أصداء

يطالب بهوية لينعم بالحرية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تدعي الكثير من الدراسات بأن التجنيس في حد ذاته يؤثر على التركيبة الديموغرافية السكانية وبالتالي تتأثر وتؤثر في طبيعة المجتمع رغم التجاهل التام للعوامل الأخرى وتقوم الدول بناء على تلك الدراسات بإصدار قوانين تتشدد في منح صفة المواطنة ولم تقوم هذه الدول بتكليف جهة مستقلة تقوم بدراسة سلبيات تشددها هذا وإذ ننحي باللائمة على من يتشدد في ذلك حيث لامعنى لمن يقيم في دولة ما لعقود من الزمن دون أن يتمكن من الحصول على حق المواطنة أو حقوقه المشروعة من علاج وسكن وتعليم وأمن وغيرها.

ورغم أن الكثيرين من المطالبين بهوية مواطنة يشعرون بالإنتماء والحب والولاء والوطنية ويرغبون في التخلص من العبودية إلا أن عدم التطبيق السليم لأحكام الشريعة الإسلامية التي ساوت بين البشر ولم تفرق يوماً بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى هي التي حرمتهم منها وإستعبدتهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.

والمشكلة التي يواجهها المطالبين بهوية مواطنة في بعض الدول ليس في رغبته الحصول على دفتر إثبات هوية بقدر رغبته في العدل والمساواة في التعامل وعدم التعدي على حقوقه الإنسانية كما يطالب بأن يستفيد من الخدمات المختلفة التي ينبغي على أي دولة أن تقدمها للسكان بكل عدالة ومساواة ودون تمييز أو إستثناء سواء كان مواطن أو مقيم لأنهم جميعاً يؤدوا ماعليهم من واجبات تجاه تلك الدولة حتى لاتكون التفرقة في المعاملة على أساس عرقي أو ديني في المجتمع والتي يرفضها الإسلام.

تذكرت كل هذا عند رؤيتي لمشاهد الحجيج في المشاعر المقدسة وكلهم سواسية كأسنان المشط، فالحياة في طبيعتها عبادة وعمل وهنا نود أن نتساءل هل التقييم اللإلهي لهؤلاء البشر من قبل خالقهم بناء على هوية معينة أم بناء على رحمته التي وسعت كل شيء ومقدار العبادة والعمل الخالص لوجهه الكريم؟ ومن هنا يبدأ الخلل في التركيبة السكانية عندما تحاول الدول في سعيها الدؤوب لتبني سياسات للعمل بموجبها كي تستقر بزعمها نسبة من المهاجرين وتحددها بناء على قدرتها على الاستيعاب والاندماج وتبني سياسة سكانية بعيدة المدى تأخذ حتمية تجنيس عدد من المطالبين بالهوية الوطنية.

ومن هنا نشأت محدودية وقصور الفكرة المبنية على الجنس والعرق واللون والدين، ولو كان الإسلام بني على هذا الأساس لما إنتشر وعم أرجاء المعمورة ولما حضر لآداء المشاعر إلا من كان مواطناً أو من جنس أو عرق أو لون معين، كما لاتوجد هناك هجرة لم تترك أثرا بشريا وثقافيا سواء حصل المهاجر على هوية هذا البلد أم لم يحصل، ولهذا نجد أن التشدد في تبني سياسات وأنظمة سوف تحد من الإستفادة من العناصر البشرية الفعالة مما سيحد من تقدم هذه الدول لأنها لم تحاول الإستفادة من هجرة العلماء وتعمل على إستقطابهم بل وتوطينهم.

ولقد أوجد الإسلام سياسات مبنية على إستراتيجيات عالجت تماماً نشوء أي خلل سكاني ولكن بعد إنهيار الدولة العثمانية نشأت دول إسلامية تطبق سياسات لاتخدم الوحدة الإسلامية والتضامن الإسلامي في كثير من السياسات والأنظمة والقوانين وبدأت تبعد شيئاً فشيئاً عن روح الإسلام الذي إنعكس بدورة على السكان فإزداد الخلل السكاني تفاقماً.

ولولا دعوة النبي إبراهيم لما نشأت مكة وإزدهرت وخصوصاً بعد أن أصبحت قبلة المسلمين في عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ومن مكة إنتشرت دعوة الإسلام بفضل الحرية والعدالة والشورى التي نادى بها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان.

أما ما نسمعه في بعض الدول من التحذير من الخلل السكاني الذين يعرفونه بأنه إزدياد نسبة المقيمين الى المواطنين وهي تقسيمات حديثة حتى وصلت في بعض الدول الى الثلث أو أكثر من هذا المعدل بكثير أما نسبتهم الى إجمالي قوة العمل فتصل الى الثلثين وهذا مايسمى بخلل سكاني في هذه الدولة أو تلك ويبدأ الحديث عن ضعف الولاء والإنتماء وإختلاف العادات والتقاليد واللغات والألوان فتبدأ النعرات التي حرمها الإسلام بقولة دعوها فإنها منتنة.

وتبدأ التفرقة في المعاملة بين هذه الفئة وتلك وتبدأ القوى العاملة تعيش في معسكرات العمل كأنهم أسرى حرب، فئة مستضعفة تخدم فئة مستكبرة، ويبدأ شيئاً فشيئاً يتفاقم الخلل السكاني وتبدأ أحداث عنف على مستوى فردي ماتلبت أن تكبر الى درجة التنظيم وتبدأ الجامعات والجهات الحكومية ودور الأبحاث بعمل الدراسات لرصد المشكلة وأبعادها على المستوى الرسمي والشعبي، وخصوصاً عندما تبدأ بوادر تراجع إقتصاديات الدول أو عندما يحدث فيها بطالة فيبدأ التمييز بين فئتين.

وتبدأ بعض الفئات بالمطالبة بتوطين الوظائف والحد من إنتشار العمالة الوافدة دون النظر بعين الإسلام هل هذا جائز أم فيه تعدي على الحقوق الشرعية للمسلم ومن ثم نبدأ في الإبتعاد عن روح الإسلام وسماحته، وعندما تعجز وتفشل الدول في ذلك تبدا في مداراة الخلل أو إتباع سياسات خاطئة لعلاج المشكلة ويبدأ الخلل السكاني بالتأثير على الأمن القومي والإقليمي وتصبح المجتمعات تنقسم الى أصيلة ودخيلة.

وتبدأ المجتمعات الأصيلة تشعر بأنها مهددة بعد أن كانت مستكبرة وتنتشر البطالة بين هذه الفئة مما يؤدي الى تراجع قوة العمالة الوطنية مدعين بأن الوافدين قد أقصوهم وأزاحوهم عن الوظائف أو الأعمال مما تفسر بأنها ظاهرة خطيرة وأنها في تصاعد وتبدأ الطنطنة عن البطالة بين صفوف النساء بسبب ضيق مجالات العمل لهن، ويبدأ المواطن بتفضيل الإنسحاب من سوف العمل بدلاً من منافسة الفئة الأخرى على وظائف غير مجزية الأجر بعدما كانت في ظل الإسلام فئة واحدة ويبدأ الحديث عن هوية شعوب المنطقة وكيفية المحافظة عليها.

وإذا أردنا الدخول في موضوع متطلبات إصلاح الخلل لابد أن نعود من جديد الى وقفة جادة وإعادة التفكير وتقييم للسياسات وتعاون إسلامي لإصلاح الخلل للتعرف على مدى إمكانية إندماج الفئتين لتصبح فئة واحدة كما نادى الإسلام بذلك منذ عدة قرون كما لم يكن في ذلك الزمان سماسرة للهجرة ومكاتب الإستقدام ودورها السلبي على جميع الأطراف والتي تساهم في عودة تجارة الرقيق من جديد.

مصطفى الغريب

شيكاغو

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف