أصداء

تزورنا عارية وشعرها منفوش

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

حلت علينا صباح الأربعاء 25/1/ 2006 صديقة تسمى السيدة "انتخابات" بعد إن "طفشت" سنوات عدة، تأتينا صغيرة الوجه محدودبة الأنف، نحيلة الجسد متّعثرة، وأسود شعرها منفوش، عارية القدمين وعلى رأسها تلبس طربوش، تزورنا بعد أن عقرها البعض فتأجلت..أو أجلت قدومها حتى ألبسها ملك الانتظار هدومها وفستانها الزاهي على الموضة، فهي لم تأت إلا بعد تطمينات وموافقة دولية، كما أذيع بالأخبار.
أذكر مفاتنها الآن حين التقيتها للمرة الأولى قبل ما يقارب العشرة أعوام، كانت في ذاك الوقت صغيرة العمر، وكنت أنا أجلس على سور بيتنا أعد السيارات التي تغادر عن شارعنا، وأعد الفتيات اللواتي يتخاطفن نظري ويتركن قلبي أصفر، كانت هي أجملهن حينها وشعرت بأنها فتاتي ومنقذتي ككثيرين من الشباب وعامة الشعب الصغير قبل الكبير، نسمات الهواء تلاعب خصلات شعرها، تضحك فتهتز مفاصلي وتتشابك أناملي، صوتها، هسيس ممشاها، عيونها العسلية، شفتاها، كل حركات جسدها، كل غمزة منها آنذاك كانت تدخلني خيمة الأنبياء.
قدومها جاء بالتنسيق مع زميلة لها اسمها "أوسلو" رغم أنها لم تكن جميلة، ولكن الوضع الدولي أجبر مدينتنا على قبولها، ولم تطل القيام هي الأخرى، لتنصل أحد أطراف العقد عن دفع أجار الفندق الذي ستنزل فيه، فحاولت استئجار غرفة صغيرة في حينا المتواضع، ورغم أنها قادمة من دولة ثرية وراقية إلا أنها رضيت بالقليل بالقليل، ونامت على "الحصير" وأكلت خبز طابون، ولكن دون فائدة، فالأمور كانت كل يوم تزداد تعقيدا، فجمعت أغراضها في ليلة شتائية مظلمة "ما فيها ضوء قمر" وغادرت، وهبت انتفاضة جديدة وصفها البعض بـ"انتفاضة التحرير".
(أخاف أن يستغلك هؤلاء ولا يعرفون مكانتك وقيمتك، ولا يؤدون الأمانة ويبيعونك في السوق ويهزون ليلا فرحا على الطبلة والبوق). قلت لصديقتي "الانتخابات" هذه العبارة تحديدا، إن لم تخني الذاكرة حين قدمت لقريتنا في أول أيام زيارتها قبل 10 سنوات تقريبا.
قالت صديقتي: ماذا تقول؟.
(لا شيء يا "انتخابات"، أحاول تنبيهكِ فقط، فالزمان لا يحالفنا مرتين)- قلت
والآن بعد هذه السنوات، تعودين يا صديقتي مخذولة مقهورة، ولم ينهش جسدكِ إلا الهّم الثقيل، ولم يتبق من معالمك غير الاسم، والشامة التي حفظتها على الحرف الرابع من اسمك، وبعض تفاصيل وجهكِ، وحتى الساعة التي على يدك سرقوها، فبتنا خارج التاريخ ولم نعد نعرف الوقت.
أطبق علينا الفساد يا صديقتي بعد مغادرتك بأيام حتى تجرحنا، ومرت علينا أيام عجاف، واستنجدنا في البحر فوجدناه محتل، وفوق كل هذا (قضيتنا) أصبحت وكأنها حكاية مجوسية، يخربش في فصولها الجميع، واندمل البعض مهووسا في حياكة نهايات لها مؤقتة وطويلة الأمد، وأغرقونا بالاتهامات المشينة التي ليس لها حد أو عدد، لماذا يا صديقتي لا أراك هذه المرة جميله كما سبق، هل كبرتِ بالعمر وذبلت ملامحكِ، أم أنا الذي كبرت ومللت؟.

خلف خلف
رام الله
khalafkh@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف