أصداء

قنبلة خدام وشظاياها

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

قنبلة خدام وشظاياها... الدوافع والرسائل!1

مسكين المواطن العربى دائما كالزوج المخدوع.. آخر من يعلم!!!

القنبلة المدوية شديدة الإنفجار التى فجرها السيد عبد الحليم خدام نائب الرئيس السورى السابق بحديثه الخاص الذى أدلى به لقناة العربية التليفزيونية الفضائية لم تصب فقط النظام السورى برئيسه ورموزه، بل أصابت أيضا المواطن العربى فى كل مكان بصدمة شديدة وجديدة من مشاعر الإحباط والإنتكاسات، وكأن هذا المواطن فى حاجة إلى مزيد من الصدمات فى مسلسل الرعب والإحباط والتخبط وحلقاته المتتابعة من سقوط بغداد، وليلة القبض على فاطمة.. آسف أقصد ليلة القبض على صدام، وإنبطاح العقيد الليبى القذافى وتغيير بوصلة مواقفه السياسية 180 درجة، وتسميم عرفات وغيابه المفاجىء من على المسرح الفلسطينى، وإغتيال رفيق الحريرى فى وضح النهار!

ومسلسل الصدمات هذا جرى ويجرى بالتوازى مع مسلسل آخر هو مسلسل العنف الدموى الرهيب فى العراق وفلسطين.!!
الطامة الكبرى فى أحداث ومشاهد المسلسلين أن المواطن العربى لم يكن أبدا فاعلا مرفوع الرأس والكرامة والنخوة، بل هو " مفعول به "...، دائما منصوب، ومنصوب عليه!!!

لقد تناثرت شظايا القنبلة " الخدامية " فى عدة عواصم فعالة ومؤثرة.. فى القاهرة والرياض، وبيروت وتل أبيب، وباريس وواشنطون.

هذا الحديث القنبلة الذى أذاعته قناة " العربية " فى الثلاثين من ديسمبر الماضى لا يقدم أجوبة بقدر ما يثير الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام والتعجب، ولذا فإنه يتطلب قراءة جديدة ومتأنية.. قراءة تغوص تحت سطح الأحداث المتلاحقة والمعقدة.

التحليل التالى هو محاولة جادة وموضوعية لوضع النقاط على الحروف، وبعيدا عن نظرية المؤامرة والتفسير التآمرى للأحداث،.. قراءة تربط احداث قد تبدو فى ظاهرها متباعدة ومنفصلة بينما هى فى صميم الموضوع... محاولة لاستكشاف الأسباب والدوافع والأهداف الحقيقية الكامنة وراء إقدام عبد الحليم خدام على تفجير قنبلته " العنقودية " شديدة الإنفجار فى هذا التوقيت الحرج بالذات!.... قراءة تسلط الضوء ليس على ما قاله خدام وإنما على ما لم يقله فى حديثه للعربية من العاصمة الفرنسية.
اعادة القراءة المتأنية لهذا الحديث تصبح بالتالى امرا لا مفر منه، وحتى لا نقع - كعادتنا - فى العالم العربى والصحافة العربية فريسة لعملية تمويه وخداع مخابراتى Disinformation نكون نحن اخر من يعلم حقيقتها وأول ضحاياها.!!

ولكى نفهم ما حدث ولماذا؟ يجب فى البداية التوقف عند حقائق وملاحظات ست أراها جديرة بالتأمل والتحليل:

أولا: لقد أدلى السيد عبد الحليم خدام بحديثه لتليفزيون العربية وهو مقيم فى العاصمة الفرنسية باريس، ويتمتع بحماية السلطات الفرنسية وأجهزتها الأمنية والمخابراتية،... أدلى به فى باريس درة أوروبا وعاصمة النور، وليس فى أية عاصمة من العواصم العربية، ولم يكن ذلك من قبيل الصدف، وإن كان من المفارقات وسخرية الأقدار!!.. إنها مفارقة لها مغزاها ودلالتها تكشف طبيعة الأوضاع والأمور فى النظام العربى المهترىء ككل، ولا يستعصى إدراكها على القارىء العربى اللماح.

ثانيا: لقد إختار السيد عبد الحليم خدام قناة " العربية " التليفزيونية التى تبث إرسالها من دبى، ولم يختر مثلا قناة "الجزيرة" القطرية الواسعة الإنتشار أو قناة المستقبل اللبنانية والمملوكة لعائلة الحريرى، ولا نعتقد أيضا أن هذا الإختيار كان وليد الصدفة.

ثالثا: إن القصر الذى يقيم فيه السيد عبد الحليم خدام فى باريس هو أحد القصور المملوكة لعائلة الحريرى اللبنانية ولعل أهم وأخطر ما كشفه نائب الرئيس السورى السابق فى حديثه يتعلق بتورط النظام السورى فى جريمة إغتيال رفيق الحريرى رئيس وزراء لبنان السابق، وهنا يبرز سؤال منطقى يطرح نفسه بقوة: هل عبد الحليم خدام يقيم فى هذا القصر كـ " ضيف شرف " كما كان يفعل فى حياة الملياردير اللبنانى ـ السعودى الراحل أم أن القصر هو " مقدم أتعاب " فى صفقة كبيرة غامضة لم نشهد منها غير الفصل الأول فقط؟!!!

رابعا: إن أى مراقب أو محلل سياسى أو خبير إعلامى يدرك تماما أن قرار بث حديث خطير كهذا فى قناة تليفزيونية عربية، حتى ولو كان سبقا صحفيا وإعلاميا عالميا، وهو بالفعل كذلك بكل المقاييس هو قرار يتعدى إختصاصات ومسئوليات المحطة، بل ويتعدى حتى سلطات من يملكها، إذ أنه لابد من الحصول مسبقا على ضوء أخضر من جهات سيادية عليا وأجهزة أمنية نافذة هى التى تقرر ما الذى يذاع ويعرض، وما الذى يحذف ويقطع، وبطبيعة الحال فإن المشاهد العربى لا علم له بمقدار ما تم حذفه أو كم ما اقتطعه مقص الرقيب.؟!!

خامسا: لقد أذاعت العربية حديث عبد الحليم خدام فى 30 ديسمبر الماضى، والمعروف أنه كان قد إستقال ( أو أقيل ) من منصبة كنائب للرئيس السورى فى 6 يونية 2005، ثم غادر دمشق إلى باريس للإقامة هناك فترة ليعكف على كتابة مذكراته، وقيل أن مغادرته قد تمت بمباركة الرئيس السورى بشار الأسد، وهذا يعنى، وبعد الحديث القنبلة، أن خدام كان يعتزم أمرا ما وربما قبل استقالته بفترة زمنية لا يستطيع تحديدها إلا هو نفسه، وأن ستة أشهر على الإقل قد مرت بين الإستقالة وتاريخ إذاعة الحديث - الفيلم التليفزيونى الغير مكتمل الأجزاء بعد، وخلال تلك الستة أشهر جرت أشياء كثيرة لم يتعرض لها السيد عبد الحليم خدام فى حديثه التليفزيونى للعربية، لعل أهمها أنه لابد وأن يكون قد أبرم صفقة لم تعرف تفاصيلها الكاملة بعد بينه وبين الحكومة الفرنسية يحظى بمقتضاها السيد خدام بحق اللجوء السياسى إلى فرنسا وليس بالضرورة أن يعلن خبر كهذا فى حينه، لكى يتمتع بالحماية الضرورية لتأمين حياته وحياة أفراد عائلته، والتى تم تأمين خروجها مع أموالهم وممتللكاتهم من الأراضى السورية، ومثل هذه الحماية التى ستوفرها الحكومة الفرنسية لشخصية سياسية كبيرة بحجم عبد الحليم خدام لن توفرها له باريس من أجل " كرمال عيونه " بلغة ولهجة إخوانا الشوام، وإنما لابد من مقابل وثمن ورسوم باهظة التكاليف، يتعين على السيد عبد الحليم خدام أن يدفعها بالكامل دفعة واحدة، ولا يدفعها من جيبه أو من حسابات سرية له فى بنوك سويسرية أو فرنسية أو أمريكية، وإنما يدفعها من " ذاكرته " وخزانة أسراره العميقة، وهى ذاكرة طويلة وبعيدة نظرا للمناصب الرفيعة العديدة التى شغلها بالقرب من قمة النظام الحاكم فى سورية لمدة تقترب من 35 عاما، ولذا فإن التحليل السياسى الدقيق لابد أن يفترض ضرورة تعرض السيد عبد الحليم خدام لما يعرف فى عالم المخابرات الخفى بعملية Debriefing أو استجواب مرهق يستمر عدة أيام أو أسابيع تقوم به أحهزة مخابرات محترفة، ويتعين على كل من يخضع له أن يجيب على جميع الأسئلة فلا مجال لأسئلة إختيارية، كلها إجبارية فأين المفر؟!! فما بالك إذا كان " الصيد الثمين " قد دخل القفص بمحض إختياره وكامل إرادته.!!

وكان أول من أدرك هذه الحقيقة هو النظام السورى نفسه وأجهزة مخابراته النافذة، والتى لاشك جن جنونها مع النظام، ولذا جاء رد الفعل سريعا وفوريا، فى بلد غالبا ما يسير كل شىء فيه ببطء شديد، فاجتمع مجلس الشعب السورى فى صباح أول يناير ـ أول يوم فى العام الجديد، فى جلسة طارئة مع قيادات حزب البعث الحاكم ليصدر قرارا يتهم فيه نائب الرئيس السورى السابق بالخيانة العظمى والعمالة، وليرد لخدام " تهنئته وهديته " بمناسبة العام الجديد بأحسن أو أسوأ منها.

إن عملية " الإستجواب المخابراتى " مع شخصية عربية كبيرة بحجم خدام تمثل وحدها كارثة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان!!
إنها حقا كارثة ومأساة تذهب بالعقول وتدمى القلوب أن يعرف " الأجنبى " قبل المواطن السورى والمواطن العربى أخص خصائص الشأن السورى والشأن العربى، بينما تظل عقول الناس فى عالمنا العربى حبيسة قماقم من الظلام لا ينفذ إليها النور إلا بفضيحة مدوية.!!

سادسا: إن هذه ليست المرة الأولى التى تتعرض فيها سورية والنظام السورى الى فضيحة وكارثة تتعلق بمنصب " نائب الرئيس السورى" فقد حلت بالنظام السورى منذ حوالى 40 عاما فضيحة مدوية، عندما اكتشف النظام، وبالصدفة البحتة أن نائب الرئيس السورى كمال أمين ثابت هو بعينه " إيلى كوهين " أخطر جاسوس فى اسرائيل زرعه جهاز المخابرات الإسرائيلى " الموساد " فى سورية فى عام 1962حتى وصل إلى منصب نائب الرئيس السورى أمين الحافظ،.!!!
وإيلى كوهين هو فى الأصل مصرى ـ يهودى، ولد فى مدينة الإسكندرية فى عام 1924 بإسم " إلياهو شاؤل كوهين "، ثم هاجر إلى إسرائيل فى عام 1957 بعد عام واحد من العدوان الثلاثى على مصر، وهناك جنده الموساد الإسرائيلى لمواهبه الخاصة التى كان يتمتع بها، ودربه تدريبا جيدا، وعندما أوشكوا على إرساله الى سورية قامت الوحدة الثنائية بين مصر وسوريا، فتراجع الموساد عن إرساله الى دمشق مخافة أن يكتشف المصريون أمره وهويته الحقيقية، فعينوه فى قسم الإستماع بالموساد لمتابعة كل ما يذيعه راديو دمشق وحتى يتعود أكثر على اللهجة السورية وانتظروا حتى حدث الإنفصال بين سوريا ومصر فى عام 1961 ووضعوا خطة كبيرة لتقديمه أولا كمهاجر سورى ثرى لأوساط الجالية السورية الكبيرة فى الأرجنتين قبل زرعه فى سورية كجاسوس حتى وصل الى منصب نائب الرئيس، وعندما اكتشف أمره قبض عليه وقدم للمحاكمة وأعدم شنقا فى ميدان عام فى يوم 18 مايو عام 1965 بعد أن رفضت سورية كل الضغوط والنداءات الدولية التى حشدتها إسرائيل بهدف الإفراج عنه أو تخفيف حكم الإعدام...، ولعل أخطر الأسرار التى سربها إيلى كوهين إلى إسرائيل هو قيامه بتهريب خرائط التحصينات العسكرية لمرتفعات الجولان السورية، والتى مكنت اسرائيل بسهولة من احتلالها فى حرب يونية عام 1967، وهى نفس المرتفعات التى لازالت سورية تحاول استردادها حتى اليوم.!! ولازالت نادية أرملة ابلى كوهين، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تحاول استرداد رفات الجاسوس الإسرائيلى دون جدوى.

تلك كانت فضيحة الأمس منذ 40 عاما، وبطلها نائب رئيس سورى جاسوس وعميل يهودى من أصل مصرى، وأما بطل فضيحة اليوم فهو أيضا نائب رئيس سورى لمدة 21 عاما، لكنه سورى ولد فى مدينة بانياس فى شمال غرب سورية فى عام 1932، وهو مسلم سنى، ولا ينتمى للطائفة العلوية التى تحكم سورية منذ عام 1970.
فلماذا فعل عبد الحليم خدام مافعل؟!
ما هى دوافعه وأسبابه؟
هل هى تصفية حسابات قديمة بينه وبين النظام الحالى فى سورية؟
أم أنه أراد أن يتغدى بالنظام السورى الحاكم قبل أن يتعشى به النظام؟!
هل هو طموح الرجل الذى مل لعب دور " الرجل الثانى "، ويريد أن يصبح " الرجل الأول " ضمن مخطط كبير تشترك فيه قوى دولية كبيرة ونافذة؟
الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها هى موضوع الحلقة القادمة بإذن الله.

مسعد حجازى

كاتب وصحفى مصرى ـ كندى
Mossad_Hegazy@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف