وباء الميليشيات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سمة العهود الجمهورية العراقية
يمكن القول بأن المجاميع المسلحة الغير نظامية التي تتبع في الغالب أحزاب سياسية تستخدمها وتُسَخّر أفرادها لتنفيذ عمليات عسكرية وتصفيات سياسية للخصوم والتي يطلق عليها دولياً مصطلح الميليشيات هي واحدة من أخطر الأمراض التي فتكت بالعراق منذ نصف قرن من الزمان بل ويمكن إعتبارها وباءً مزمناً بدء يتفشى في الفكر والواقع السياسي العراقي منذ العهد الجمهوري الأول وحتى العهد الحالي الذي يمكن تسميته بإمتياز وبدون منافس ( عهد الميليشيات ) في ظل السطوة الحالية المطلقة للعشرات من هذه المجاميع المسلحة على رقاب وحياة العراقيين وهو ما يُحتم علينا مواجهتها والقضاء عليها بشتى الطرق الممكنة هذا إذا كانت قوانا السياسية تحترم نفسها وتأريخها حقاً وتريد حقاً بناء دولة قانون وإذا كنا نريد جميعنا حقاً بناء مجتمع مدني متمدن ومتحضر وليس دولة بطيخ ومجتمع غاب يعيش أجواء أدغال وكهوف القرون الوسطى.
ولكن من بين كل العهود التي عاشها العراق والعراقيون في تأريخهم الحديث يمكن تمييز عهد وحيد ويتيم لم يشهد وجود وسطوة هذه الميليشيات على مقدرات المجتمع العراقي و واقعه السياسي ألا وهو العهد الملكي الذي يمكن القول وبكل ثقة بإنه كان العهد الوحيد في تأريخ العراق الحديث الذي من حقه أن يفخر بأنه كان عهداً نظيفاً وخالياً من المجاميع المسلحة الحزبية الغير نظامية التي تقتل الناس على الهوية والرأي ولم يكن عهد ميليشيات.. والسبب هو لأن هذا العهد أراد بكل صدق وإخلاص أن يبني ويؤسس دولة قانون لا أن يستولي على دولة في جنح الظلام كما فعل من جاؤوا من بعده كما إن العهد الملكي كان يُطبّق القانون بأجهزة السلطة الرسمية من شرطة وجيش نظاميين وطنيَين لا بإرهاب الميليشيات وترويعها للآمنين كما حدث في العهود الجمهورية الغابرة وكما يحدث اليوم.. فأول ما قام به فيصل الأول عندما أصبح ملكاً للعراق هو تأسيس جيش وطني أسماه الجيش العراقي للدفاع عن العراق ولحماية شعبه من الإعتدائات الخارجية ولم يؤسس ميليشيا ليدعم بها مُلكه وحُكمه وكانت أولى خطوات تأسيس ذلك الجيش هي تشكيل فوج أسماه فوج " موسى الكاظم " تيمناً بإسم جده الأمام موسى بن جعفر الكاظم ( ع ) ولم يُسمِّه " المقاومة الشعبية " أو " الحرس القومي " أو " الجيش الشعبي " أو " جيش..............." كما يحدث اليوم بل حتى لم يُسَمِّه الجيش الملكي على سبيل المثال كما في بعض الأنظمة الملكية الأخرى لأنه جاء الى العراق وجلس على عرشه بناءً على رغبة العقلاء والحكماء من أبنائه ليبني ويؤسس دولة ولم يستولي على الحكم بقوة السلاح وبدعم ميليشيا مسلحة كما لم يُفكر لاهو ولا ولده ولا حفيده رحمهم الله جميعاً بتشكيل ميليشيات مسلحة ليحافظوا بها على حكمهم ومُلكَهم بأي شكل كان كما فعل من جاؤوا من بعدهم في العهود الجمهورية الميليشيوية.
فبعد إنقلاب 14 تموز 1958 ظهرت في الشارع العراقي أول ميليشيا عرفها تأريخ العراق الحديث ألا وهي ميليشيا " المقاومة الشعبية " والتي كانت الذراع العسكرية لتيار اليسار العراقي وقد بدأت هذه الميليشيا مسيرتها بأن نَصّبت نفسها حاميةً للقانون الذي تراه هي وللدولة التي كانت تريدها هي ( وبالتحديد لدولة ثورة 14 تموز وهو الوصف الذي أطلقته على ذلك الإنقلاب) بدلاً من أجهزة الدولة الرسمية.. إذ كانت هذه الميليشيا تُصدر الأحكام وتُنفذها بنفسها بقوة السلاح وكونها كانت حامية حِمى ( ثورة 14 تموز ) فقد كانت ذراعها الضاربة على مناوئيها وعلى المختلفين معها وما حدث في الموصل وكركوك أبان ثورة الشواف وما بعدها مما يؤسف له شاهد حي على الممارسات التي إتبعتها هذه الميليشيا آنذاك ضد خصومها وخصوم ( الثورة ).
وبعد إنقلاب 8 شباط 1963 الذي قام به التيار القومي في العراق وعلى رأسه حزب البعث حَذا هؤلاء حَذو من سبقوهم بتشكيل ميليشا خاصّة بهم لتكون ذراعهم العسكرية الضاربة ضد أعدائهم أسموها " الحرس القومي " والتي بدأت مسيرتها في صباح ذلك اليوم المشؤوم وما تلاه بتصفية وقتل العشرات من أنصار العهد الذي سبقها وكل من وضعه حظه العاثر في طريقها ولاتزال الممارسات اللاإنسانية التي إتبعتها هذه الميليشيا ضد خصومها ومعارضي إنقلابها ( الذي سَمّته هي الأخرى ثورة ) شاخصة في أذهان الكثير من العراقيين.. وكان الجديد في هذا العهد هو أن هذه الميليشيا قد أصبحت لها صفة قانونية ومعترف بها رسمياً من قبل الدولة التي دعمتها وإتكأت وإعتمدت عليها في نفس الوقت لتنفيذ العديد من مخططاتها وأهدافها آنذاك وأصبحت هي القوة الضاربة في الشارع العراقي مقابل إضعاف دور الشرطة وأجهزة الأمن الأخرى.
أما بعد إنقلاب البعث الثاني في 17 تموز 1968 فقد شهد الشارع العراقي ظهور العديد من الميليشيات كانت أولها ميليشيا " الجيش الشعبي " الذي شُكّل بعد إندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 بحجة أنه الظهير الساند للجيش العراقي النظامي في حربه ضد الجيش الإيراني والحامي للجبهة الداخلية للبلاد لكن الحقيقة هي أن الهدف من تشكيل هذه الميليشيا كان عسكرة المجتمع العراقي وسَوق الألوف من أبناءه الى محرقة الحرب العراقية الإيرانية بأسلوب بوليسي إرهابي لايزال عالقاً في ذاكرة العراقيين حتى هذه اللحظة.. وفي عقد التسعينات وعلى أثر هزيمة النظام السابق في حرب الخليج الثانية بعد غزوِهِ للجارة الكويت ظهرت العديد من الميليشيات مثل " جيش القدس " و " جيش النخوة " ولكن أشهرها وأسوئها على الإطلاق كانت ميليشات " فدائيوا صدام " التي كانت تتكون من ( أشبال صدام وفدائيوا صدام وفدائيات صدام وإنتحاريوا صدام ) وكان قائد هذه الميليشات وبشكل علني ورسمي الإبن الأكبر لرأس النظام السابق وكان لها علم خاص وشعار خاص وقيادة خاصة وزيّها وتسليح أفرادها خاص ولاترتبط بأي جهاز من أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية الأخرى وكانت تقوم بين الحين والآخر بإستعراضات عسكرية في شوارع بغداد والمحافظات الأخرى تطلِق عبرها شعارت وهتافات كانت تثير الرعب والخوف في نفوس أغلب العراقيين وكانت هذه الميليشات تقوم بممارسات لاإنسانية ومشينة ومثيرة للإشمئزاز تجاه العراقيين ومن أشهر ماقامت به هذه الميليشات هو عرض عسكري لها عُرض في التلفزيون العراقي آنذاك صَوّرَ مجموعة من فدائيي صدام وهم يطاردون ذئباً برياً في العراء ثم يمسكون به ويقومون بتقطيع أوصاله وهو حي وإلتهامها أمام شاشات التلفزيون.
واليوم فأن الكثير من القوى والأحزاب السياسية التي عادت الى العراق بعد سقوط النظام السابق مع ميليشياتها وتشارك اليوم في ما يُسمى بالعملية السياسية لازالت تحتفظ حتى الآن بهذه الميليشيات التي أصبح بعضها اليوم أقوى وأشد نفوذاً بكثير من السابق.. أما بعض القوى السياسية التي ظهرت في داخل العراق بعد سقوط ذلك النظام فقد حذت بعضها حذو السابقين لها وقامت هي الأخرى بتأسيس ميليشيات من الداخل بات بعضها الآن أقوى بكثير من ميليشيات تلك القوى التي عادت من الخارج ( أي أن التلميذ قد تفوق على أستاذه ).. وهنا لابد من الإشارة الى أن الهدف من كل هذه الميليشات التي تعيث اليوم في أرض العراق فساداً والتي تنشُر فيها يومياً بل وفي كل ساعة ولحظة الموت والدمار هو بكل تأكيد لإستخدامها في الصراع الحالي الذي يشهده العراق بين هذه القوى من أجل المصالح الذاتية والفئوية والحزبية الضيقة ومن أجل الحصول على أكبر جزء من الكعكة العراقية ولتهديد وتخويف وترويع المواطنين البسطاء والخصوم السياسيين وتصفيتهم كما حدث في الإنتخابات الأخيرة والتي سبقتها وكما يحدث يومياً في العراق وبغداد خصوصاً ( بدليل الجثث المجهولة الهوية التي يُصبح عليها العراقيون يومياً في الشوارع ) والأهم من هذا وذاك لكونها تُمثّل ذخراً لليوم الأسود الذي تعلم بعض القوى والأحزاب وخصوصاً تلك التي تمسك اليوم بزمام السلطة في العراق وتصك عليها بأسنانها بأنه ينتظر الكثير منها وهو قادم قريباً لا محالة.. وبما أنها لا ولن ترضى بتسليم هذه السلطة التي بين يديها الآن بسهولة بل ولا تتصور حتى ذلك كونها تعتبرها إستحقاقاً إنتخابياً كما تدّعي بل وتراها بعضها حقاً شرعياً ومنصوص عليه إلهياً لها لذا فهي تُخطط وتنوي الإستعانة بهذه الميليشيات عندما ( تطُك الطكّة ) لمنع حدوث ذلك بقوة السِلاح بغض النظر عن النتائِج.
المشكلة هي أنه في كل مرة يتم فيها إثارة موضوع هذه الميليشيات أو إنتقادها وإنتقاد فكرة الإبقاء عليها كأجسام غريبة غير قانونية في داخل جسد الدولة العراقية يخرج علينا البعض بمقولة أن هذه الميليشيات قد ناضلت وقارعت النظام السابق.. بدئاً إن هذا الكلام لايجوز إطلاقه على جميع الميليشيات الموجودة حالياً على الساحة العراقية فالكثير من ميليشيات اليوم لم تكن موجودة بالأمس القريب وليس لها أي تأريخ نضالي وإنما ظهرت على السطح بعد سقوط النظام السابق لتكون الذراع العسكرية الضاربة لرموز وأحزاب وقوى أفرزها الفراغ السياسي الذي أعقب سقوط ذلك النظام بل إن بعضها يحوي في صفوفه أفراد كانوا من منتسبي ميليشيات النظام السابق كفدائيي صدام على سبيل المثال.. أما الميليشيات التي يقال بأنها قد ناضلت في السابق ضد نظام صدام فمبرر وجودها قد إنتفى بسقوط ذلك النظام في 9 نيسان 2003 لذا فما الذي تفعله حتى الآن وبعد ثلاث سنوات من ذلك التأريخ ؟.. وبالتالي لا يوجد أي مُبرِّر من الممكن أن يدفع أي عراقي وطني مخلص ويَدّعي الحرص على مصلحة العراق والعراقيين الى السكوت على الممارسات الغير قانونية والغير إنسانية التي تقوم بها بعض هذه الميليشيات تجاه البلاد والعباد والتي تزداد سوئاً يوماً بعد آخر.
إن الحل الوحيد لمعالجة وباء الميليشيات المتفشي في العراق اليوم هو بإعطاء مهلة قصيرة جداً لهذه الميليشيات لحل نفسها طوعياً ( بالمعروف ) ومن ترفض منها هذا العرض تقوم الدولة بحَلّها ( بالقوة ) وبدون أي نقاش أو تفكير.. ولكن قبل هذا وذاك يجب على الدولة أن تمتلك الشجاعة السياسية والتأريخية للإعتراف بأنها هي نفسها مخترقة من قبل هذه الميليشيات وأن تقوم عملياً وليس فقط بالكلام بتطهير دوائرها من هذه الميليشيات التي نَفَذَت وتُعشعِش الآن في أغلب مفاصل الدولة العراقية من وزارات ومؤسسات ودوائر وجيش وشرطة بل أن لبعضها اليوم اليد الطولى في تعيين وفصل الموظفين من بعض أجهزة ودوائر الدولة وإلا فأن مسألة حلها ستكون مستحيلة منطقياً ومن دون معنى.. أمّا مايُطرح من مقترحات وأفكار حول دمجها بالكامل أو دمج عناصرها كأفراد بالجيش والشرطة أو تحويلها الى أي شكل من أشكال الأجهزة الرسمية للدولة فهي فكرة مرفوضة وغير مقبولة بتاتاً لأن هذه الميليشيات أينما حَلّت وكيفما دُمجت ستُشكل قنبلة موقوتة لمؤسسات الدولة العراقية ولبنية المجتمع العراقي كون التركيبة الفكرية لأفراد هذه الميليشيات مؤدلجة لمشروع الحزب أو الحركة التي كانوا أعضائاً في ميليشياتها لذا فأن ولائهم سيبقى لمشروع هذا الشخص أو ذلك الحزب أو تلك الحركة وليس لمشروع الدولة العراقية.. بل إن التطوع والإنتساب الى أجهزة الشرطة والأمن والجيش يجب أن يستثنى منه تماماً من كان منتسباً في إحدى هذه الميليشيات.. ولابد هنا من الإشارة الى آخر صرعات هذه الميليشيات بعد أن تحولت بعضها وبقدرة قادر وبفضل حالة الفوضى واللاقانون التي يعيشها ( العراق الجديد ) الى ( منظمات مجتمع مدني ) وشاركت في الإنتخابات العراقية السابقة بل وحصلت بعضها على مقاعد فيه !!!!.. وهنا لنا أن نتصور حجم المأساة والكارثة التي يعيشها العراق والمواطن العراقي عندما تتحكم بمقاليده ومقدراته ميليشات ( وبالقانون ووفق الإستحقاق الإنتخابي ) ؟؟؟؟
ويبدوا أن البعض لايزال حتى الآن غير مكتفياً ولا مقتنعاً بالعدد الخرافي للميليشيات التي تملأ شوارع العراق لذا نراه اليوم يدعوا الى تشكيل شكل جديد ونوع جديد من أنواع الميليشيات ألا وهي ميليشيات المناطق والأزقة أو ما يُسمّى " باللجان الشعبية " والتي تمثل شكلاً جديداً من أشكال الميليشيات.. فبعد أن أصبح لكل حزب في ( العراق الجديد ) والبالغ عددها ربما والله أعلم 500 حزب ميليشيا خاصة به تأتمر بأمره وأمر قادته وليس لها أي علاقة بالدولة أو القانون ( وتلعب شاطي باطي بالعالم وبالبلد ) لم يعد عُشّاق الفوضى والميليشات مكتفين بهذا العدد إذ كُلما إزداد عدد الميليشيات ( قالوا هل من مزيد ) لذا خرجوا علينا بهذه الفكرة الجهنمية بكل معنى الكلمة وهي أن يصبح لكل محلة أو زقاق أو منطقة أو فرع أو راس عَكِد ميليشيا أي أن يتحول العراق بكل معنى الكلمة الى ( حارة كلمن إيدوا إلو ) أو ( دولة بطيخ ) وهذه الفكرة إن كانت تدل على شيء فإنما تدل على مستوى درجة الوعي السياسي الذي وصلت إليه بعض نماذج النخبة السياسية الحاكمة في العراق والتي بدلاً من أن تدعوا الى حل الميليشات كونها تنظيمات مسلحة غير قانونية وغير نظامية والى تقوية ودعِم وإسناد الشرطة الوطنية والجيش الوطني للبلاد وتعزيز مكانتهما ونفوذهما نراها تدعوا الى تشكيل هذه اللجان الشعبية وبالفعل وافقت المجالس البلدية لبعض المحافظات المغلوبة على أمرها من قبل هذه النُخب وأحزابها على تشكيل لجان شعبية في مناسبات محددة وليس بشكل دائم ( والآتي أعظم ) !!.. بل إن بعض من يسمون أنفسهم اليوم بالمثقفين ( مثقفين آخر زمن ) يبرِّرون وجود مثل هذه الميليشيات بل ويطالبون بتفعيلها على مستوى طائفتهم كَرَد فعل عما تقوم به ميليشيات مسلحة غير نظامية تدًعي إنتمائها للطائفة الأخرى ( وعَجَبي ) !!.. أما الأدهى والأمر فهو سكوت ( ديموقراطيوا ) مجلس النواب ومسؤولي حكومتنا الموقرة وعدم مسائلتهم ومحاسبتهم لأصحاب هذه الدعوات العلنية لتشكيل ميليشيات جديدة تحت حجج وذرائع ومبررات واهية لن يجني منها العراقيون سوى مزيداً من القتل والتصفيات على الهوية.
هنالك مفارقة يجب الإنتباه إليها عند المقارنة بين طبيعة الآليات التي إعتمد عليها طيب الذكر الملك الراحل فيصل الأول عند بنائه لأسُس ( المملكة العراقية ) عام 1920 وبين الآليات التي إعتمدها من جاؤوا عام 2003 لبناء ما يقال بأنها أسُس ما أسمُوه ( بالعراق الجديد ) والذي ( ويا مَحاسِن الصُدَف ) يُصِرّون على أن يكون ( جمهورية ) !!.. ففي الوقت الذي عَمِل فيه فيصل الأول فور تربُّعِه على عرش ( المملكة العراقية ) على تشكيل جيش وطني مُنَظَّم ليدافع عن الوطن الذي كان يعلم جيداً حجم المطامع الإقليمية والدولية التي تحيط به وليلغي حالة الفوضى التي كانت منتشرة في البلاد نتيجة غياب شكل الدولة خصوصاً بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية التي كان العراق جزئاً منها.. كان أول وأسوء عَمَل قام به من يقولون أنّهم جاؤوا لبناء ( جمهورية العراق الجديد ) هو حل الجيش العراقي بكل صنوفه وتشكيلاته رغم أنهم رأوا بأم أعينهم حالة الفوضى التي إجتاحت البلاد بعد سقوط النظام السابق ورغم علمهم بحجم المطامع الإقليمية والدولية التي تحيط بالعراق والتي نجني اليوم تبعاتها السيئة من دماء أبناء شعبنا ومن ضياع خيرات أرضنا ومن تشويه لبنية مجتمعنا.. ولكن يبدوا بأن هذه الخطوة لم تأتي من فراغ ولم تكن مجرّد غلطة وقعت فيها بعض أحزابنا السياسية وقوى الإحتلال بل كانت مُقدّمة لفسح الطريق وإخلائه أمام هذه الأجسام الغريبة ( أي الميليشيات ) برؤاها وآيديولوجياتها المشبوهة الغريبة والدخيلة على عراقنا الحبيب لتُخرِّب وتُشوِّه مجتمعنا وأرضنا وكل حياتنا ولتنشر الموت والدمار في بلادنا من دون أن يَصُدّها ويقف أمامها جيش نظامي كانت له رؤية واحدة وآيديولوجيا واحدة إسمها العراق.
مصطفى القرة داغي
karadachi@hotmail.com