العراقيون وأسئلة العودة الى الوطن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يروى :(ان فتىً يدعى "سندباد"...كان يعيش في دار السلام " بغداد"..وكان الفتى مولعا بالسفر الى اقصى البلاد...فقرر في فجر ما ان يغامر ويترك حبيبته بغداد...لكنه لم يستطع الصبر على فراق مدينته فعاد اليها على "بساط الريح" وطلق البعاد ).انتهى...
ربما يعد سندباد رمزا لكل العراقيين الذين كانوا يحلمون بالسفر والمغامرة،ولعل البعض منهم شطّ به الخيال بعيدا وهو يبحث عن المصباح السحري وبساط الريح او ربما "ياسمين "، لكن ثمة مفارقة كبيرة حصلت "للسندباد العراقي" بعد حربين( او اكثر) مدمرتين قضت على احلام هذا السندباد الحالم،ودفنتها تحت رمل "سواتر الجبهة والارض الحرام" تلك المفارقة تكمن في رغبة الكثير ممن غادروا العراق الى عدم العودة اليه،بخلاف رغبة سندباد الجامحة بالعودة دائما الى بغداد.
العراقيون الذين هربوا من جحيم الموت "والتصفيات السياسية" إبان النظام السابق انتشروا في بقاع الارض بحثا عن ملجأ لهم،بحيث وصلوا الى اقصى بقعة في المعمورة ووطأت "خدودهم "تلك المدن التي سقطت سهوا ـ او عمداً ـ من تأريخ الخرائط،وما يلفت الانتباه ان اعداد المغادرين تزايدت بمرور الزمن العراقي الدامي والملبد برائحة البارود وازيز الرصاص،إذ تشير بعض الاحصائيات غير الرسمية الى ان الدول المجاورة للعراق فازت بالنصيب الاكبر من اوجاع العراقيين وحكاياتهم،فيقدر وجود ما يقرب اكثر من 600 الف عراقي في الاردن ومثله او اقل في سوريا، بينما بقيت حدود الكويت والسعودية عصية عليهم، فيما اكتفت ايران بمن فرّ اليها ايام الحرب والانتفاضة الشعبية بعد تحرير الكويت عام 1991،وظلت تركيا حصة الاخوة الاكراد دون منازع يفرون منها الى دول اوربا والعالم الجديد.
وتؤكد الاحصائيات غير الرسمية ان هناك اكثر من سبعة ملايين عراقي فروا من العراق،وقادتهم اقدارهم وما توفر من طرق "التهريب" غير الشرعي الى دول مختلفة، والقسم الكبير منهم حصل على "جنسية "البلد الذي لجأ اليه.
ولم تستطع اخبار سقوط النظام السابق من عودة المهاجرين الى تراب بلادهم،بل تزايدت موجة الهجرة على خلفية فقدان الامن وتصاعد العنف الطائفي "الوافد" على وطن لم يكن يمِيز "عليا" عن "عمر" وفق منطلق الانتماء الديني او الطائفي.
ما يثير الانتباه اكثر هو "حدة "رفض معظم العراقيين القاطنين في اوربا واستراليا والدول الاسكندنافية فكرة العودة الى وطنهم، بل ان الكثير من العراقيين هناك تقدموا "بمناشدات" الى وزارة المهجرين والمهاجرين العراقية "للضغط" على البلدان التي يسكونها لمعارضة اي قرار " سياسي او اقتصادي "يمكن ان يصدر ويطالب بعودتهم.
ربما لو استمعنا لقصص هؤلاء المهاجرين ورحلة العذاب التي قادتهم الى تلك المدن الاوروبية وطريقة وصولهم اليها،لقدمنا لهم العذر،وادركنا وجعهم حين مسّدت "يد" الموت وجوههم.. غرقا على السواحل الاستراليا اوالاسبانيا.
استمرت يد الله في انتشال بعضهم من حطام القوارب الصغيرة التي بالكاد تحمل اربعة ركاب، وتزايدت قسوة المهرب وهو يحشر الكثير من المعذبين ـ مزودين بـ "كيس" لقضاء حاجاتهم،يصلون (بمرارة الروح ) ثم تجيء محنة " الكمب " على الضفة الاخرى، (والكمب هو معتقل للاجئين غير الشرعيين)، لتضيع سنوات اخرى بانتظار رحمة المسؤولين في تلك البلدان، للسماح لهم بالخروج وممارسة حياتهم المؤجلة،بعد كل هذا الضيم... هل من السهولة الطلب من هؤلاء العودة الى وطن يحترق يوميا...
ليس من الواقعية ان نلوم هؤلاء على البقاء بعيدا عن حرائق الوطن، وهروبهم الى "جبل من البعد" يعصمهم من طوفان الكراهية التي تعصف بالعراق.
العودة الى الوطن هاجس كل عراقي صفعته برودة المنفى، وحالت بينه وبين دجلة وبغداد والذكريات والطفولة البعيدة، ولعل القادم يسرّ الفؤاد ويبتكر فضاء الامل والمحبة ليعود( اللحن عراقيا وان كان حزينا ـ مظفر النواب)، ولعل الايام القادمة ستشهد عودة السندباد العراقي من شتى بقاع الله الى حبيبته بغداد.
علي محمد سعيد