التيار الصدري وعبرة حزب نصرالله
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من خلال قراءة الأحداث في العراق يبدو أن حركة التيار الصدري ليست وليدة حالة محلية داخلية محضة مثل بقية الحركات والأحزاب العراقية، وبهذا الرأي لا نأتي بشيء جديد وهي في الحقيقة الصورة الصحيحة بحق تحليل الوضع الحركي لهذا التيار المتسم بالأزمات الأمنية الفجائية التي تبرز على الساحة العراقية هنا وهناك لأسباب لا تعرف ماهيتها ولا دوافعها، ويبدو أن الجيش العائد لهذه الحركة المعروف باسم المهدي لا يتسم بالانضباط وتسيطر عليه مجموعات متداخلة من التكتلات في بغداد وفي بقية المحافظات في الجنوب والدليل التوترات الأمنية التي تخلق بين فترة وأخرى مثلما حصل في الفترة الأخيرة في الديوانية.
ومن يطلع على الأمور بحقيقتها في الوضع العراقي، خاصة من أهلها، يدرك أن حركة بهذا القدر من التسليح والتنظيم والتعبئة في قاطع كبير من المحافظات في بغداد ونجف والبصرة والديوانية، لا يعقل أن تحركها شاب في مقتبل التجربة الدينية والسياسية، وليد مرحلة قصيرة الزمن لا يتجاوز مرحلة ما بعد إزالة نظام صدام، ولا يعقل أن يملك هذا الرجل الشاب عصا موسى (عليه السلام) ليحرك في العامة التابعة له من بعض العراقيين ما شاء من المجموعات ليكونوا في طاعته وولائه بين ليلة وضحاها، ولو أن آخر التقارير الأمريكية تشير إلى أن رئيس التيار الصدر قد فقد سيطرته على جيش المهدي، خاصة بعد ورود تقارير خبرية تشير إلى أن لجيش المهدي يد في التصفيات الطائفية بين السنة الشيعة التي تجري رحاها يوميا في بغداد.
ما يتبين للمتابع في مشهد أنصار الصدر الذين يثيرون أزمات فجائية هنا وهناك إن من يلعب ويتحرك ضمن المساحة الصدرية هم شباب مسلحين مدربين على استخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة، يطرحون شعاراتهم على طريقة المشهد الإيراني، معصبين رؤوسهم على طريقة المشهد الإسلامي بلافتة (الله أكبر)، لهم تواجد وحضور مؤثر في الكثير من المحافظات. ولم تقف حدود تواجد هذه الحركة عند هذا الحد بل مدت فروعها إلى حدود التماس مع المناطق الكردية كما في طوز وداقوق وكركوك لأسباب سياسية تقف ورائها جهات داخلية وخارجية، ومن الغريب أن هذا التيار طرح نفسه بغفلة من الزمن في وسط المشهد العراقي عند بداية سقوط الصنم وما لبثت أن تحولت إلى حركة مؤثرة مسيطرة على عدد من المقاعد النيابية في البرلمان العراقي.
استنادا إلى هذه الصورة المستنبطة من الأحداث، من حقنا أن نتساءل من يدعم هذا التيار ؟ من يموله ؟ من يعاضده ؟ من يتبادل الأدوار في داخله ؟ وما الأهداف المعلنة والمبطنة لها خاصة بعد أن تمكنت من الحصول على حضور برلماني مما أضفى شرعية عليه ؟. للإجابة على هذه الأسئلة فإن رؤية واقعية لأي متابع سياسي لتحليل هذا الأمر يفتح الباب أمامه بشفافية للإجابة عليها بقلب وعقل عراقي وفكر ميداني لوضع النقاط على الحروف وإعطاء المسالة حقها في التحليل.
استنادا إلى الأحداث المرافقة لهذا التيار، والأخذ برؤية منطلقة من الواقعية والحيادية لتحليل الحقائق فإن الدلائل تشير إلى أن مشهد ولادة هذه الحركة تم بفعل عوامل داخلية وخارجية من بلدان مجاورة للعراق، أخذت مساحتها للتدخل في الواقع العراقي من خلال قنوات عدة، منها أجنحة وجهات شخصية داخل الأحزاب والأطراف السياسية العراقية خاصة الجهات التي تربت في أحضان الدول المجاورة في أيام المعارضة إضافة إلى قنوات أخرى منها حضور مخابراتي، عسكري، دبلوماسي، تجاري، وديني مثل زيارة العتبات المقدسة.
لا شك أن الغاية من هذه القنوات هي التأثير على ساحة المشهد العراقي واحتلال مواقع فيها، هدفها تعطيل حالة التغيير الحاصل في البلد، وتعطيل الأعمار، وانشغال الأمريكيين لكسب المزيد من الوقت على حساب الملفات الدولية، والعمل على انحراف المشهد الديمقراطي السائر بنجاح، وعرقلة مسار مشهد الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الحاصل في ركائز المجتمع العراقي.
كل هذا من أجل مسايرة موازنات مرسومة من قبل الدول المجاورة للتدخل المباشر في الشؤون العراقية لكسب الوقت والحفاظ على نظامها السياسي الذي أخذ بها الدهر، وإبقائها بعيدا عن التأثر بمفردات الواقع الجديد الذي اخذ طريقه إلى الوجود في المنطقة، خوفا من انتقال نبتة الانفتاح والحرية إلى عقول وقلوب أفراد شعوبهم المتعطشة لنفحات هذه النبتة الممتلئة بنبضة الكرامة الإنسانية.
هذا الخوف الرهيب الذي يسيطر على أنظمة المنطقة بسبب نجاح عملية التحول الديمقراطي في العراق، هو الدافع الرئيسي الذي يحدو بهم إلى أن يصنعوا من أمثال هذه التيارات والحركات العراقية الأخرى الشبيهة بحالة حزب الله في لبنان لتقويض أركان الدولة، واستعمال هذا الحزب أو تلك الحركة ضمن سيناريوهات مرسومة من قبل لأغراض دولية على حساب العراقيين وعلى حساب شعوب المنطقة، كما حصل في المعركة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل.
ولهذا نجد أن مسألة مجابهة هذا الموقف من قبل الحكومة العراقية بحزم مع حالة النجف في السابق وفي الواقع الراهن في الديوانية بحزم كانت بمنتهى الضرورة، والحمد لله سارت بحكمة ورباطة جأش قوية للتعامل مع حالة معقدة مدعومة ومساندة وممولة من خارج الحدود العراقية، لأن أعمال هذا التيار تخدم أهداف غير عراقية وتسبب في إلحاق أضرار جسيمة بالعراق وبالعراقيين كما حصلت في مدينة النجف المشرفة، ومحاولة التأثير على المكانة الدينية لمدينة النجف الاشرف كحوزة ومرجعية دينية عراقية أصيلة عريقة للمذهب الشيعي مقابل تصاعد دور المرجعيات والحوزات الدينية في بلد آخر.
هذه الأغراض السياسية والدينية كانت دوافعها مبطنة ومعلنة عمل من اجلها بعض الدول المجاورة لخلق البلبلة في العراق، ولكن حكمة التصرف العراقي كان له الأثر البالغ في إفشال مخططات كثيرة أريد بها ضرب العراقيين بأي وسيلة كانت، مرة بتسفير وزرع الإرهابيين ومرة بخلق حركات سياسية موالية للخارج، ومرة بفتح الحدود أمام عناصر إجرامية لزرع بذور الفتنة، ومرة باحتضان منظمات وحركات إرهابية وغيرها من الأعمال التي لم تجلب للعراق والمنطقة غير الخراب والدمار.
ويبقى السؤال المطروح هل تكتفي هذه الجهات المجاورة للعراق بهذا الحد و يتعظوا ؟ خاصة بعد أن تم اندحار أغلب لعبهم الموجهة بفعل حكمة تصرف العراقيين؟ لا ندري كيف نجيب على هذا السؤال، ولو أن زيارة رئيس الوزراء العراقي قبل فترة كانت مخصصة فقط لهذه المسألة لتنبيه القيادة الإيرانية للكف عن التدخل في الشأن العراقي وقد وعدت إيران بوقف هذا التدخل، كذلك فإن الرئيس العراقي كشف بوضوح الدول التي تتدخل في شؤون العراق خلال زيارته الأخيرة إلى الأمم المتحدة، وعلى ما يبدو أن إيران تأتي بالمرتبة الأولى.
وهنا لا بد من القول إن الحكمة والتعقل تدعوان أن تتعظ القيادة الإيرانية وترجع إلى الحكمة وأن تراجع نفسها، وأن تبعد ملفاتها الساخنة مع القوى الدولية من الساحة العراقية، خاصة وأن الأرض العراقية تحملت الكثير من الويلات والمأساة، ولابد لهذه المعاناة أن تتوقف، وأن تتجه المنطقة إلى البناء وتنمية الإنسان.
ولا شك أن القيام بمراجعة للذات وزرع حالة من الثقة الإيجابية كفيلان بإبعاد المنطقة من واقعها المتسم بالحروب والبدء بتنمية الإنسان الذي بقي محروما من عهود طويلة من مقومات وخدمات الحاجات الأساسية للحياة الكريمة بسبب التوجهات السياسية غير العقلانية لبعض قيادات دول المنطقة، وضمن هذه الرؤية حري بحركة التيار الصدري أن تبعد نفسها من هذه الحسابات وأن لا تتحول إلى حركة شبيهة بحزب الله اللبناني الذي خدم مصالح دولة أخرى على أرض بلادها فجلب الخراب لها، ولا شك أن الأمل العراقي المرتجى من هذا التيار يستبعد أن يذهب إلى ما ذهب إليه ذلك الحزب للمساهمة الفعالة في تقليل الأزمات الأمنية التي يتعرض لها العراقيون وتأمين حالة من الأمن والاستقرار لهم.
د.جرجيس كوليزادة
كاتب ومحلل سياسي-كوردستان العراق
Gulizada_maktab@yahoo،com