لؤلؤة الخليج تفقد بريقها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فقدت لؤلؤة الخليج أميرها... خلعت عنها عقدها بوفاة الشيخ جابر الاحمد الصباح الذي ألبس الامارة عزها منذ اعتلائه الحكم العام 1978، لتستفيق اليوم الكويت على خبر أخفت بريقها وأغرقها في حزن لا يعوض القليل القليل من وقع خسارة ستبقى تردداتها تهز الأذهان الى وقت طويل.
وفتح الكويتيون أعينهم على صوت آذان يبثه تلفزيونهم الحكومي وكذلك اذاعاتهم منذ ساعات الصباح الأولى مع اعلان الديوان الأميري خبر الوفاة عند الخامسة صباحاً، ليتلقون صدمة غياب "بابا جابر" كما اعتادوا مناداته، ولتغرق الامارة في حداد رسمي لمدة 40 يوماً.
ومع خبر "مزلزل" كهذا والذي ربما كان يتوقعه بحزن المواطنون والوافدون، بعد النكسة الصحية التي ألمت به منذ سنوات، وتركت بصماتها واضحة على تحركات الأمير الراحل لا سيما في الأشهر الماضية، اذ لم تسعفه حاله الصحية لأداء صلوات العيد والمناسبات الأخرى، لكنه لم يغب عن شعبه لحظة، اذ كانوا هم هاجسه، سكنوا جلساته، ولازموه أينما حلّ وكيفما تحرك، فحمل كأس أوجاعهم الى المحاضر الدولية، وبكى دمعهم خلال الغزو، وعانى مصابهم لحظة بلحظة.
أمس، صرخ المسجد الكبير وجعاً، هو الذي كان جار الأمير الراحل وكان يحتضنه في الأعياد والمناسبات، فبث منذ لحظة اعلان الوفاة، الآذان حزناً على روح فقيد كان أعز الجيران، فيما وُهل قصر دسمان برحيل ساكنه، ليسكن في زواياه السواد الذي نقل عدواه الى حديقته حيث افترش المواطنون ساحتها، ليتحول اخضرار عشبها الى سواد حشود بدأت تتوافد لإلقاء النظرة الأخيرة على الوالد الأمثل.
وتلقى الناس الخبر من فم التلفزيون الحكومي، ووقع عليهم كالصاعقة مع بداية عام جديد فيما ما زالوا تحت وقع فرحة عيد الأضحى، فخلعوا عنهم البهجة ولبسوا ثياب الحداد، وسكن الحزن ملامحهم وكذلك تحركاتهم، وتحول عيدهم حرقة بعدما غافلهم الأمير برحيله.
الشوارع بدورها شاركت البلد مصابها، اذ خلت من السيارات التي كانت تقض مضاجعها عادة منذ الصباح الباكر، بعدما توقفت وتيرة العمل وذلك لثلاثة أيام، فدخلت في حال غيبوبة فرضتها صدمة الغياب.
وحال المقاهي التي تعلقت على أكتاف المدينة لم تكن أفضل من تلك التي أصابت الشوارع، اذ أغلقت بعضها أبوابها في وجه روادها، فيما البعض الآخر استقبلهم بارتياب اذ غرقوا في حيرة وكانوا في حال استنفار استعداداً لقرار بالإغلاق قد يفاجئهم.
وأصاب الشلل مفاصل البلاد بطولها وعرضها ودخلت في عطلة رسمية لمدة 40 يوماً حداداً على قائد حفلت حياته بالانجازات حتى ضاقت به الأماكن التي ترك بصماته فيها عميقة، فسجل له التاريخ مواقف قلما اتسم بها زعماء آخرون. وحدها الصحف رفعت حال الاستنفار الى درجتها القصوى وازدحمت الأقلام تسطر مسيرة الراحل في صدر صفحاتها، فيما اشتعلت فلاشات الكاميرات تترصد حال الحزن التي اجتاحت الامارة بأكملها، في وقت انتفض قسم الأرشيف من سباته ينبش من جعبته "الأخبار المخمرة"، اذ هذا هو الوقت الأنسب لاستخدامها، لتدخل الصحف الكويتية في منافسة للظهور بأكمل وجه مجاراة لخبر هو الأهم سيتصدر دون شك مانشيتاتها لأيام عدة.
الكويت غارقة في حزنها تعيش "تسونامي" خسارة أميرها، لكنها في خضم مأساتها تنظر بتفاؤل الى مستقبلها الذي وضع الراحل حجر الاساس لازدهاره، لكنه بالتاكيد رحل مطمئن البال بعدما توجه الى المواطنين بقوله "ان الوطن القوي هو الوطن الموحد"...
كلمة قالها الأمير الراحل، كانت آخر ما قاله، لكنها ستكون حتماً ذخيرة للأجيال المقبلة.
جميلة العوابدة