هكذا اختطفني (حجّي) المقاومة العراقية! 2
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الجزء الثاني: الخطة المحكمة والهروب المستحيل!
سيبقى يوم 20 كانون الاول 2005 محفورا في ذاكرتي ما حييت ليس لانه يوم اختطافي او لانه قد هُدرت فيه كرامتي على مدى 24 ساعة تقريبا فحسب بل لانه يوم احاطتي بامور لم اكن لاعرفها ولا لادركها لولا تلك الحادثة التي شكّلت منعطفا بارزا في مستقبلي السياسي والاجتماعي. بصراحة تملّكني شعور غريب في اليومين الاخيرين قبيل الحادثة وحدس من انني ساواجه مشكلة كبيرة وساكون موضع اختبار حياة وموت! شعور ممزوج بألم فضيع وضغط نفسي مخلوط بشئ من الذنب اتجاه أعز انسان في حياتي لخلاف نشب بيننا مؤخرا. هذا الحدس كان سببا لتهيأتي نفسيا لتقبل الحادثة بشئ من التعقل والصبر والتعامل بحكمة معها وكانني على موعد مسبق معها. بيد اني لا ادري لماذا تملّكني شعور صبيحة ذلك اليوم بانه يوم نحس خصوصا بعد ان وصل الى مسامعي من ان الحدود السورية قد أُغلقت الى اشعار اخر، وهو ما أضاف الى همي هموم اخرى نظرا لانني قد اكدّت الحجز قبل يومين على الخطوط الايطالية شروعا مني للعودة الى كندا حيث زوجتي وطفليّ محمد وشهد. لقد كان من المفترض ان اغادر هذا اليوم الى سوريا ولكن بعض النزلاء نصحني بالذهاب الى الاردن والدخول الى سوريا من هناك وهو امر استثقلته لاول وهلة ولكن سرعان ماوجدت عملية الالتفاف هذه اقتراح عملي في وضع استثنائي مثل هذا. علاوة على ذلك انه سيوفر لي ثمن التذكرة الثانية التي من المفترض ان اشتريها لو اني قد قررت انتظار فتح الحدود السورية العراقية. لذا قررت اخيرا غلق حسابي في الفندق فودّعت من تعرّفت عليهم واستأجرت عربة لنقل امتعتي الى الشارع العام فمنه يمكنني ان استقلّ التاكسي الى (حافظ القاضي) حيث سيارات النقل الخارجي.
لم انتبه الى جانبي الطريق من الفندق الى الشارع العام وهي مسافة استطيع ان اقدرها بخمسمائة متر نظرا لانشغالي بسماع قصة الفتى الذي استأجرته لنقل الامتعة فصغر سنه اذهلني عن التفكير بما يجري على حافتي الطريق. كان في الحادية عشر من عمره فسألته ان كان يذهب الى المدرسة حيث المكان الطبيعي لامثاله، فرمقني بنظرة استهزاء مغمّسة باشفاق أكاد اجزم انه اولى به مني! الا ان ذلك لم يكن ليمنعني ان استمع لروايته التي جاء فيها ان ابيه قد دأب على احضاره كل يوم الى هذا المكان في ساعة مبكرة من الفجر فيعود في الظهيرة ليأخذه الى حيث مدرسته التي لاتبعد كثيرا عن محل سكناه. لاادري لماذا احسست بان الفتى لم يكن صادقا؟! اهي نظرته السابقة لي ام انه الخجل الذي اصيب به من جرّاء سؤالي اياه؟! لا أدري، ولكنني كنت متأكدا ان امثال هذا الطفل كثر، هذا اذا كان فعلا من يحضره الى هذا المكان هو ابيه وليس مستخدمه كما هو حال الكثير من الاطفال اليتامى اللذين يملئون شوارع بغداد ليكونوا عرضة للمستغلين واصحاب الضمائر الميتة وسط غياب للملاحقة الجادة من قبل قوى الامن لامثال هؤلاء. ذلك نظرا لانشغال الحكومة بكامل طاقتها لملاحقة الارهابيين والمخرّبين اللذين يعيثون في الارض فسادا بشكل متواصل ومن دون انقطاع سواء من خلال السرقة المنظّمة او من خلال اعداد السيارات المفخخة والقتل العمدي او من خلال زرع المفخخات واستهداف رجالات الدولة والحكومة. الامر الذي يجعل الوضع العام مناسبا لتخلخل الاخلاق وتسلل مثل تلك الجماعات بين الصفوف وممارسة عملها بشكل اسهل منه فيما لو كان الوضع العام مستقرا وامنا.
كنت اعد نفسي محظوظا لانني قد وجدت سيارة تاكسي تنتظر زبونا رغم انني قد لمحت بعض من ينتظرون على حافة الطريق ويبحثون عمن يقف لهم ليقلّهم الى حيث يعملون او يراجعون، الا ان ذلك لم يكن محط شك لي مطلقا بل اعتبرته "حسن حظ"! سألت السائق ان كان مستعدا لنقلي الى (حافظ القاضي) حيث سيارات النقل العام الى سوريا والاردن. أجاب الرجل على الفور بنعم، فسألته عن الاجرة فلم يتردد وطلب مني ثلاثة الاف دينار، ورغم علمي بان الاجرة لاتقل عن خمسة الاف الا انني اعتبرت ان "حسن الحظ" لازال يخدمني في كل شئ! فلماذا كنت احس بسوء الحظ من الغبش؟! لم اجد اجابة الا في وقت متأخر طبعا!
وضع الرجل الذي كان عمره قد طاف الاربعين بنيف على اقل تقدير كامل امتعتي في سيارته وانطلقت تسابق الريح الى حيث المفترض بها ان تصل. دار حديث قصير بيننا بدأه هو بسؤاله اياي عن وجهتي فأخبرته بانني ذاهب الى سوريا ولكن نظرا لغلق الحدود فقد عزمت بدلا من ذلك ان اتوجه الى الاردن ومنها الى سوريا. لا انكر انني في تلك اللحظات قد تذكرت نصيحة من سائق سيارة اجرة اخر كنت قد التقيته ذات مرة. للامانة اقول ان الرجل كان لي من الناصحين حين سألني عن سبب ذهابي الى منطقة 52 وتحديدا "ساحة التحريات" حيث مقر حزب الامة الديمقراطي. نصحني بعدم اعطاء اية تفاصيل عن شخصيتي وان سألني احدهم ان كنت من سكنة بغداد فعلي ان اجيب بنعم؟! فسألته عن السبب فرد باللهجة البغدادية "اولاد الحرام هواي" اي كثر!
ماهي الا دقائق معدودة حتى استأذنني السائق الذي كان لطيفا جدا معي طوال الطريق في ان يشاركني احد اصدقائه واحدا من المقاعد الخلفية ليوصله الى حيث عمله في طريقنا؟! طالما في الامر مروءة وشهامة فضلا عن سعة السيارة التي كنت وحيدا فيها وبقدر ماكان في الامر "تسهيل امر" لعباد الله خصوصا وان حكمتي في الحياة "الله في عون العبد مادام العبد في عون اخيه" فلم اتردد في قبول عرضه وليتني لم اقبله فقد كان بداية النحس الذي احسسته منذ الصباح! توقفت السيارة وكان بالانتظار رجلين يرتديان "دشاديش" عراقية تؤكد ان هيئة الرجلين من الكسبة اللذين يخرجون في الصباح الباكر لهثا وراء اللقمة الحلال. لم اتوجّس ولم يدر في خلدي ان هذين الرجلين هما جزءا من الخطة التي اعدت وطُبخت في مطبخ احد السياسيين البارزين على الساحة العراقية؟! انطلقت بنا السيارة في دروب لم أالفها من قبل ولعدم معرفتي بمسالك بغداد وضواحيها فقد سألت السائق عن وجهتنا فاجاب على الفور من انه سيوصل هذين الصديقين ومن ثم سيوصلني وان هذه الطريق ماهي الا اقصر الطرق الى (حافظ القاضي) واردف قائلا "ماكو احد يعرف هاي الطريق الا السايق الشاطر"؟! فصدّقته لفرط ثقتي؟!
رياض الحسيني
كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل