إخفاق مجلس الأمن في التصدي للتحريض على الإرهاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
في مقال سابق بعنوان "محكمة دولية لفتاوى التحريض على القتل" حللنا ظاهرة ازدهار الإرهاب في مسقط رأسه -العالمين العربي و الإسلامي- كما في الديمقراطيات الغربية. و شرحنا كيف تستغل قوى السلفية الإرهابية احسن استغلال ظروف الحرية و حقوق الإنسان و احترام الآخر و دولة القانون في هذه الدول لتوجه لها الضربة الإرهابية القاضية متى سنحت لها الفرصة ذلك. و هذا ما حصل فعلا لمغفلي الولايات المتحدة الأمريكية في 9-11 و لمغفلي إسبانيا بتاريخ 4-11 و لمغفلي بريطانيا يوم 7-7.
ثم نبهنا بان "التصدي الجاد لظاهرة دولية تهدد المجتمع البشري بأكمله تتطلب ردا دوليا حاسما إذا ما أريد أن يكتب لها النجاح.
و أكدنا على أهمية المساعي التي تقوم بها الأوساط الديبلوماسية البريطانية بهدف تنظيم لقاء للأعضاء الــ15 لمجلس الأمن لبحث الوسائل الأزمة لتجريم التحريض على الإرهاب. و على هذا الأساس وجهنا: "إذا كان المجتمع الدولي جادا هذه المرة في مسعاه لتجريم التحريض، فمرجعيته الأساسية يجب أن تكون نداء الليبراليين العرب لمحاكمة فقهاء الإرهاب الذي تم إرساله إلى السيد كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة، و الذي يدعو إلى إنشاء محكمة دولية لمحاكمة المسؤولين عن إصدار فتاوى تحرض على القتل". و كان دليلنا على ضرورة اتخاذ هذا المنحى: "اعتماد المجتمع الدولي لنداء الليبراليين العرب بإنشاء محكمة دولية لمحاكمة فقهاء الإرهاب له عديد المزايا على أية مبادرة بريطانية-أمريكية يتم طبخها في أروقة الأمم المتحدة-مهما علا شانها-، من أهمها: (1) مصداقية كبرى داخل العالمين العربي و الإسلامي -الحاضنة الأساسية للإرهاب الذي يعيشه عالم اليوم - و (2) تركيز النداء العربي على أحد أهم مصادر الدعوة للإجرام الإرهابي باسم الجهاد -أي مؤسسة الإفتاء- سيزيد من فرص تجفيف منابع هذه النبتة الخبيثة، مما سيؤدي حتما إلى انتهائها مع مرور الزمن، تماما كما حصل مع سابقاتها النازية و الفاشية خلال القرن الماضي، و تماما كما حصل مع عصابات الخوارج الإرهابية في الفترات السابقة من التاريخ الإسلامي."
بمناسبة انعقاد الجلسة السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، تابعنا الحدث على قناة ال"سي ان ان" علنا نجد ما يشفي غليلنا، خصوصا بعد أن أعلن مقدم البرامج عن مشروع قانون بريطاني ضد التحريض على الإرهاب، لكن يا لخيبة المسعى. فبعد إعادة مملة للوعد البوشي-البليري المعهود "سننتصر" جاء تبني القرار من طرف مجلس الأمن بلغة خشبية فضفاضة لن تؤدي حسب اعتقادنا إلى أي تقدم يذكر على صعيد المجابهة الحالية بين مجموع الجنس البشري من جهة و إرهاب السلفية من جهة أخرى، تماما كما كان عليه الحال مع النازية و الفاشية خلال القرن الماضي. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصاب عندما شبه الإرهاب السلفي اليوم بــ"الخليفة الإيديولوجية للنازية."
يدعو القرار الجديد لمجلس الأمن إلى "مطالبة الدول باتخاذ التدابير التشريعية و القانونية لحظر التحريض بجميع أشكاله." و سؤالنا من الذي سيحدد إذا ما كان عمل ما يشكل أم لا شكلا من أشكال التحريض. عندما يفتي شيخ أزهري مثل الشيخ الشعراوي،
على سبـيل المثال، بضرورة منع الأقباط المصريين من الخدمة العسكرية و فرض جزية عليهم، فهل هذا تحريض أم لا؟ هل الحكومة المصرية مطالبة بتقديم الشيخ الذي أطلق الفتوى إلى المحاكمة أم لا؟ و عندما تقوم ظلامية عربية بالتقديم و التهليل لتسجيل ما لايمن الظواهري أو الزرقاوي يحرض على القتل و الإجرام تحت غطاء التصدي لليهود و النصارى، فهل ستكون الحكومة التي تؤوي هذه القناة مطالبة باتخاذ الإجراءات اللازمة ضدها أم لا؟
و هل يعني "تحريم الملاذ الأمن للمتهمين بالتحريض" حسب نص القرار محاكمة رئيس بلدية لندن السيد "كين ليفنغستون" على استضافته للشيخ يوسف القرظاوي وهو الذي أفتى و على الملا من مقر اتحاد الصحفيين المصريين بتحليل قتل المدنيين الأمريكيين في العراق؟ و هل يعني أولا و قبل كل شيء، اتخاذ حكومة السيد بلير الإجراءات القانونية ضد موقع النهضة بلندن الذي سبق له و أن اصدر إعلانا كاذبا بتاريخ 6 مايو 2005 يتهم فيه المفكر الحر العفيف الأخضر بالردة بالتواطؤ مع صحيفة الوفاق الأصولية السودانية و التي أدت إلى مظاهرات صاخبة في الخرطوم منادية "الحد الحد على المرتد" مما يمثل فتوى تحريض واضحة للمسؤول عن الموقع -راشد الغنوشي- على القتل والإرهاب."
و هل يعني "تامين الحدود الدولية " غلق حدود المملكة المتحدة أمام أعضاء "مجلس مسلمي بريطانيا" و المتابعة القانونية لمسئوليه، بعد أن ثبتت علاقته مع عديد التنظيمات الجهادية، و هو الذي يمجد مسئولوه يوميا و على فضائية "البي-بي-سي" العمليات الانتحارية الفلسطينية ضد المدنيين الإسرائيليين" في الوقت الذي تعتبر فيه منظمة العفو الدولية -اعرق و اكبر منظمات حقوق الإنسان_ هذه العمليات "جرائم ضد الإنسانية."
المخزي في الأمر أن القرار ولد فاقدا للمصداقية حيث كان على السيد بلير أن يبدء العمل بكنس الفناء الخلفي لمنزله قبل أن يطالب الاخرين باتخاذ إجراءات فشل مغفلو عاصمة الضباب اللندنية في اتخاذها و على مر السنين، مما تسبب لهم في نكبتهم يوم 7/7. السيد توني بلير مطالب اليوم بالاعتراف بعدم ملاءمة قرار مجلس الأمن الأخير للخطر الحقيقي الذي تمثله فتاوى التحريض على الإرهاب و سحبه من أروقة مجلس الأمن، و العودة بعد ذلك إلى البيان العربي انف الذكر لإنشاء محكمة دولية لمحاكمة فتاوى التحريض على القتل. أي فشل على هذا المستوى سيقدم دعما معنويا للإرهاب الذي نرجح أن يزيد على اثر المهزلة الأممية الأخيرة. وفي تقديرنا أن المجتمع الإنساني غني في الظروف الراهنة عن تقديم مثل هذا الدعم للقوى الإجرامية التي أرهبته و لسنوات طويلة.
(*) منسق اللجنة الدولية للدفاع عن العفيف الأخضر، و رئيس سابق لفرع منظمة العفو الدولية بتونس (بريد إلكتروني: (LLIDC@hotmail.com