أصداء

اختاروا لون ا لطربوش وتوكلوا على الله

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من الموروث الشعبي.. يحكى ان احد الاغوات ورث عن اسلافه الكثير من الممتلكات.. لكنه ابتلي في حياته بعادة القمار وتحول الى مقامر سكير خسر كل ممتلكاته مع الزمن لا بل واستدان من هنا وهناك حتى اتخمته الديون ثم انهكه المرض ولم يبقى الا قصر ابيه عن جده الاغا... وحين جاء الدائنون يطالبونه بحقوقهم ومستحقاتهم لم يجدوا الا المنزل الجميل فاشتروه من الاغا بالثمن الذي ارادوه ولكن بشرط تحقيق طلب الاغا المريض والذي جاء على الشكل التالي : ( انا الاغا... اقر لكم بحقوقكم ولكن لا استطيع تسليمكم المنزل فتصيبني لعنة اجدادي امهلوني حتى ارحل عن دنياي و لكم بعدها ما تريدون... ).

هذا الاقرار الذي لم يجد الاغا منه مفرا امام الحاح المطالبين بحقوقهم يتطابق الى حد كبير مع اقرار المسؤولين السوريين مؤخرا بوجود خلل اجتماعي -على حد قولهم- ناتج عن قانون الاحصاء الاستثنائي اللعين والذي طبقه اسلافهم في محافظة الجزيرة السورية منذ اربعة واربعين عاما للنيل من العرق الكردي والكيان الكردي في المنطقة ظنا منهم حينها ان المستقبل لمنطق القوة وقوة السلطة !.

هذا الاعتراف الخجول الذي يلمح مجرد تلميح الى وقوع الحيف على عدد من المواطنين جراء القانون المذكور دون الدخول في الاسباب والتفاصيل والارقام ودون تحديد الضحايا بعينهم والوقوف عند فداحة الاضرار التي لحقت بهم والاثار السلبية التي تمخضت عن القانون نفسه وتكرست بسريانه على مدار اربعة عقود ونيف اي على مدار جيلين كاملين من البشر و التي انعكست على العلاقة بين الضحايا واقرانهم من المواطنين وبينهم وبين الوطن...!. ان هذا الاقرار الشكلي الذي يتكرر ولا ينفذ انما يستخف يمشاعر الضحايا و لم يعد يطمئنهم ولا القوى الكردية التي تتبنى قضايا جماهيرها في سوريا والتي ما فتئت تنادي بالغاء قانون الاحصاء واعادة الجنسية لاصحابها وتلافي اثار الاحصاء على مدى هذه السنين حتى باتت مفردة الاحصاء كلمة مقززة وغير مرغوب فيها في الخطاب الكردي تماما مثل كلمة الشيطان لدى ابناء الديانة الزردشتية حتى وان كان المقصود هو احصاء اكياس الحنطة او اشجار الزيتون..!.

اقر الرئيس بوجود خلل وكررت نائبة الرئيس واحالوها الى الدراسة ثم التنفيذ ورددها منظروا الحداثة البعثية امثال احمد حاج علي صاحب القول الماثور ( الاكراد العرب السوريون !) ووعد الجميع بانهاء معاناة هؤلاء البشر لكن... لا زال مع وقف التنفيذ ! - ربما خوفا من ان تصيبهم لعنة اسلافهم الاغوات ميشيل عفلق ومحمد طلب هلال و... ! - فوعودهم لم تترجم على الارض والمعاناة لا زالت مستمرة وهؤلاء الناس لا زالوا يتكاثرون ليصل عددهم الى ما يزيد عن سكان بعض الدول وصار من حقهم الطبيعي- اذا اخذوا بنصيحتي والنصيحة لوجه الله - المطالبة بحقوق اوسع كالاعلان مثلا عن جمهورية حكم ذاتي اسمها جمهورية المجردين من الجنسية ! على غرار منطقة" كره كلباكيا" او كره كلباكستان التي تتمتع بالحكم الذاتي في اوزبكستان - ولمن لا يعرفها فهي منطقة تقع في الشمال الغربي من جمهورية اوزبكستان على تخوم بحر ارال وعاصمتها مدينة " نكوس" وعدد سكانها لا يزيد كثيرا عن عدد الاكراد المجردين من الجنسية في سوريا. وكلمة "كره كلباك" تعني بالتركية المحلية القلباق الاسود او الطربوش الاسود اي منطقة ذوي الطرابيش السود - والحكم الذاتي لم يمنح لهم على اساس عرقي او طائفي - فهم من اصل اوزبكي - بل على اسس اخرى منها مثلا لهجتهم المطعمة بالكازاخية وعاداتهم الاقرب الى البداوة منها الى الحضارة وطبيعة اقليمهم الصحراوية وبعدهم عن مناطق الكثافة السكانية والعاصمة وهكذا... ناهيك عن ان في حالتنا واضافة الى لون الطربوش هناك اختلاف العرق واللغة والتاريخ... !

ان تجريد مواطن واحد من الجنسية بدون وجه حق هو بمثابة رميه للضياع وهذه جريمة بحق الانسان حسب العهود والمواثيق الدولية اما ما اقدمت عليها الشوفينية السورية الناشئة في اوائل الستينيات من القرن الماضي فقد ادت الى تجريد اكثر من مائة الف مواطن من الجنسية السورية بحسب تقديرات ابناء المنطقة والمراقبين اي انهم ارتكبوا اكثر من مائة الف جريمة ! وذلك لا لذنب ارتكبه هؤلاء الضحايا سوى انهم اكراد كما خلقهم ربهم ولا ينتمون الى خير امة اخرجت للناس تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر..! ولا يرددون : انا بعث وليمت اعداؤه عربي عربي عربي..! هذه الجريمة ورغم ابعادها الوطنية والانسانية الخطيرة بقيت طي التناسي والتجاهل من قبل الحكومات المتعاقبة على دفة الحكم وكذلك لم تلقى الاهتمام اللائق من القوى والتيارات السياسية والدينية والاجتماعية في البلاد على مدى ما يقرب نصف قرن من الزمن وهذه اكثر بشاعة !!...... و بقيت صرخة الاكراد تردد صداها ضمن البيت الكردي الصغير..الاحصاء الاحصاء... !

ان وعود السلطة - وان كانت مجرد وعود- لم تاتي تلبية لمطالبة الاكراد ولا بدافع ذاتي جراء مراجعة ذاتية او الاعتراف بالجريمة بل محاولة يائسة لاخماد قوة المطالبة التي يشكلها الزخم الوطني الذي يزداد حولها يوما بعد اخر و مماطلة لايجاد متنفس من الوقت تحيك فيها سياسات واساليب اخرى اما بتجزئة القضية الى اجزاء تنفذ وفق خططها الخمسية والعشرية المعروفة ! او الترقيع هنا والتمزيق هناك تحت ضغط الترهيب والترغيب بحجج وملابسات مبتكرة او بتقديم حلول بالقطارة ظنا منها ان الموضوع ومع الزمن سيفقد حرارته و ابعاده الوطنية..!

لا شك ان تطورات السنوات الاخيرة في المنطقة والعالم احدثت نوعا من الحراك السياسي والاجتماعي سواء على مستوى الحكومات اوالمعارضات او الافراد و هذا الحراك ادى بدوره الى مراجعة الحسابات و اعادة صياغة المواقف و اخرجت الى النور العديد من القضايا من بينهامعاناة الاكراد في الدول التي يعيشون فيها الى جانب القوميات الحاكمة والسياسات المنتهجة حيالهم والتعامل الذي يلاقونه من جيرانهم... و هذا ما اكدت عليه البيانات والمواقف التضامنية مع الحق الكردي المهدور والمطالبة بالغاء قانون الاحصاء السئ الصيت واعادة الجنسية المسلوبة الى اصحابها والتي صدرت - اي البيانات - هذا العام مثلا عن غالبية القوى والاحزاب الوطنية ولا سيما تلك التي باتت تعرف بالمعارضة السورية ( اعلان دمشق - جبهة الخلاص..) هذا التضامن الذي سيؤسس في الحقيقة لبداية سليمة لعهد وطني جديد ويعزز مواقف اصحاب التوجه الوطني السوري في الحركة الكردية على حساب الانجذاب الفطري الى المركز القومي ولو عبرالحدود.

يبقى ان نذكر بان تفرقة الاعتصام الاحتجاجي الذي كان مقررا امام دار الحكومة في الذكرى الرابعة والاربعين لتطبيق قانون الاحصاء اللعين لا تعني قوة السلطة ولا يعني فشل الاعتصام بل سيعتبر يوما سوريا ابيض تحلى فيه السوريون بالجراة وخرجوا عن كبتهم ليتجاوزوا حواجز الخوف والممنوع ويعبروا - ولو قلة منهم - عن تضامنهم مع ابناء بلدهم من الكرد ويكرسوا بذلك روح التضامن و التكاتف بين ابناء الوطن الواحد هذه الروح التي يجب ان تسود ويقف العربي الى جانب الكردي والمسلم مع المسيحي وابناء الشام مع الشهباء والساحل مع الجزيرة... ويغدو الوطن لكل ابنائه..... وليس هذا بحلم طالما اراد السورين ذلك ووجدوا السبيل وبدؤوا بالخطوة الاولى.

صلاح علمداري

saalamdari@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف