مجازر الشرق الأوسط وصمت العالم...لماذا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إن ما يجري اليوم في وفلسطين والعراق وما جرى قبل ذلك في لبنان من مجازر وحشية يومية لم يكن إلا تنفيذ لمخطط ذا أبعاد بعيدة المدى رسمه التحالف الصهيو- أمريكي. لقد قرر المحافظين في إدارة بوش الابن ورامسفيلد أن يضعوا الولايات المتحدة في مسار تبشيري وتخطيط "حضاري" يعود جذوره إلي الحملات الصليبية القديمة. بول ولفويتز هو واحد من آخر الباقيين من فريق بوش الأب، وهو الذي قام باستكمال المراجع الثقافية التي تبرر- في عيون المبشرين بالمسيحية المتطرفين - الحجج التوراتية لاحتلال فلسطين من قبل الحركة الصهيونية لأن المسيحيين الغربيين المتطرفين يرون بأن احتلال اليهود لفلسطين ينذر بقرب نزول سيدنا عيسى عليه السلام. ولذلك فإنهم يرفضون أي إدانة للوحشية الإسرائيلية وما تقوم به من مجاز يومية في فلسطين وتهجير السكان وسلب الممتلكات والأراضي.
كما يرى رجال التبشير المتطرفين وفي مقدمتهم فريق السلطة في البيت الأبيض أن تحالفهم مع اليهود هو محور أساسي لإبعاد الإسلام عن الساحة الدولية وعزله عن المساهمة في تقدم ركب الحضارة الإنسانية. وبالرغم من أن الإسلام الحنيف هو أيضاً ديناً إبراهيمياً إلا أنه مرفوض من قبل هذا التيار المتطرف الذي تتمحور قناعاته حول ما يسميه مؤيديه بـ" العالم اليهودي-المسيحي" والذي يعتبر بالنسبة لهم ولمفكريهم بأنه العالم الذي أنشأ الديمقراطية الحديثة رغم العداء القديم بينهما. بينما العالم الإسلامي فهو في نظرهم عالم "عاجز" عن المساهمة في التقدم البشري. وبعيداً عن الجانب العنصري الأساسي الذي تحتويه أفكارهم تلك، فإنه من المؤكد أنها أصبحت تتكرر في الفكر الغربي الحديث حيث أنها تستخدم لتبرير الاحتلال ومهمته - كما يدعون- "الحضارية". فالتاريخ يعيد نفسه، ويذكرنا هذا الوضع بما قام به الأوروبيون في القرون الماضية من احتلال أراضي الغير في أمريكا وآسيا وأفريقيا والمحيطات، وارتكاب المجازر التي لم يعترفوا بها قط حتى الآن. والعجيب العجاب أنهم يفرضون على الآخر الاعتراف بمجازره ( كما يحدث حالياً في كواليس البرلمان الفرنسي في استصدار قانون يدين إنكار حدوث مجازر للأرمن من قبل تركيا). إن مذابح الهنود الحمر في أمريكا والانتصارات الأوروبية تمثل سبب آخر يخدم أمريكا لكي لا تعترف أوروبا بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والذي وجد على الأراضي الفلسطينية بنفس المبدأ. وهذا سبب آخر يجعل الغرب لا يفصح في إداناته للاحتلال الإسرائيلي على جرائمه لأنهم منزعجين من ماضيهم الاستعماري وما رافقه من جرائم حرب وتشريد ونهب. فلا نجد إي إدانة بصريح العبارة من قِبل المجتمع الأوروبي للمجازر التي تُرتكب في الأراضي العربية المحتلة لأن ما يرتكبه اليوم الاحتلال الإسرائيلي بمباركة أمريكية قد ارتكبوه هم أنفسهم بالأمس في بقاع كثيرة من العالم. لكن التاريخ قد سطر تلك الأحداث القديمة ونقل معه إلى هذه الأجيال الحديثة تلك الموروثات الثقافية القديمة، ومن هنا يتغذى صراع الحضارات.
إن الطموحات الإمبراطورية لأمريكا تتجلى يوما بعد يوم، حيث لم تكتف إدارة بوش المتطرفة بدعم الكيان الصهيوني فحسب بل تطمح بتنفيذها مشروعها الرامي إلى إقامة شرق أوسط جديد "صناعة أمريكية". وقد قالتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس و من دون مواربة، وبلغة واضحة لا تحتمل التأويل، حين وصفت ما تعرض له لبنان من اعتداءات إسرائيلية وحشية وبربرية في يوليو 2006 بأنه "مخاض لشرق أوسط جديد". إن أقطاب السياسة الأمريكية في إدارة بوش يعملون جاهدين لفرض السيادة الدولية على الشعوب الفقيرة تحت مسميات ومشاريع عدة. فالتمييز بين الناس حسب معتقداتهم الدينية وثقافاتهم وعزلهم في حضارات متعارضة كما يحدث اليوم ووصفها لحركات التحرر والمقاومة المشروعة بحركات إرهابية يؤدي إلى تأصيل نبرة العداء بين الشعوب والتي كانت السبب في ظهور أوضاع مأساوية في القرون الماضية. وهاهي تتكرر الآن من قبل إدارة بوش وحليفها العدو الصهيوني. وما تلك المجاز اليومية في العراق إلا من صنع أمريكي بريطاني وحلفائهم، وما يحدث من مجازر في فلسطين والعراق وتلك التي حدثت في لبنان تحت مرأى ومسمع العالم وبمباركة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ليس إلا بداية لتحقيق أهداف تلك الإدارة الحاقدة على العالم العربي متناسين أن هذه البلدان الثلاث تتعايش فيها بسلام ديانات عدة منذ زمن طويل. فالمشرق العربي مهد الديانات السماوية ولذلك فهو يؤمن بالحرية الدينية أكثر مما تؤمن به أمريكا وحلفائها الذين لا ينظرون للعالم الآخر إلا من زاوية مصالحهم وأهدافهم الضيقة. الغرب قابع في صمته وكأن الأمر لا يعنيه.
إن النزعة الاستعمارية والنبرة العدائية تجاه الشعوب العربية والإسلامية والشعوب الضعيفة تعد سمة من سمات إدارة بوش التي تحلم في توسيع إمبراطوريتها لتسيطر على هذه الشعوب ومقدراتها. لكن التاريخ علمنا بأن الدكتاتوريات لن يكتب لها البقاء طويلاً. والأحرى بالإدارة الأمريكية- وليس بالعيب- أن تتخذ من الحضارتين الإغريقية والعربية قدوةً لها لإرساء قواعد صلبة لحضارتها لأن تلك الحضارات عاشت زمن طويل وأستمر فكرها يغذي الحضارة العالمية لسبب بسيط وهو أن هاتين الحضارتين كانتا تهدفان إلى إشعاع العالم وليس لفرض السيادة السياسية والوصاية على الشعوب. كما أن الكيان الصهيوني الملطخ بدماء الأبرياء فإنه سوف لن يُكتب له البقاء ولن ينعم بسلام واستقرار ما دامت لغته هي لغة الدم وما دام ينهش في لحوم البشر.
عبدالغني الحاجبي
باحث يمني - باريس