فك الإرتباط وتقاطع المصالح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تعقيباً على مقالنا المعنون ب"فك الإرتباط" وجدنا تفاعلاً مهماً بهذا الموضوع الأمر الذي دعاني للكتابة من جديد وإليكم ملخص ما جاء في مقالنا السابق : الربط بين فك الإرتباط وبين الموت حيث أن الموت هو فك الارتباط بين الروح والجسد كما ربطنا بين فك الإرتباط وبين معركة فرنسا في بناء النموذج العلماني حيث أعتبر هذا النموذج هو نتيجة لفك الإرتباط بين الدولة والكنيسة.
كما ذكرنا تاريخ إعلان قرار فك الإرتباط في 31/7/1988م، وطرحنا سؤال عن ماهي المبررات والدوافع التي حدت بالحكومة الأردنية لنفض الغبار عن هذا الملف الخطير ؟ وتحدثنا عن الأضرار التي تعرض لها آلاف من أبناء الضفتين الشرقية والغربية كنتيجة لما ترتب على تنفيذ وتطبيق القرار كما تم التلميح بالخوف من قرار إعادة النظر هذا.
كما ناشدنا أعضاء اللجنة المشكلة بهذا الخصوص أن يكون هدفها الحقيقي والجوهري هو إعادة تصويب الاخطاء وتنقيح الاجراءات ورد المظالم الى أهلها وأن تكون عوناً لهم لا عوناً عليهم، وطالبنا القيادة السياسية والإستخباراتية بتوضيح الخطوة السياسية الكبيرة التي من أجلها تم الإعلان عن فتح هذا الملف الكبير والخطير.
وذكرنا عن النتائج الأولية لإعادة تشكيل لجنة قد أفرزت إعترافاً رسمياً بوجود تعسف وكذلك أن مراجعة القرار أصبحت ممكنة، وذكرنا بعض آراء المحللين السياسيين بخصوص الهدف وذكرنا أيضاً وجهتي نظر مختلفتين بين مؤيدي هذه الخطوة ومعارضيها ونصحنا المسؤولين بالعودة الى الجذور التاريخية للربط والفك منذ العام 1950م ومروراً بعام 1988م وإنتهاء بعام 2006م. مع التأكيد على أن عمر الإرتباط دام ثمان وثلاثون عاماً أما عمر الفك حتى الآن دام ثمانية عشر عاماً، وختمنا المقال بنظرة تشاؤمية خصوصاً بأن من يحكم العلاقة بين الفرد والدولة هي الأجهزة الإستخباراتية.
كانت تلك هي المقدمة التي سنبدأ بها مقالنا هذا، فالملف يحتاج الى دراسة الكثير من الوقائع السياسية على الأرض للربط بين التوقيت لدراسة هذا الملف وبين الأحداث في المنطقة، فهناك أزمة حقيقية بين رأسي السلطة في فلسطين المحتلة، وهناك خروج إسرائيلي خاسر من حرب لبنان مع حزب الله، وهناك رغبة دولية في تحريك عملية السلام وخصوصاً أن إسرائيل لم تستطع نزع سلاح حزب الله في لبنان بل يمكن القول أنها لم تحقق نصر إستراتيجي يؤهلها أن تملي شروطها على المنطقة برمتها، وكذلك ظهور بوادر تحالف سني في المنطقة لمواجهة المد الشيعي وهو ما أعلنه الملك عبدالله الثاني في أكثر من مناسبة وعقب عليه الرئيس المصري حسني مبارك.
وكما يرى علماء النفس أن النمو عند الإنسان يتعرض الى عدة مراحل فينتقل من عمر الشيء إلى عمر الشخص ثم ينتهي إلى عمر الفكرة عندما تكتمل قواه النفسية والإدراكية، فالصبي الصغير لا فرق عنده بين ثدي أمه وبين الرضّاعة الاصطناعية، ولا فرق عنده بين أن يجلس بقربه شخص أو نضع بقربه دمية متحركة، فإن تركيزه على الحركة واللون والصورة أكثر من تركيزه على مصدرها ومن يقوم بها، أما الشاب الذي بدأت قواه الإدراكية في التطور، وأخذت قواه النفسية في النمو فإنه يحتاج إلى نموذج عملي كشخص يتمثله ويبني عليه شخصيته، ويقلده في تصرفاته، ويتبعه في أفكاره.
وعندما يبلغ الإنسان مبلغ الرشد بحيث يستطيع أن يفصل بين الفعل وفاعله، وبين الشخص والفكرة، وحينما يرتقي إلى مرتبة إدراك الحقائق في ذاتها ووفق قوانينها، فإنه يستقل بشخصيته ويصبح قادرا على التمييز بين الفعل وبين صاحب الفعل، وتكون له القدرة على فك الارتباط بين فعل الشخص السليم وفعله الخطأ، ذلك أنه صارت لديه مبادئ مجردة عن الحق والعدل والخير والشر وغيرها اكتسبها أثناء مسيرة حياته بمختلف أبعادها النفسية والتربوية والاجتماعية وغيرها.
وهنا نتساءل في أي مرحلة يمر بها أولي الحل والعقد في النظام السياسي العربي هذه الأيام ؟، وهل تمت الإستفادة من تجارب الماضي فيما يتعلق بالإرتباط وفك الإرتباط ؟، وهنا ينبغي التذكير ببعض أفكار الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي عمل على فك الإرتباط بين الدين والدولة حين كان يكرر لادين في السياسة ولاسياسة في الدين حتى راح ضحية أفكاره تلك.
ونريد أن ندخل في العمق قليلاً فقد ذكرت الصحف الأردنية ردوداً مختلفة على تصريحات صدرت عن بعض زعماء حركة حماس في شأن عدم اعتراف الحركة بقرار فك الارتباط مع الضفة الغربية التي كانت تحت سيادته، وكان هذا الكلام قبل فوز حماس بالإنتخابات، وحين فازت فإن الأمر قد طرأ عليه بعض التغيير، ولاسيما أن نتائج الإنتخابات البرلمانية في الأردن قد أفرزت أيضاً فوز من هم مؤيدين لحركة حماس وغالباً ماتستدعيهم رئاسة الوزارة لتعنيفهم وإتهامهم بالإنتماء الى حركة حماس أكثر من إنتمائهم للوطن، علماً بأن فك الإرتباط مع الضفة الغربية كانت ضد السلطة الفلسطينية لا دعماً لها.
أما النواب الذين تم إستدعائهم هم : علي أبو السكر، ومحمد ابو فارس، وابراهيم المشوخي، وجعفر الحوراني بل وتم إعتقالهم مرتين الأولى في سجن الإستخبارات والثانية في سجن الجفر الصحراوي والتهمة هي التعزية في وفاة أبي مصعب الزرقاوي على إعتبار أن ذلك بسبب "السخرية من مشاعر الشعب الأردني وعائلات ضحايا تفجيرات عمان ودعم وتشجيع الإرهاب علماً بأن الإستخبارات هي التي طلبت من عائلات ضحايا تفجيرات عمان بأن ترفع شكوى ضد هؤلاء النواب لتصبح التهمة من تقديم واجب العزاء الى السخرية بمشاعر عائلات الضحايا والشعب الأردني، علماً بأن الملك حسين قام بالتعزية عند إغتيال إسحاق رابين.
ونحب أن نذكر ببعض الأحداث التي أصبحت من الماضي الآن ففي العام 1999م جرت وساطة بين دولة عربية وبين الأردن لنزع فتيل الأزمة بين حركة حماس والأردن لإعادة إستقبال زعماء الحركة الأربعة الذين أبعدتهم الأردن عن أراضيها وقبلت الأردن إستقبالهم إستجابة للوساطة ولكنها مالبثت أن أبعدتهم مرة ثانية وهؤلاء الزعماء هم : خالد مشعل، ومحمد نزال، وموسى أبومرزوق، وإبراهيم غوشة.
إن هؤلاء الزعماء هم ضحايا فك الإرتباط علماً بأن هناك ضحايا آخرين مثلهم وكلنا نذكر الأزمة السياسية بين عمان والدوحة حين عاد إبراهيم غوشة عام 2002م الى عمان على متن طائرة قطرية عندها قررت السلطات الأردنية احتجاز الطائرة لعدة أيام، حيث اعتبر الأردن أن الإعادة بهذه الطريقة "يعد انتهاكا للسيادة والأمن الأردنيين" علماً بأن جميع هؤلاء المبعدين الأربعة، يحملون الجنسية الأردنية ولأنهم أعضاء في منظمة غير أردنية فيجب سحب الجنسية الأردنية منهم طبقاً لقرار فك الإرتباط.
وطالب الكتاب الأردنيون ومن بينهم صالح القلاب العضو في مجلس الأعيان ووزير الإعلام الأسبق والكاتب الإسلامي سميح المعايطة حركة حماس "بالمطالبة بإلغاء منظمة التحرير الفلسطينية التي طالبت أن تكون ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، إذا رغبت فعلا في الغاء قرار فك الارتباط المتخذ من جانب الأردن".
وقال صالح القلاب إن هذه هي المشكلة إنها ليست مشكلة جوازات سفر ولا مشكلة إغلاق المكاتب التي أغلقت في عام 1999م، إنها مشكلة الإعتداء على سيادة الاردن فالأردن عندما إتخذ ذلك القرار في عام 1988م، لم يفعل سوى ممارسة سيادته التي لا يحق لأي تنظيم غير أردني ولا لأي مسؤول في هذا التنظيم الإعتراض لا على ممارستها ولا على إتخاذ قرار كهذا القرار المشار إليه، وهنا أتساءل ماهو موقف هؤلاء الكتاب حينما يقرر الملك إعادة الإرتباط ؟.
ولاسيما أنهم يؤكدون دوماً وهم أكثر من دافع عن هذا القرار بالقول أن قرار "فك الإرتباط" بين الضفة الغربية والضفة الشرقية مرتبط بقرارات دولية، وبقرار إستمرت القمم العربية تؤكد عليه منذ قمة الرباط في عام 1974م، وحتى القمة الأخيرة، وهي قرارات كلها تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.
وكانوا دوماً يؤكدون أن الأردن عندما إتخذ قرار فك الإرتباط كان إستجابة لرغبة الشعب الفلسطيني الذي بات يرى، بعد الإعتراف العربي والدولي بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد له، بأن من حقه أن يقرر مصيره بنفسه وان يقيم دولته المستقلة على أرض قطاع غزة وعلى أراضي الضفة الغربية، ونحن نقول (أي الكاتب)، أن هذا الشعب لم يستفتى ولم يستشر بخصوص هذا الأمر وكما قال الشاعر لبست ثوب العيش لم أستشر وحرت فيه بين شتى الفكر.
ويؤكد هؤلاء الكتاب أيضاً إن السيد نايف حواتمة، كان أول من نادى بفك الإرتباط بين الضفة الغربية والضفة الشرقية وكان هذا في مطلع عقد سبعينات القرن الماضي عشية إندلاع حرب تشرين الأول (اكتوبر) عام 1973م، وهو أي نايف حـواتمة لايزال يعتبر صيغة ما قبل حزيران (يونيو) 1967م، "ضما وإلحاقا " وإعتداء على الهوية الوطنية الفلسطينية.
وبهذا فإن المشكلة مع بعض قادة "حماس"، الذين رفضوا معاملتهم كمواطنين أردنيين لا يحق لهم الانتماء لمنظمة غير أردنية وإختاروا مغادرة الاردن هو أنهم إنسجاما مع رفضهم لقرار "فك الإرتباط" قد بدأوا يتدخلون في الشأن الداخلي الأردني وبدأوا يتعاطون مع قواعد الإخوان المسلمين على إعتبار أنها قواعدهم وقواعد حركتهم.
ويضيف هؤلاء الكتاب.. والواضح من كلام بعض قادة "حماس"، وقولهم ان حركة "حماس" لا تعترف بقرار فك الإرتباط، أن هناك نية لإستغلال الفوز الذي حققته هذه الحركة لتعود حليمة الى عادتها القديمة فتتدخل في الشأن الأردني الداخلي وتجدد المحاولات السابقة للسيطرة على الإخوان المسلمين وعلى حزب جبهة العمل الاسلامي وكل هذا سيكون إساءة ما بعدها إساءة للعلاقات الحميمة بين شعبين شقيقين هما الشعب الأردني والشعب الفلسطيني وأيضا إساءة للوحدة الوطنية الاردنية.
وهنا فإنه على "حماس"، إن هي بالفعل لا تعترف بفك الارتباط بين الضفة الغربية والضفة الشرقية، أن تعلن لشعبها الفلسطيني ضرورة حل منظمة التحرير وإلغاء السلطة الوطنية الفلسطينية والمجـلس التشريعي الفلسطيني، الذي فازت بإنتخاباته الأخيرة، وأيضا توجيه خطاب، صريح وواضح لا لبس فيه، لأهل الضفة الغربية بأن عليهم ان ينسوا حكاية تقرير المصير وحكاية الدولة المستقلة وأن يعودوا لصيغة مؤتمر أريحا الشهير وللوضع الذي كان قائما قبل حزيران (يونيو) عام 1967م.
وهنا لابد لنا من وقفة ورد على كل من ينادي بإستمرار فك الإرتباط وتبعاته السيئة على الشعب في الضفتين وكما نعلم فإن هناك إستحقاقات جاءت كنتيجة لقانون الضم، يصعب على الخبراء في السياسة والقانون وعلم الإجتماع أن يجدوا مخرجاً لمثل تلك القضية غير الإستفتاء الشعبي فمنذ الضم عام 1950م أصبح هناك فلسطينون يحملون الجنسية الأردنية وإن كانت أصولهم فلسطينية والسؤال الآن هل يحق لهؤلاء أن يجبروا على التخلي عن حقهم في النضال لاسترداد حقهم المسلوب من قبل إسرائيل إذا أرادوا الاحتفاظ بحقوقهم في المواطنة الأردنية ؟.
والسؤال الثاني هو لماذا تخلت الأردن عن إعادة الضفة الغربية الى أصحابها ؟، وهي التي إحتلتها إسرائيل في حرب عام 1967م بعد أن كانت وديعة لدى الشعب والقيادة الأردنية ودأبت على الإسراع في توقيع معاهدة وادي عربة لتأكيد الحق الأردني على حساب الحق الفلسطيني خوفاً من تحقيق فكرة الوطن البديل وعملت على التأكيد دوماً للأردنيين بأن لا علاقة لهم بالنضال والكفاح لاسترداد الحق العربي من براثن الإحتلال الصهيوني بل أصبح الأردن هو الوسيط بين الكيان الصهيوني وبين السلطة الوطنية وتجلى ذلك في لقاءات عديدة مثل لقاء العقبة ولقاء البتراء وغيرها من اللقاءات.
والسؤال الثالث هو هل أن إعادة دراسة قرار فك الارتباط ليكون بمثابة تطوير للقرار ؟ ليكون قرار لفك الارتباط الشعبي والمعنوي والحقوقي والسياسي وغيرها وهو ما يعني عملياً تخلياً رسمياً عن الدعم العملي لحقوق الشعب العربي ونضاله من أجل إستعادة حقوقه المشروعة، رغم التأكيدات على الدعم السياسي للقضية الفلسطينية المتمثلة بالسلطة الوطنية فقط وليس منظمة التحرير الفلسطينية.
إن الإجابة على تلك التساؤلات سوف تمثل بمجموعها موقفاً رسمياً جديداً يؤثر على قواعد وأصول العلاقات بين الضفتين تلك التي أسست بقرار الوحدة أو مايسمى قرار أريحا الشهير كما يعتبر موقفاً سياسياً استباقياً لتكريس مفهوم التوطين، إذ على الأردني من أصل فلسطيني أن يقرر اليوم إذا كان يريد الاحتفاظ بجنسيته الأردنية أم لا، حيث لا يستطيع ممارسة دوره الأردني كمواطن والفلسطيني كمناضل أو متعاطف أو داعم لمقاومة الاحتلال الجاثم فوق الأرض الفلسطينية في نفس الوقت.
وهذا ما أشرنا إليه تلميحاً عندما ذكرنا قضية إعتقال النواب الأربعة سابقي الذكر ولكن وجدنا هنا لزاماً علينا التصريح لا التلميح في قضية أصبحت تقض مضاجع الكثير من الفلسطينيين لأنها بصراحة تامة تعني إذا أردت أن تكون أردنياً برقم وطني يجب التخلي عن حقوق المقاومة أو الترحيل كما هو مصير المبعدين على الحدود في مخيم الرويشد بين الأردن والعراق وإن كانت إستجابت كندا لقبولهم على أراضيها تخفيفاً لمعاناتهم التي طال إنتظار إيجاد حلول لها.
ونرجوا أن لا يكون إعادة النظر في قرار فك الإرتباط بمثابة مقدمة للحل النهائي لقضية فلسطين على أساس التوطين، وإنما تشبهاً بأمريكا والدول الغربية حين يتمتع اليهودي فيها بحقوق المواطنة الكاملة في الدولتين ؟.
مصطفى الغريب