العراق بين عروبتين
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أصبحت قضية انتماء الجمهورية العراقية للعالم العربي هي شغل الأمانة العامة للجامعة العربية برئاسة معالي الأستاذ عمرو موسى في الوقت الراهن، الذي ما فتئ يندد بالصيغة الدستورية المحددة لهوية العراق القاضية باعتبارها (جزءا من الأمة العربية)، طالبا أن تكون الصيغة واضحة ومحددة في كون الهوية الرئيسية للعراق هي العربية، وهو ما يرفضه أو يتحفظ عليه الأكراد بشكل عام.
لقد أضحت إشكالية تحديد الهوية القومية لمختلف المناطق الإقليمية ضمن إطار عالمنا الإسلامي وبخاصة منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين المنصرم، مشكلة المشاكل لكثير من مثقفي ومفكري أمتنا العربية على وجه الخصوص، ذلك أنه وحتى هذه المرحلة لم تكن ملامح الهوية القومية قد تبلورت في أذهان العديد منهم، لكن ونتيجة للممارسات التعسفية التي طبقها العثمانيون إزاء مختلف القوميات العرقية من جهة، وتأثر بعض مفكري عصر النهضة العربية بالرؤى السياسية الغربية، التي شكلت ملامح ارتكاز الخطاب القومي من جهة أخرى، فقد أخذت مسائل تحديد الهوية وشكلها في التسلل إلى أفاق الخطاب السياسي العربي ضمن إطاراتها المتعدد، الآخذة مساري الخطاب القومي العربي - العربي من جهة، والعربي - الإسلامي من جهة أخرى، إضافة إلى الخطاب الإسلامي- الإسلامي المتمثل في تيار الجامعة الإسلامية، وكذلك الرابطة العثمانية، وغيرها.
وإزاء ذلك فقد عبر مفكرو عصر النهضة عن توجهاتهم السياسية من مقتضيين رئيسيين أخذ الأول : الطابع العلماني بشقيه التغريبي الكلي، والعلماني التجديدي المحافظ قدر الإمكان على جذور الهوية العربية، وملامح الحضارة الإسلامية، في حين أخذ الآخر طابعه الديني بشقيه التراثي (السلفي)، والتراثي (التجديدي). ومما لاشك فيه فقد كان لعوامل النهضة الغربية الفكرية دورا في تفعيل جوانب النهضة العربية، حيث تسلل مع الحملة الفرنسية سنة 1897م إلى مصر والشام، ثم مع الإرساليات التنصيرية (التبشيرية) وبخاصة في بلاد الشام، الكثير من المفاهيم الغربية كالقومية الإقليمية، والوطنية القطرية، عوضا عن العديد من المفاهيم السياسية القاضية بحتمية تداول السلطة، وتطبيق الديمقراطية.. إلخ. وقد حظيت مختلف تلك الأفكار بالقبول الحسن، ولاقت رواجا كبيرا لدى عدد من المثقفين العرب، على الصعيدين الإسلامي والمسيحي، الذين عملوا على طرح رؤاهم السياسية والاجتماعية بعد ذلك بشكل يتوافق ضمنا من جانب، أو كليا من جانب آخر، مع تلك الأطروحات الفكرية الغربية. ونتيجة لذلك فقد تبلورت عدد من التيارات السياسية والاجتماعية التي مثلت بآرائها المرجعية الفكرية لذهنية وشكل الخطاب العربي في القرن العشرين على وجه الخصوص، ومن أبرز تلك التيارات :
تيار الجامعة الإسلامية، الذي تزعمه جمال الدين الأفغاني، ومن بعده الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا وغيرهم، والداعين إلى ضرورة وحدة المسلمين وحدةً (كونفدرالية) تحت لواء واحد، وهدف واحد.
تيار الرابطة العثمانية، الذي ظهر جليا في مصر بعد احتلال بريطانيا لها سنة 1882م، وتزعمه مصطفى كامل ومن ورائه الحزب الوطني الذي أسسه.
تيار الوطنية الإقليمية، وقد ظهرت بوادره مع كتابات رفاعة باشا الطهطاوي في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، غير أنها لم تتشكل كتيار حزبي إلا في نهاية القرن المذكور، وقد انقسم أصحاب هذا التيار إلى قسمين : الأول، لم ير اختلافا أو تناقضا بين الرابطة الوطنية والهوية الدينية، وهو ما تمثل في موقف مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطني ومن سار على نهجه في القول بالرابطة العثمانية ؛ والثاني، وجد في الهوية الدينية تناقضا مع الرابطة الوطنية، حيث تبرز من وجهة نظرهم ملامح التفرقة بين أبناء الجنس الواحد، والوطن الواحد، فكانت دعوتهم لتحييد الهوية الدينية جانبا، وممن أعلن هذا التوجه في مصر على سبيل المثال عبد الله النديم، وأحمد لطفي السيد، ومن ثم سلامة موسى، وطه حسين وغيرهم.
تيار القومية العربية، وقد وضح هذا التيار في مختلف الدعوات الفكرية المنطلقة من بلاد الشام، كما يمكن القول بانقسام هذا التيار إلى قسمين : أخذ أولاهما : الطابع الديني الإسلامي باعتبار أن العروبة ثقافة ودين كما وضح في طرح الشيخ عبد الرحمن الكواكبي الفكري، الذي تبنى مشروع القومية الفكرية باعتبار أن العروبة لسان ولغة، وليس عرق وانتماء عشائري، في حين اعتبر الفريق الثاني المنحى العرقي أساسا لمفهوم القومية، وقد وضحت أفكارهم في مختلف الأطروحات التي تبناها بالدرجة الرئيسة العرب المسيحيون من أمثال بطرس البستاني، وجورج أنطنيوس، وغيرهم.
وعلى الرغم من أن التوجه الأخير هو الذي سيطر على ملامح الخطاب القومي العربي بعدئذ، من واقع تبني منظري حركة القوميين العرب بعد ذلك لأطره ومرتكزاته،وهو أيضا ما انطلقت منه قوانين بروتوكولات الإسكندرية التي مثلت الأساس الجوهري لقيام منظمة الجامعة العربية. على الرغم من ذلك، إلا أننا في الوقت الراهن في أمس الحاجة لتبني منطلقات الشيخ العروبي عبد الرحمن الكواكبي، الذي واءم بين الجغرافيا والتكوين الثقافي والقومية العرقية، وعمل على دمج ملامحهم العامة ضمن كينونة واحدة، ودون أن يقصي أحدهم الآخر، حيث تصبح الثقافة واللغة باعتبار قيمتها الوجدانية العالية، ومكانتها الحضارية الراقية، هي الرابط القومي بين مختلف التكتلات البشرية، وداخل نطاق أي بقعة جغرافية، وهو فعلا ما تم تنفيذه، وبدون إعلان، وبخاصة في مناطق الانصهار الاجتماعي المتعدد الأعراق كمنطقة الهلال الخصيب، ووادي النيل.
ومن هذا المنطلق يمكن أن نتعامل مع تحديد هوية الجمهورية العراقية، التي وعلى الرغم من تعدد الكتل العرقية فيها من عرب وأكراد وتركمان وآشوريين وغيرهم، إلا أن الثقافة السائدة للجميع، واللغة الرسمية المتداولة بين الجميع، هي الثقافة العربية بنثرها وشعرها، واللغة العربية برفعها وجرها، وهو ما يؤكد على عروبة العراق الثقافي، الذي في تصوري وتصور الكثيرين من التنويريين العرب هو أهم من عروبته العرقية وحسب.
والسؤال : متى يتسنى لجامعتنا العربية التحرر من قيود مرتكزاتها القانونية العتيقة ؟
سؤال أطرحه بعين البحث والرجاء لمعالي أمين عام الجامعة العربية، ولكل عروبي غيور على وحدة أمتنا، وتطورها الخالد.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف