أصداء

مصر.. وتوريث الحكم

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

قضية توريث الحكم فى مصر تشغل كثيرا من وقت ومساحات الصحف وأجهزة الإعلام، بعض الكتاب يعقد مقارنات بين نظم الحكم الجمهورية فى كل من سوريا وكوريا الشمالية وأذربيجان، يذكر دكتاتورية الحزب الحاكم وما تقوم به أجهزة الإعلام من تأليه أو على الأقل تعظيم دور الحاكم الفرد ليكون المواطنون جاهزين لقبول فكرة توريث الحكم فى دولة يفترض أنها جمهورية، هذا البعض من الكتاب لا يرى توفر نفس الظروف فى مصر وبالتالى فلا توريث محتمل لجمال مبارك لحكم مصر وريثا عن أبيه حسنى مبارك رئيس الجمهورية الحالى0


معالجة قضية توريث الحكم فى حاجة إلى تعريفات بسيطة لمصطلحات أولية يسهل معها التنبؤ بمستقبل نظام الحكم فى مصر0


أولا: تعريف النظام العسكرى، هو نظام حكم يعتمد فى تنفيذ خططه على الطاعة العمياء للجنود تجاه قياداتهم، الجندى عليه أن ينفذ الأوامر فى البداية ثم يتظلم مما يراه فاسدا من تلك الأوامر فى مرحلة تالية، هذا إذا وجد الجندى داخل النظام العسكرى فرصة أصيلة للتظلم، ثانيا: تعريف النظام الأمنى، هو نظام حكم يعتمد فى تنفيذ خططه على معلومات رجال أمن يعملون فى مجال الأسٍرار غير المعلنة للجميع، وفى حالات الفساد الإدارى يغلب على رجل الأمن إلى أن يكون فاسدا مرتشيا، يأخذ رشوة من المواطن كى يغمض عينه عن سوءات المواطن وتجاوزاته (التعامل مع إدارات الحكم المحلي وشرطة المرور وتجار المخدرات، أمثلة) وأن يأخذ رشوة من الحاكم كى يحكم قبضة ذلك الحاكم على المواطنين (دخول بعض القيادات الأمنية المصرية تتجاوز مئة ألف جنيه شهريا فى بلد يعانى فيه أكثر من 40 % من سكانه من الفقر المدقع، مدير بمكتب الوزير كمال الشاذلى حصل بالترهيب أو الترغيب على إعفاءات قدرها مائة وعشرين ألف جنيه مصرى كان مقررا أن يدفعها رسوما دراسية لتعليم بناته الثلاث فى مدرسة الليسيه بالهرم - مقال د0سعيد اللاوندى بجريدة الأهرام الاثنين
2/10/2006م، أمثلة)0


إن المراقب لنظام الحكم الحالى فى مصر لا يخطئ الوصول إلى نتيجة أنه نظام عسكرى وأمنى يحمل كثيرا من الصفات المبينة أعلاه،
نظام يعتمد فى قراراته على جهود حزب يكاد يكون هو الوحيد المسموح له بالنشاط السياسى ويساعد النظام جهاز أمن متضخم، هكذا نظام الحكم فى مصر يحمل فى بنيته التحية نفس الركائز لأنظمة الحكم فى كوريا وسوريا وليبيا وأذربيجان واليمن، ويزيد فوقها انه نظام مدعوم بأثرياء رجال الأعمال، ومن المعروف أن رجل الأعمال الناجح يعمل بنظام عسكرى وأمنى ليضمن تحقيق أهدافه فى تحقيق المكاسب المادية، أعنى أن نظام الحكم الحالى فى مصر يملك بجدارة الأساس المشترك والضرورى لتفعيل طريقة التوريث فى الحكم، وإذا نظرنا إلى الخطوات التنفيذية لتوريث الحكم نجد أن البنية الإعلامية للنظام يحكم بعض آلياتها جهد علمي ومخطط يقصد تلميع الوريث جمال مبارك، نعم فى مصر صحافة معارضة تصيح وتعلن برفض التوريث لجمال مبارك دون أن تمسك هذه المعارضة بأسباب موضوعية توضح أن الرجل غير كفؤ (لم تتعرض صحيفة إلى نقد قرارات أصدرها أو إلى مشروعية ذمته المالية مثلا)، هذا جانب إعلامى يصنع ضجيجا حول شخص لا تطرح عيوبه الموضوعية أمام القراء، وعلى الجانب الأخر توجد صحف وإعلام حكومى يظهران جمال مبارك على انه صاحب قدرات ومزايا دون عيوب، هكذا مجمل الإعلام المصرى يظهر أن جمال ابن الرئيس هو رئيس ظل له مزايا ( حسب الصحف الحكومية) أو على الأقل ليس لديه عيوب (حسب الصحف المعرضة)، هكذا يحدث الضجيج والزخم الإعلامى تساؤلات تنويرية تحوم حول عقول البسطاء عن الحاكم القادم، هى تساؤلات برقية تحاصرها شيوع حالات الترهيب والترغيب حول كل مواطن، وتكون الحصيلة أن يتوطن لدى الجمهور الغالب فى مصر، الذى لا يملك قدرات فاعله للاختيار الحر، أن الرئيس القادم هو جمال مبارك، وينتشر بين الناس مقولة شعبية (اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش).


إن مستقبل نظام الحكم فى مصر من حيث الصلاح أو الفساد قرين بمدى ما نحرزه نحن المصريين من إجابات واقعية للأسئلة التالية، هل يمكن تحييد الجيش بعيدا عن السياسة لنتخلص من عيوب النظام العسكرى؟، هل يمكننا تقوية القضاء ورفع قانون الطوارئ وتحسين البنية الإدارية فى مصر لنتخلص من مساوئ النظام الأمنى؟ هل يمكننا أن نروض رجال الأعمال بأدوات موضوعية ليكونوا رجالا أخلاقيين يكسبوا أرباحهم دون الإضرار بمصالح البلاد أو العباد؟ هل يمكننا أن نجد صحافة حرة وإعلام موضوعى تذكر المزايا والعيوب لكل مواطن يشغل منصبا سياسيا، سواء أكان جمال مبارك أو غيره؟، إجابة هذه الأسئلة يحتاج إلى عشرات من المفكرين والساسة ليضعوا الحلول فى متناول المصريين، والإجابة العلمية الطاردة لفكرة التوريث البيولوجي للحكم، هى إجابة بعيدة المنال.


هذا بعض ما أراه من تحليل موضوعى لحالة الحكم فى مصر، ويقودنى هذا التحليل لنتيجة مفادها أن التوريث قادم إلى مصر، إلا إذا تغيرت الظروف بفعل فاعل، مات هذا أو قتل ذلك أو تنحى الاثنان معا، أو أن يخيب ظنى ويأتى الله بخلق جديد يحبون مصر ويدركون أن مصر لا تستحق التوريث، ويعملون على إرساء الحرية للجميع.


آواه يا مصر، آواه يا بلدى، لعبة التوريث فيك تجرى على قدم وساق، وأعلن تشاؤمى على مستقبل المصريين، آه يا بلدى لو أتيحت لى فرصة حقيقية للانتخاب الحر فلن أوافق على ترشيح جمال مبارك رئيسا لمصر.

د0 ياسر العدل


yassadl@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف