الدستور المصري وحقوق المرأة والأقباط3
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
فى ضوء معايير حقوق الإنسان الدولية (3)
تناولت فى المقالين السابقين ضرورة إعادة كتابة باب الحقوق والحريات والواجبات فى الدستور المصري ليكون متواكباً مع العصر، فيعكس بصدق شرعة حقوق الإنسان الدولية على إطلاقها، متضمناً حقوق النسأء والأقليات، من خلال نصوص تكفلها وتحميها جميعا.
وألمحت فى المقال الأول - فى عجالة - إلى التهميش والتمييز الممارسين ضد هاتين الفئتين فى الواقع المصري، وخلو الدستور المصري الحالي من ضمانات كاملة تتعلق بحقوق وحريات هاتين الفئتين نصت عليها إعلانات ومواثيق حقوق إنسان دولية. وكان طبيعيا، إزاء ذلك، أن أتناول فى المقال الثاني إقتراح نصوص دستورية تنبع من مبادئ ومواثيق حقوق الإنسان الدولية المتعارف عليها اليوم: سياسية، ومدنية، وإقتصادية، وإجتماعية، وثقافية، وما يتفرع عنها، ومن ضمنها حقوق النساء والأقليات. فلقد أصبح إدخال مبادئ ومفاهيم إعلانات وعهود حقوق الإنسان الدولية فى دساتير الدول الأعضاء بهيئة الأمم المتحدة إلتزاما واجب التفيذ. وهذا ما نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن المنظمة الدولية عام 1966، والذي بدأ العمل به عام 1976، إذ تنص المادة 2 (الفقرتين الأولى والثانية) على أن:
"1) تتعهد كل دولة طرف فى هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين فى أقليمها والداخلين فى ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الإجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب؛
2) تتعهد كل دولة طرف فى هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها فى هذا العهد، بأن تتخذ طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية وغير تشريعية."
وهكذا - وفي ظل هذه الأحكام الدولية وغيرها - لم يعد هناك مجال للمماحكة أو التهرب من إلتزام مصر بتعديل دستورها الحالي بشكل يتفق وشرعة حقوق الإنسان الدولية المعاصرة. فتلك هي الخطوة الأولى لحماية كل الحقوق الخاصة بالأفراد والجماعات، باعتبار أن الدستور هو أب جميع القوانين. وعلى هذا الأساس، فالمفروض أن يحوي كل المبادئ الأساسية التى تنبني عليها القوانين. وبالتالي يكون الدستور هو الموجه الأول لتغيير السلوك العام، أي للتصدي لثقافة التهميش والإستبعاد، ورفض كل ما يشكل إنتهاكا للحقوق أو تقييدا للحريات من جانب، وفى نفس الوقت يكون هو المرشد نحو التعايش والتنمية بكل جوانبها، وذلك بحض الأفراد والجماعات، داخل السلطة والمجتمع معا على إلتزام العدالة فى معاملة المواطن بوجه عام، وكل الفئات الضعيفة بوجه خاص، على أساس من المساواة أمام القانون وصون الكرامة الإنسانية.
وواضح أن نهاية الفقرة الثانية من المادة 2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لم تغفل عن إلزام الدول باتخاذ كل التدابير التشريعية وغير التشريعية لتطبيق مواثيق حقوق الإنسان، و مواد الدستور فى الواقع المعاش، أي فى إدارة كل الأنشطة المجتمعية، سواء السياسية أو الأقتصادية أو المدنية، وغيرها. فلكل نشاط إنساني قانون يحكمه ويحمي حقوق الخاضعين له.
لماذا الحديث عن الأقليات الآن؟
لما كانت كل الدول تقريبا تشمل جماعات (أقليات) متنوعة قوميا ولغويا، ودينيا وثقافيا، وكثيرا ماعانت تلك الجماعات من إنتهاك حقوقها الجماعية على أيدي الأغلبية، بل وكثيرا ماتعرضت للإضطهاد أوالإبادة ولا تزال، على أيدي أنظمة مستبدة، أو نتيجة صراعات سياسية بين الحكومات وجماعات معارضة، الأمر الذي كثيرا ماهدد السلم داخل حدود الدولة، وفى أحيان أخرى أدى إلى نزاع بين الدول، وإذ لوحظ أن ما صدر عن هيئة الأمم المتحدة من إعلانات ومواثيق دولية حتى نهاية القرن العشرين لم يكن كافيا لمعالجة قضايا الأقليات، باعتبار أن حقوقها المنتهكة هي حقوق جماعية وليست حقوقا فردية، عكف خبراء الأمم المتحدة على دراسة هذه المسألة من منطلق حقوقي، وبهدف تجنب تكرار مآسي إنسانية تاريخية حدثت. وكانت بداية تأطير حقوق االأقليات على مستوى دولي بصدور الإعلان العالمي بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية، وإلى أقليات دينية ولغوية عن هيئة الأمم المتحدة فى عام 1992.
وجاء فى ديباجة هذا الإعلان، إن الجمعية العامة..... إذ تستلهم أحكام المادة 27 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات أثنية أو دينية أو لغوية؛ وإذ ترى أن تعزيز وحماية حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية ولغوية يسهمان فى الإستقرار السياسي والإجتماعي للدول التي يعيشون فيها؛ وإذ تشدد على أن التعزيز والإعمال المستمرين لحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية، وإلى أقليات دينية أو لغوية، كجزء لا يتجزأ من تنمية المجتمع بأسره، وداخل إطار ديموقراطي يستند إلى حكم القانون، من شأنهما أن يسهما فى تدعيم الصداقة والتعاون فيما بين الشعوب والدول، وإذ ترى أن للأمم المتحدة دورا مهما تؤديه فى حماية الأقليات."
وفى عام 1995 أنشأت الأمم المتحدة مجموعة عمل خاصة بالأقليات Working Group On Minorities تضم ستة من خبراء حقوق الإنسان، للنظر فى أوضاع أقليات العالم. وتعقد مجموعة العمل ورشة عمل سنوية يحضرها مندوبو الأقليات من كل دول العالم لعرض قضاياهم، كما يحضرها مندوبو الدول وبعض الخبراء للمشاركة فى عرض حلول وإقتراحات لدعم قضايا الأقليات وحل مشاكلهم فى ضوء القوانين الدولية. ولقد عينت الأمم المتحدة خبير مستقل لشئون الأقليات عام 2005 وذلك لتقصي أوضاع الأقليات فى دول العالم، ورفع تقرير بها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
والمتوقع إن يزداد الإهتمام بقضايا حقوق الأقليات وحقوق أصحاب البلاد الأصليين Indiginous Peoples تحت مظلة مجلس حقوق الإنسان الذي تأسس هذا العام، وبدأ أعماله فى يونيو الماضي حيث شارك فيها الخبير الخاص بحقوق الأقليات.
ويرى متخصصون فى حقوق الأقليات إن العالم بدأ يشهد ثورة الأقليات السلمية. ولقد أصبح واضحا أن إلغاء هذا التنوع البشري ليس بالأمر السهل، حتى باستخدام القوة من جانب أية دولة أو بعض الجماعات الخارجة على القانون، وهو ماحدث ونتجت عنه - ولا تزال - مآسى إنسانية. ولذلك، وفى ظل تطور منظومة حقوق الأنسان والأقليات والشعوب أصبح لزاما على الدولة أن ترعي الجميع بشكل عادل، من أجل تجنب مزيدا من الدم والخراب، ومن أجل توفير السلم العام، منطلقاً للتنمية، وبناء الدولة العصرية.
ومع أن العالم كان قد إدراك هذه الحقيقة بعد حربين عالميتين فقد بسببهماا ملايين من البشر، إلا أنه لا يزال هناك دولا أخرى كثيرة لاتزال تحاول محو هذا التنوع البشري بشكل علني ودموي، من خلال الإضطهاد، والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، أو بشكل حازق. من خلال التهميش والإستبعاد والقهر والتمييز والحرب النفسية كوسائل قسرية لمحو هوية Assimilation تلك الأقليات.
وليس هناك أدنى شك فى أن مثل هذه الدول لا يمكن أن تنعم بالإستقرار أو الرفاهية. فالدول التى تسعى إلى الإستقرار والرفاهية، لا مناص أمامها من قبول التعددية على إطلاقها، أي على مستوى الحكم من خلال النظام الديموقراطي ودولة القانون، وعلى المستوى الإجتماعي من خلال قبول التعدد الثقافي والعرقي والجنسي، بل وحماية هذه التعدد دستوريا وقانونيا.
ولما كانت مصر، بتاريخها الليبرالي، قد إختبرت وعاشت هذه الثقافة بدرجة ما، وإذ نرى حاضرا بدأت فيه بوادر التغيير، وقيل أن مصر تسعى لتبني نظام حكم ديمقراطي فى شرقنا المأزوم، يصبح من الطبيعي أن تلتزم بكل ما يوحد أبناءها على إختلاف رؤاهم وعقائدهم، من خلال تجديد عقدنا الإجتماعي، كما أوضحت فى المقالين السابقين، ومن خلال ما ينبع منه قانونا يُطبق فى الواقع المعاش، من أجل السلام الإجتماعي والإنطلاق نحو التنمية التي تحتاح سواعد المصريين جميعا.
والأتي هو مشروع "قانون الحرية الدينية المصري" صيغ بعد دراسة متعمقة لمواثيق حقوق الإنسان الدولية، وما تعلق منها بحقوق النساء وحقوق الأفراد المنتمين إلى أقليات عرقية وثقافية ولغوية ودينية، بالإضافة إلى ما يطبق من قوانين فى المجتمعات المتعددة الثقافات والأديان، سواء فى أوروبا - شرقا وغربا - أوالهند وكندا.
قانون الحرية الدينية (مشروع)
مـادة 1
تكفل الدولة الحق الأساسي في الحرية الدينية وحرية ممارسة الشعائر المعترف بهما في الدستور، طبقا لمواد هذا القانون.
يحظر استخدام العقائد الدينية كأساس لممارسة التمييز ضد أي شخص أو جماعة، أو كأساس قانوني عند التعامل مع أي شخص أو جماعة، إلا فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية للأفراد المنتمين لنفس الجماعة.
مـادة 2
الإسلام دينُ الغالبية، يهتدي المجتمع بهديّه وتسعى الدولة للتعبير عن قيمه الأخلاقية. كما يَدينُ عدد كبير من المواطنين بالديانة المسيحية، ويهتدي بهديّها، وتسعى الدولة للتعبير عن قيمها الأخلاقية. كذلك تعترف الدولة بالديانة اليهودية.
تتضمن الحرية الدينية وحرية ممارسة الشعائر الدينية، اللتين يضمنهما الدستور، حق كل مواطن في:
أ - الإيمان بأي عقيدة دينية يختارها بمحض إرادته، أو عدم الإيمان على الإطلاق؛ تغيير ديانته أو تركها، والإعلان عن إيمانه أو عدم الإعلان.
ب - الحق في بناء أو تعديل أو توسيع أو تجديد دور العبادة، طبقا للقانون، وبدون أي قيود على أي جماعة دينية أو أي تمييز ضدها.
ت - ممارسة شعائر وتقاليد دينه، والتمتع بالدعم الروحي؛ والاحتفال بالأعياد وحفلات الزواج، وإقامة مراسم الدفن بشكل لائق، وحسب تقاليد هذه الديانة، وذلك دون أي تمييز على أساس الدين؛ وأن لا يخضع الشخص لأي ضغط لحمله على ممارسة تقاليد دينية، أو المشاركة في طقوس أو دراسات، تتعارض مع عقائده الشخصية.
ث - دراسة أو تعليم دينه، شفاها أو كتابة، أو بأي وسيلة أخرى؛ واختيار التعليم الديني أو الأخلاقي الذي يتفق مع عقائده الخاصة، سواء للشخص نفسه أو لأبنائه، وسواء داخل الإطار التعليمي أو خارجه.
ج - الاجتماع علناً مع آخرين لأغراض دينية، أو لإنشاء هيئات لممارسة أنشطة دينية، وفقا للقانون العام ومواد هذا القانون.
ح - كما تشمل الحرية الدينية وحرية ممارسة الشعائر حق كل الطوائف والجماعات الدينية - المعترف بهـا - في إعـداد وتعيين وتمرين رعاة ودعاة لنشر وتعليم الدين، والحفاظ على الروابط بين الهيئات الدينية الخاصة بالطائفة والهيئات التابعة لطوائف أخرى، داخل وخارج البلاد.
خ - ولضمان تطبيق هذه الحقـوق بشكل فعال، تتخذ السلطات المعنية كل التدابير اللازمة لتسهيل أداء الخدمات الدينية على المستوى العام، سواء كان داخل الطائفة، أو في القوات المسلحة، أو المستشفيات، أو السجون ومؤسسات الإصلاح، أو في المدارس حيث تُدرّس مادة الدين.
مـادة 3
جميع الحقوق الناتجة عن الحرية الدينية وحرية ممارسة الشعائر لا ينبغي ممارستها بشكل يعرقل تمتع الآخرين بحقوقهم العامة أو الأساسية؛ أو يخالف الأمن والنظام والآداب العامة، أو الصحة؛ أو يتعارض مع حكم القانون والمجتمع الديمقراطي.
جميع الحقوق المعترف بها في هذا القانون، وتُمارس في إطار حدوده، لها كل الضمانات القانونية ويحميها القضاء العادي والمحكمة الدستورية، طبقا للشروط المعلنة بالقانون.
مـادة 4
تتمتع الطوائف والمجتمعات الدينية باستقلالها الكامل، ولها أن تضع قواعد نظامها، ولوائحها الداخلية. ويمكن أن تشمل هذه القواعد ولوائح المؤسسات التابعة لها، بنودا تضمن حماية الهوية الدينية والشخصية الذاتية، بالإضافة إلى الاحترام الواجب لعقائدها، بغير مساس بالحقوق والحريات المعترف بها في الدستور، وخاصة الحريات الأساسية، والحق في المساواة، وعدم التمييز.
للطوائف/المجتمعات الدينية الحق في إنشاء ودعم هيئات ومؤسسات تابعة لها بهدف تحقيق أهدافها، وذلك طبقا لأحكام القانون العام.
مـادة 5
وإذ تأخذ الدولة التنوع الديني في المجتمع المصري بعين الاعتبار، تقوم بإبرام اتفاقيات التعاون مع هذه المجتمعات/ الطوائف الدينية.
وعلى أساس مبدأ المساواة، تمنح هذه الاتفاقيات لكل المجتمعات الدينية إعفاءات ضريبية، كما هو الحال بالنسبة للمؤسسات الخيرية التي لا تهدف للربح.
مـادة 6
تنشأ بموجب هذا القانون لجنة للحرية الدينية وممارسة الشعائر، تتبع لوزارة العدل. وتكون عضوية هذه اللجنة مناصفة بين ممثلي الحكومة وممثلي المجتمعات/ الطوائف الدينية، بالإضافة إلي بعض الشخصيات ذوي الكفاءة والخبرة المتعلقة بالشـئون التي يتناولهـا هذا القانون.
وتتحدد وظيفة هذه اللجنة في دراسة القضايا المتصلة بهذا القانون، وتقديم تقارير عنها، ووضع الاقتراحات المتعلقة بهذه القضايا، ومتابعة تنفيذها إعمالا لهذا القانون. وتكون كل النتائج والاقتراحات التي توصلت إليها هذه اللجنة ملزمة، إذ تُستخدم عند إعداد الاتفاقيات المشار إليها في المادة السابقة (رقم 5)، والتوصيات الواردة بها.
مـادة 7
أي مواد قانونية أخرى تتعارض مع مواد قانون الحرية الدينية الحالي تعتبر باطلة وغير ذي مفعول.
-إ نتهي نص القانون -
وهكذا، بوضع ضمانات واضحة وشاملة للحريات والحقوق المتعارف عليها اليوم فى دستور مصرى جديد، مع إنشاء آليات لتفعيل هذه النصوص ( أي قوانين جديدة وإجراءات خاصة) يمكن أن نقيم أسس البناء الوطنى المتماسك القادر على خلق مجتمع العدالة والسلام والرفاهية، بعد سنوات طويلة من القهر والفوضى والإحتراب.
ويبقى الأمل لرؤية هذا الدستور وقد صدر خاليا تماما من كل التناقضات الموجودة فى الدستور القائم. وبمعنى آخر، دستور يتمتع باحترام وقدسية كل الشعب المصري، باعتباره درع حماية لحقوق وكرامة كل المصريين، ودستور دولة حديثة.. عضوا فاعلا فى الأسرة الإنسانية.
نبيل عبد الملك
*رئيس المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنسان