أصداء

هكذا اختطفني (حجّي) المقاومة العراقية! 3

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الجزء الثالث: في بيتهم مخطوف!

كنت ودودا معهم وكانوا لطفاء معي ايضا ولحد هذه اللحظات لم اكن لاشك ولو للحظة واحدة من انني اسير نحو حتفي والى حيث قبري الذي حفرته بيدي! توقفت السيارة فنزل احد الرجلين وفتح باب المقعد الامامي حيث اجلس بينما وضع الرجل الاخر مسدسه في خاصرتي وطلب مني التصرّف بعقل وهدوء وان انتقل الى المقعد الخلفي من دون مقاومة والا فانه سيُفرغ مسدسه في رأسي! كان الاخر يخفي مسدسه في جيب دشداشته فامسكني بقوة وزج بي في المقعد الخلفي وصعد بجنبي فاصبحت بين كمّاشتين. طلب مني احدهم ان اضع رأسي بين ركبتي وبينما انا كذلك حتى وضعوا غطاءا اسود داكنا غطّوا به كامل وجهي وطلبوا مني البقاء كذلك الى حين الوصول. في تقديري ان السيارة لم تذهب بعيدا كثيرا فبعد خمسة دقائق تقريبا توقفت السيارة برهة تبين انها تمهيدا لادخال السيارة الى مرآبها وبعد ان استقر بها المقام طلبوا مني الترجل. نزلنا جميعا لندخل الى بيت شممت منه رائحة زكية وعطر نسائي جذّاب فاستبشرت خيرا؟!

اختلطت مشاعري في تلك اللحظات بشئ من الثقة والاعتداد بالنفس وأمّلت نفسي بالامان لو انني تصرفت بشئ من الحكمة مع هؤلاء ولكن من جانب اخر لا انكر انني قد اعتبرت ان قرار تصفيتي مبتوت فيه وما هي الا مسألة وقت فقد سمعت الكثير عن الاغتيالات وقصص الخطف والمساومة وان الناجين قليل ماهم. لذا وصلت الى قناعة ان الموت بشرف افضل بكثير من التوسل والتذلل والتخضع فقرأت شئ من الذكر الحكيم مع ترديدي لاية اتذكرها دائما وقت الشدائد والمحن "وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لايُبصرون". من جملة ماتذكرته نصيحة لاحد الاصدقاء مفادها ان قراءة سورة الفاتحة على روح "ام البنين" فيها تسهيل للامر فقرأتها وزدت على ذلك بنذر كبش وصيام ثلاثة ايام ان خرجت سالما من تلك الكارثة والمصيبة التي حلّت بي من دون حسبان ولاخاطر على البال. ادخلوني في غرفة احسست فيها ببعض البرد فطلبوا مني الهدوء والانتطار ريثما يأتي "الحجّي" ليبت في امري! سألتهم عن "الحجّي" ومن يكون فنهرني احدهم بقوله "اسكت ولاتحجي ولا كلمة"؟! شرع احدهم بتفتيشي فيما كانا الاخران متأهبان لاية مفاجأة ربما تحدث ولم يُحسب لها حساب! فلم يجد بحوزتي الا محفظتي وهاتفي النقّال فأخذهما. جلست افترش الارض مستندا الى الحائط الذي لم يكن اقل برودة من ارضية الغرفة. مضى من الوقت لا ادري بالضبط ولكن ليس اقل من ساعتين في عداد من هم خارج هذه الدار طبعا اما في حساباتي فسنتين قليل. دارت في رأسي خلال هذا الوقت افكار ومراجعة لاغلب مامرّ بي خلال الخمسة وثلاثين عاما التي قضيتها من عمري. راجعت نفسي كثيرا فلم اجد ذلك الذنب العظيم الذي اقترفته لاستحق عليه هكذا عقاب. في غمرة التفكير والمراجعة هذه لم تغب عن عيني صورة ولدي محمد (ولي العهد) وصغيرتي شهد (القطة الناعسة)، هكذا كان يحلو لي مناداتهم، لا ادري لماذا ولكن كانت تلك الالقاب تدخل السرور على قلبي! كانا امام عيني طوال وقت الاختطاف حتى جاءني احد الرجلين السابقين ليقطع علي خلوتي. بادرني بفك وثاقي ورفع البرقع عن عيني فلفحني الضوء الذي احسست انني قد فارقته العمر كله وكأنني كنت مكفوفا فأبصرت. حقيقة لم اكن لاتوقع ان ارى هذا النور مرة ثانية! فقرأ الشاب في عيني هذا الاحساس فطلب مني الهدوء قائلا "انت في أمان ولايتوجب عليك القلق طالما تصرفت بهدوء وعقل ومن دون تهور" واضاف "لقد اتصلنا بالحجّي وانه قادم وسيبت في امرك ولكن اوصانا بك خيرا"؟! ثم بادر وسألني ان كنت ارغب ببعض الشراب او الاكل! فاجبته على الفور وهل هذا العرض مقدمة للذبح كما نفعل بالشاة؟! ابتسم وقال لاتقلق نحن لسنا سفّاحين ولاقتلة، نحن مقاومة؟! فلم اتردد في طرح سؤالي عليه طالما ان "الحجّي" قد اوصاهم بي خيرا! فقلت له: ما المقاومة في خطف الناس الابرياء وترويعهم بهذا الشكل؟! فردّ وفي وجهه بعض الحنق "ماذا تريد منا ان نفعل باعوان المحتل وخدمته"؟! فأجبته على الفور: انا لست من اعوان المحتل ولن اكون كذلك، انا عراقي وجذوري في هذه الارض الطيبة ضاربة، ثم استدركت سائلا اياه "من انتم بالضبط، هل انتم من جماعة الشيخ ابو مصعب"؟ فرد بالقول: كلا! لكن وهو في طريقه طلب مني ان اطرق الباب او انادي عليه ان احتجت شيئا. فسألته عن اسمه فقال نادني "ابو سلام". انصرف تاركا اياي اقلّب سيناريوهات ماسيحل بي وما ينتظرني بعد ان اغلق الباب من الخارج. تفحّصت عيني الجدران الاربعة للغرفة فلم اجد فيها مايثير فضولي او يكسب تأملي فلا لوحة فنية ولا آية قرآنية. كان الحائط مصقولا بشكل مهني لدرجة كبيرة ولكن لاادري لماذا انتابني شعور بان هذه الدار كانت ملكا لرجل مهم في زمن صدام حسين. كانت غرفة فسيحة يبدو انها قد اعدّت مؤخرا خصيصا لعمليات الخطف والتحقيق مع نزلائها فلا مروحة سقفية كما المعتاد في البيوتات العراقية ولاثريا تتدلى من السقف ولاكرسي ولاسرير ولاحتى فراش وثير، سوى البلاط المرمري اللون الناعم الملمس الذي اضاف الى حدسي الاول من عودة الدار الى رجل مهم في دولة صدام حسين دليل.

الجزء الثاني

رياض الحسيني

كاتب صحفي وناشط سياسي عراقي مستقل

www.riyad.bravehost.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف