإرهابية. من الصعب أن ينكر أحد دور الإخوان المسلمين في تأسيس الجماعات الإرهابية كالجهاد الإسلامي وحماس والقاعدة وتمويلهم بالأموال والسلاح.
أن جماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين لا تسعى وراء السلطة السياسية التي تعتبرها خارجة عن الإسلام وضالة لكي تعترف بهم ككيان سياسي، لأنهم في الأول والأخر هم جماعة دينية بحتة تهدف لفرض الإسلام والشريعة الإسلامية كمنهج للحكم وتحلم بأن تعاود غزو العالم كما حـدث في القرن الأول للإسلام.
وإذا عدنا لمصر، فمن المسلم به تاريخياً الدور الهام والأساسي الذي قام به الإخوان المسلمين عند قيام ثورة العسكر 1952 الذين كانوا أعضاء عاملين وناشطين فيها. فثورة العسكر كانت ثورة الإخوان المسلمين، وما حدث بعد ذلك من خلافات داخلية أدت إلي كل ما نعرفه من صراعات بين أعضاء هذه الجماعة.
لذلك ليس من المستغرب بعد المصالحة التي تمت بينهم وبين السادات وعودتهم لممارسة نشاطهم، سنجد أن الإخوان المسلمين استطاعوا أن يخترقوا ويسيطروا على كل أجهزة الدولة وبالتالي فهم ليسوا في حاجة ماسة أو ضرورية لإقامة حزب سياسي، هذا بالإضافة لسيطرتهم الفعلية على النقابات العمالية والمهنية بمختلف أنواعها. بل أكثر من ذلك فهم يسيطرون على مجالس إدارات المصانع والشركات في كل أنحاء المحروسة.
ولن ينخدع أحد بالتمثيلية التي يقوم بها نظام الحكم في مصر من وقت لآخر بالقبض على كوادر الإخوان ثم إطلاق سراحهم، فهذه تمثيلية منظمة يعرف فيها كل من مبارك والإخوان دوره. فلن يكون الإخوان المسلمين أكثر إسلاما من حسني مبارك الذي أعتنق المذهب الوهابي وهو أكثر الحكام وفاءً لهذا المذهب العنصري، بل هناك تحالف بينهم وخاصة أن الوهابيين احتضنوا الإخوان أثناء أزمتهم مع جمال عبد الناصر. وقد وضح هذا التحالف بين مبارك والإخوان بعد اغتيال السادات والإفراج السريع عن قادة الإخوان وتركه لقداسة البابا شنودة أربعين شهراً رهن الإقامة الجبرية الظالمة. فموقف الإخوان لم يتغير تجاه غير المسلمين وخاصة الأقباط، فلم يتوقفوا عن تصعيد حملتهم ضد الأقباط منذ عهد السادات وحتى الآن. فمبارك لم يختلف كثيراً عن السادات في موقفه من الأقباط، وقد أتضح ذلك من خلال تركه ومباركته في ممارسة الاضطهاد المنظم ضد الأقباط على يد الإخوان المسلمين والجماعات الجهادية بأسمائها المتنوعة دون رادع أو احترام لقانون أو دستور. والأقباط لن ينخدعوا بأن مبارك أكثر تسامحاً مع الأقباط عن من سبقوه في الحكم عندما يصدر قراراً من سنة لأخرى بالتصريح ببناء كنيسة لهم وفي نفس الوقت يترك الإخوان يبسطون أجنحتهم وسلطانهم في جميع أجهزة وإدارات الدولة، مستغلين ذلك الوضع في ممارسة الضغوط المتنوعة بمساعدة الأجهزة الأمنية في سلب ممتلكات الأقباط وتنظيم المذابح لهم وحرق كنائسهم وخطف بناتهم واعتبارهم غنيمة حرب كما لو كانوا في القرن السابع عند الغزو الإسلامي لمصر. لم يخجل الإخوان المسلمين أن يطالبوا الأقباط بترك بلادهم، كما كتب مراراً كثيرة في الصحف الرسمية وغير الرسمية، إن لم يخضعوا للشريعة الإسلامية ولن ينسى الأقباط أن هؤلاء الدمويين يريدون إعادة نظام الذمة والجزية ومعاملة الأقباط كعبيد كما هو مخطط ومدعم من النظام الوهابي السعودي.
فالإخوان المسلمين أصبحوا كالسرطان أو الإيدز المنتشر في العالم والذي يتوالد بطرق متنوعة ودهاء، مستغلين كل مناخ للحرية وخاصة في الغرب ليزرعوا سمومهم وجراثيمهم من أجل هدف واحد وهو السيطرة على السلطة بغض النظر عن الثمن الذي ستدفعه الشعوب في كافة أنحاء الأرض وهذا دليل قاطع عن أنهم أناس مرضى بمرض خبيث صعب علاجه وجميع المضادات الحيوية فشلت حتى الآن في التخلص منه. لأن علاج هذه النوعية من البشر المصابة بالتعصب الأعمى والحقد والكراهية للغير سيكون صعب جداً. فطموحهم لا يتوقف عند حزب سياسي فقط يعملون من خلاله من أجل بناء مصر كما يزعمون، بل هدفهم تطبيق الإسلام على الطريقة الطالبانية والبن لادنية.
كما أشرنا أعلاه فمن يدقق في نشاط الأحزاب الموجودة على الساحة سيرى منذ الوهلة الأولى أن الإخوان المسلمين هم المسيطرون عليها ومن يقرأ الجرائد الإلكترونية والورقية لهذه الأحزاب سيكتشف بسهولة أنها أحزاب إسلامية وليست سياسية بحتة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، حزب الوفد الذي كان يتشدق بمبدأ سعد زغلول وثورة 1919 "الدين لله والوطن للجميع" والذي كان يعتبر الحزب الذي يفضله الأقباط، أصبح إسلامياً يسيطر عليه الإخوان المسلمين ! وهذا واضح كالشمس من الفقرة الخاصة بالشئون الدينية في برنامج مرشحه للانتخابات الرئاسية.فالإخوان المسلمين ليسوا في حاجة لحزب سياسي إسلامـي.
لذلك أصبح من الضروري أن يكون للأقباط حزب سياسي وليس ديني يعبرون من خلاله بحرية، حرية لم يجدوها في الأحزاب الموجودة، عن تطلعاتهم من أجل مستقبل أفضل لمصر وليس من أجل مستقبلهم فقط كمسيحيين أو مستقبل كنيستهم، بل مستقبل المسلمين أيضاً. فالأقباط، عكس ما يظن بهم المسلمين في الأحزاب الأخرى، يفصلون بين انتمائهم لمصر وانتمائهم للكنيسة. لقد وجد الأقباط في الأحزاب الموجودة رقابة ومصادرة للتعبير عن آراءهم وتصورهم في مسيرة الإصلاح سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. فالأقباط لا يرون حلاً لمشاكل مصر إلا بوجود مناخ حر يعمل الجميع من خلاله وأن يكون الانتماء لمصر هو المبدأ والأصل، أما فيما يخص الحياة الدينية فلابد من أن توضع في موضعها الصحيح حتى تعود مصر كما كانت للمصريين جميعاً مسلمين وأقباط، يعمل الكل من أجل رفاهية الكل وإعلاء شأن مصر هو الشاغل الأوحد للجميع. أن تعود لمصر روح الاحترام المتبادل بين كل واحد وعقائد الأخر، رافضين أن يكونوا أوصياء على الله عز وجل أو متصورين أن الله طلب من البشر أن يبيدوا من لا يؤمن به. فالله ليس في حاجة إلي بشر لتحقيق مشيئته، فهو قادر على كل شيء، ويريد أن يأتي الكل إليه بمحض حريته وكامل إرادته بدون إجبار أو إرهاب.
فهل ستأتي اللحظة التي يعي فيها المصريون أنه ليس لهم خيار آخر غير نبذ مبادئ الإخوان المسلمين والمتعصبين، والتمسك بمبادئ المحبة والخير المطلق !
الدكتور وحيد حسب الله