أصداء

بعد فوز حماس

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بعد فوز حماس:الحركة الاسلامية أمام تحدي الواقعية السياسية


طعم الانتصار الانتخابي لحركة حماس الفلسطينية على ماتبقى من أراضي شبه محتلة بعد تاريخ سنة .1967
لايمكن أن يكون فقط حاملا لمذاق النجاح والسبق السياسي على حركة فتح،بل هو زلزال بكل المقاييس في الساحة الشرق أوسطية والعربية والاسلامية والدولية،ولايملك المرىء تجاهه الا الاستبشار الحذر وبكل المقاييس،حيث عودتنا التجربة الجزائرية على أن المؤمن لايلدغ من جحر واحد مرتين،فبالأمس القريب كتبت وصرحت أصوات كثيرة في الحركة الاسلامية العربية والاسلامية بأن الأمة باتت على قاب قوسين أو أدنى من افتكاك زمام المبادرة في تحديد وتحقيق مصيرها واستقلالها وسيادة شعوبها ودولها،ولكن سرعان ماتحركت الدبابات لتسحق صندوق الانتخابات وتدخل الشعب الجزائري في مربع من الحرب الأهلية القذرة
ولذلك لن أطبل اليوم صراحة لهذا الانتصار الانتخابي على اعتبار أنه خيار حر لارادة الشعب الفلسطيني،فهو بكل المقاييس الحرة والموضوعية كذلك،ولكنني سأنظر الى المسألة من باب الواقعية السياسية في مدى تقبل المحيط العربي والاسلامي والدولي لهذا الانتصار الانتخابي الساحق،وكذلك مدى قدرة حماس على المزاوجة بين متطلبات النضال الفلسطيني ومتطلبات الواقعية السياسية في محيط محلي عربي ودولي متشعب.
أولا أقف عند تشعبات العلاقة بحركة فتح الفلسطينية،حيث تمتلك هذه الأخيرة مفاتيح الجهاز المالي والأمني والاداري وجزءا كبيرا من مقدرات الجهاز التنفيذي ممثلا في مؤسسات الرئاسة والجهاز الحكومي الذي أسست له فتح منذ أن وضع الراحل أبو عمار رجليه على تراب غزة أو ماقبل ذلك.وهو مايعني أن شعورا لفتح وفصائلها المسلحة وجهازها الأمني المقدر وحده في غزة بحوالي أربعين ألف شرطي باستهدافها عبر تغيير شامل يحمل على عاتقه تطبيق برنامجها الانتخابي سيؤدي لامحالة الى صدام مفتوح مع هذه الأخيرة ستكون فيه الغلبة للأقوى أمنيا وتنظيميا وجهازيا،والأرجح عندئذ دخول الطرف الاسرائيلي والخارجي على الخط من باب الالتفاف على هذا النجاح الانتخابي وتحويله الى هزيمة وعملية تأديبية لكل الحركات الاسلامية التي تفكر في خيار الاكتساح البرلماني الشامل.
ثانيا أود التأكيد في هذا الاطار على أن انتصار حماس بالشكل الذي أخرجته نتائج الاقتراع الأخيرة كان أمرا غير محسوب ومدروس من قبل هذه الأخيرة،ويبدو أنه فاجأ أنصار الحركة وحتى قيادتها في الداخل والخارج،وهذا لايعني قطعا أن حماس لاتحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني كما هو الشأن أيضا بالنسبة لفتح وانما يعني أن التخطيط السياسي لقيادة هذه الحركة كان يهدف على الأرجح الى اكتساح محسوب لايصل درجة الأغلبية المطلقة،بالشكل الذي يضع فتح في مواجهة الاحراجات الدولية،وأقصد بذلك التفاوض مع الدولة العبرية والأطراف الخارجية الكبرى التي تسند مشروعها في المنطقة.
ثالثا لقد وضعت حماس بهذه النتائج نفسها والحركة الاسلامية معها في المنطقة العربية عموما أمام احراجات دولية كبيرة،فاذا كان انتصار الاخوان في مصر بنسبة خمس المقاعد البرلمانية يشكل عملية مدروسة ومحسوبة ومتحكم فيها من قبل قيادة الاخوان وهي بالضرورة لاتثير قلق المجتمع الدولي بل ترى فيه تنفيسا سياسيا مقبولا يمكن أن يساعد على الاستقرار،فان انتصار حماس سيعطي الحجة للأنظمة القمعية في المنطقة العربية من أجل الضغط على الحكومات الغربية والادارة الأمريكية حتى لايكون هناك مناخ سياسي حر يساعد التيار الاسلامي على الاكتساح السياسي الواسع.
ان حماس اليوم تقف أمام اختبار من النوع الصعب والثقيل،ففشلها في ادارة الأراضي المحتلة أو فشلها في ادارة العلاقة مع فتح أو فشلها في ادارة المعادلة الدولية في أكثر مناطق العالم حساسية وسخونة،سيحمل معها احراجات واكراهات أكبر للحركة الاسلامية بالمنطقة العربية ككل،كما أن نجاحها في التفاهم مع فتح على أرضية وطنية مشتركة ونجاحها في ادارة الشأن الفلسطيني العام على أرضية مزاوجة ذكية بين اشكالية المقاومة واشكاليات حسن الادارة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمتطلبات الشعب الفلسطيني ومتطلبات العلاقات الدولية الناجحة سيعني ضوء أخضر وارتياحا دوليا يمهد للحركة الاسلامية العربية والاسلامية الدخول في مرحلة التحول الهادئ والايجابي من أجل خوض معركة الاصلاح العام والخروج من دائرة المواجهة والاضطهاد الداخلي باتجاه مرحلة المساهمة والبناء والتشييد وتحمل مسؤوليات ادارة الشأن العام.

ان المأزق الذي وضعت فيه حماس اليوم ولا أقول الانتصار اذا ماأصرت فتح على عدم المشاركة في حكومة وطنية وائتلافية بديلة تلم شتات الشعب الفلسطيني وتستجيب للحد الأدنى من طموحاته،من شأنه أن يوجب على كل قادة الرأي والفكر والسياسة في العالم العربي والاسلامي وكذلك كل الغيورين على مصالح الأمة في أنحاء المعمورة من أجل التدخل بالمشورة والنصح وربما حتى الضغط الهادف والمقبول والمعقول من أجل ألا تتكرر التجربة الجزائرية فوق ماتبقى من أراض فلسطينية محتلة،لأن حجم مثل هذه الكارثة لو قدر له أن يكون على أرض فلسطين سيكون هذه المرة هزيمة أخطر وأسحق من هزيمة حرب الأيام الستة سنة سبع وستين.
المطلوب اليوم من الحركات الاسلامية جميعها مؤازرة حماس في محنتها عبر ترشيد سياستها الدولية وعقلنة خطابها مع أطراف الصراع بما في ذلك مايتعارف عليه العرب والمسلمون بالعدو المحتل،ولايعني هذا أبدا التخلي عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بل لابد في هذا السياق من قراءة المرحلة التاريخية والدولية قراءة سليمة توازن بين ماهو مطلوب وماهو ممكن وماهو مشروع وماهو مؤجل وماهو منطقي في المعارضة وماهو غير مقبول في الحكم
ولايعني هذا التقليل من شأن القائمين على الادارة السياسية من المخضرمين من قادة هذه الأخيرة،ولكن أدرك جيدا أن اغراءات التفويض الشعبي يمكن أن تنزلق بالجميع الى مربع خطير يراهن عليه الكثيرون في أكثر من منطقة.
أخيرا أقول بأن تحدي الواقعية السياسية لايشكل تحديا اليوم فقط أمام حماس بعد انتصارها الأخير بل هو تحد مطروح خاصة على الحركة الاسلامية العربية التي باتت فيه الأنظمة وشرائح لابأس بها من النخب وربما حتى الجماهير تخشى من تقدم الحركة الاسلامية.
أن قضايا الرفق والوسطية والاعتدال والتدرج لايمكن أن تنهار اليوم أمام اغراءات انتصارات الاخوان في مصر أو تركيا أو الأراضي الفلسطينية.
وعلى ذكر تركيا أجد أن من أكبر اهداءات العدالة والتنمية لرديفاتها وشقيقاتها العربية،هي مسائل ادارة المعادلة الدولية ومربعات الاحتكاك بالمخاوف الغربية،ولعلنا اليوم في تونس وان كنا نجد أنفسنا بعيدين عن انتصار الأراضي الفلسطينية أو انتصارات اسلاميي تركيا كأحوج مانكون نخبة ومعارضة الى استيعاب مفاصل هذه التجربة التي أفلحت في تلطيف غلو العلماني وجنوح الاسلامي لتفرز تجربة تلقى قبولا ونجاحا داخليا تركيا وقبولا وتفهما غربيا يبعد الأوطان والعالم عن مخاطر الصراع والاحتراب.

مرسل الكسيبي
كاتب واعلامي تونسي
في 28-01-2006
reporteur2005@yahoo.de

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف