أصداء

نزع سلاح المقاومة الفلسطينية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

نزع سلاح المقاومة الفلسطينية... عن أي سلاح يتحدثون!!


توالت التصريحات والنقاشات في الآونة الأخيرة إبان الانسحاب الإسرائيلي من غزة حول معطى جديد ظهر وهو نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وتعددت التصريحات للقيادات الفلسطينية حول مدى بقاء هذا السلاح وشرعيته في أيدي المقاومة الفلسطينية.
ولم يقف الحد عند هذا، بل تعداه لمطالبة دولية بنزع هذا السلاح من أيدي المقاومة الفلسطينية، و كأن نزع السلاح غدا أكثر أهمية من القضايا الأساسية التي تجري المفاوضات الحالية والقضايا الأساسية ترقد على الرف بعيدا عن النقاش ولا يزال العمل جاري في بناء السور العنصري الذي تشرع إسرائيل في تقسيم فلسطين فيه وخلق محميات للفلسطينيين يعيشون فيها على شاكلة المحميات التي منحتها أمريكا للهنود الحمر.
سلاح المقاومة الذي تحول موضوعاً شائكاً في النقاشات والتصريحات والمفاوضات الجزئية التي تجري مع الفصائل لم يكن واضح المعالم وكأن السلاح الفلسطيني الحالي في الساحة هو سلاح مقاومة فقط.
لا ينظر لموضوع بحدثه الواقع فقط بل بمجموع مشاهداته القائمة على الساحة وعن الأحداث المؤثرة بالحدث نفسه،
فعن أي مقاومة فلسطينية نتحدث ؟؟ وعن أي سلاح مقاومة تحديدا ؟؟
المقاومة الفردية الشعبية أم مقاومة التنظيمات الفلسطينية ؟. سلاح المقاومة الحقيقي أم سلاح فوضى السلاح والاستعراضات العسكرية في الشوارع والتي غدت موضة المرحلة ؟

إذا كان المقصود المقاومة الشعبية وأفراد المقاومة، فكل الشعب الفلسطيني هو المقاومة الفلسطينية ولا تحصر بأفراد فقط وهذا يعني أن على عباس أن ينزع حتى حجارة الشوارع التي هي السلاح الرئيس لأطفال فلسطين الذين لن يقبلوا بأقل من فلسطين كاملة، لا بدويلة محاصرة بسور.

أما إن كان المقصود سلاح التنظيمات فإني أعجب لهذه التنظيمات التي لا يزال هنالك حديث عن سلاحها، وكأن مسألة احتواء أبناء التنظيمات الفلسطينية في قوات الشرطة الفلسطينية مسألة مستحيلة وهي في الواقع من ابسط الأمور بالرغم من تعدد التوجهات لهؤلاء الأفراد، ففي الوقت الحالي لم يعد هنالك فارق حقيقي في البرنامج المرحلي لغالبية التنظيمات الفلسطينية.

حتى الآن كل فصائل منظمة التحرير باستثناء فصيل ( فتح الانتفاضة وهو الذي أنشق عن حركة فتح وتتخذ قيادته من سوريا مركزا لها ) هي ضمن مشروع الحل السلمي الحالي القاضي بإقامة دولة فلسطينية على اقل من 27% من الضفة الغربية وغزة، مما يعني أن البرنامج المرحلي لكل فصائل منظمة التحرير قد غدا مشروعاً واحداً وأن السلطة الفلسطينية لم تعد سلطة حركة فتح كما كانت سابقا بل يصح تسميتها اليوم بحكومة التنظيمات الفلسطينية.
كلٌ من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية القيادة العامة والجبهة الديمقراطية وفدا و حزب الشعب الفلسطيني وحركة فتح الرائدة بالمشاريع السلمية موافقة على منهج واحد وهذا ما أعلنته بعد الخروج من اتفاق القاهرة مؤخرا الذي تم برعاية المخابرات المصرية، وقد تجلى ذلك في إعلان هذه الفصائل موافقتها على الخوض في الانتخابات التشريعية والتي هي اكبر إفراز لأوسلو على الساحة الفلسطينية.
بمعنى أن كل الفصائل في اجتماعها مع مدير المخابرات المصرية قد ألقت السلاح ضمناً أو لنقل خفضت سلاحها ووافقت عل وقف إطلاق النار وإعلان التهدئة.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : لماذا تُطالب الفصائل الفلسطينية بإلقاء السلاح ويتم تحديد السلاح المطلوب إلقائه وهو سلاح المقاومة ؟ وما هو مبرر وجود مقاومة أصلاً؟
إن وجود المقاومة يعني أن هنالك دخيل محتل، وإلقاء المقاومة للسلاح يعني تحولها من فصائل مسلحة إلى مجرد أحزاب سياسية فقط وهذا يكون بالغالب حين يتم انتهاء الحالة التي قامت لأجلها المقاومة وهي جلاء الاحتلال فهل تم جلاء الاحتلال عن فلسطين ليتم إلقاء السلاح ؟
يبقى خارجة حلقة منظمة التحرير من التنظيمات الفلسطينية حركتي حماس والجهاد الإسلامي، فأما حركة الجهاد الإسلامي فهي حركة ذات تاريخ نضالي عريق خاضت معارك داخلية وخارجية ومنها تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين فلم تزل على موقفها الثابت برفض الدخول لأي من إفرازات أوسلو، وماضية بمشروعها النضالي.
أما حماس والتي أصدرت في العام 1995 فتوى بتحريم المشاركة أو الانتخاب أو الترشيح لانتخابات المجلس التشريعي فقد عادت عن فتواها وقررت الدخول ضمن مشروع الحل السلمي بشروط حققت لها بعض المنجزات على الصعيد السياسي.
من هنا لا بد لنا أن نتساءل مرة أخرى حول طبيعة السلاح الذي يملأ الشارع الفلسطيني، عن أي سلاح مقاومة نتحدث وعلى ماذا نراهن واكثر من 90% من الفصائل أدخلت مرحلة الكفاح المسلح مرحلة الموت السريري مع الحركة النضالية باعتبارها آمنت بالكفاح المشلح بديلاً عن الكفاح المسلح وغدا السلاح الفلسطيني الحالي هو مجرد حالة فوضى للغالبية العظمى، يستخدم فقط في النزاعات الداخلية و المشاجرات العائلية فقط والاستعراضات البهلوانية في شوارع المدن الفلسطينية.

حركة الجهاد الإسلامي ستتعرض قريبا لموجة ضغوط داخلية وخارجية من قبل إسرائيل وأمريكا والسلطة الفلسطينية للوقوف أمام خيارين لا ثالث لهما : إما الاندماج داخل تشكيلة السلطة ويكون بذلك لحق الثور بالحظيرة، أو أن تتخلى من فكرة استكمال الكفاح المسلح وتعتزل ذاتها وبذلك تكون قد دخلت حالة الذوبان السياسي عن الوجود لغياب الفكرة الفاعلة.
السلاح الفلسطيني الذي صار يطلق للخلف في الوقت الحالي لم يعد سلاح مقاومة حقيقي، ومن يحمل السلاح اليوم في الغالب منه غير مؤهل أصلا ليكون عضو فاعل بالمجتمع يؤدي دور حقيقي فكيف يراهن عليه وعلى سلاحه بتقديم دور ريادي في النضال المسلح.
ليس هذا هجوماً على المقاومة وسلاحها الذي وسع مقعد محمود عباس في طاولة المفاوضات، بقدر ما دعوة لفصائل المنظمة وبقية الفصائل الأخرى لإعادة النظر في قراراتها، والابتعاد عن فلسفة المنطق الثابت بأن أوسلو قد انتهى وأننا الآن أمام استحقاقات جديدة يجب التعاطي معها، ولا نجد من المرحلة الجديدة التي يتحدثون عنها سوى مؤسسات أوسلو فقط من المجلس التشريعي ومجلس الوزراء وغيره.

المعطيات الجديدة لا تكون بإعادة مجرى المفاوضات الفلسطينية مع العدو الصهيوني لنقطة الصفر من حيث بدأ سابقاً عرفات، بل يكون بالتعاطي الحقيقي مع إعادة بناء المجتمع الفلسطيني على أساس إعادة تفعيل مؤسسات المجتمع المدني فيه التي ستكون قادرة على تسوية أوضاعه وإبراز الدور الحقيقي لمشروع قادر على إجهاض كل مشاريع التسوية السلمية وخلق مجتمع فلسطيني واعي اكثر قدرة على التعاطي مع قضاياه في ظل التخاذل العربي الظاهر والتخلي الحقيقي عن القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية والشعوب العربية وإعادة الالتفاف حول القضايا المفصلية بشكل اكثر جدية بعيدا عن فلسفة الأمور وتسييسها، وإعادة النظر في فوضى السلاح في الضفة الغربية وغزة بشكل أكثر جدية كي يبقى سلاح المقاومة سلاح حقيقي ونظيف ويبقى محصورا في الأيدي المؤهلة لحمله في المرحلة الراهنة.


مهند صلاحات
كاتب فلسطيني / مقيم في الأردن
salahatm@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف