أصداء

الرئيس بارزاني والمعادلة العراقية الراهنة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الحق يقال أن المرحلة التي نمر بها في تاريخ في العراق الجديد، حقا مهمة وحرجة تمر بها الأمة العراقية في ظل أجواء مليئة بمخاطر جسيمة نابعة من الهجمة الشرسة للأعمال الإرهابية والنشاطات المدمرة لبعض المليشيات العراقية المدعومة من أطراف أجنبية، بدأت تلعب دورا سلبيا في مجمل العملية السياسية التي يمر بها العراق، وبالرغم أن المرحلة التي نمر بها تحمل في جوهرها بوادر بناء أسس حديثة، متينة، وراسخة لبناء عهد جديد بنظام حديث فيدرالي ديمقراطي تعددي للنهوض بالأمة على أساس الإقرار الدستوري الشرعي، فإن مخاطر الأزمات الأمنية والمعيشية والحياتية التي يعاني منها العراق تشكل خطورة كبيرة على المدى المنظور لمستقبل العراقيين، برغم ضمان الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للإنسان العراقي بجميع جوانبها المادية والمعنوية، في الدستور الدائم، وتوفر الضمانات الدستورية للقوميات التي تتشكل منها الأمة العراقية ومنها الضمان الدستوري للكيان الفيدرالي لإقليم كوردستان ضمن العراق الاتحادي.
من خلال هذه القراءة، ومن باب الاستناد إلى الواقع العراقي، فمن يقرأ المشهد الراهن، يجد أن القيادة الكوردية الممثلة برئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني وبرئيس جمهورية العراق الاتحادي جلال طالباني، يلعبان دورا بارزا لموازنة العملية السياسية الجارية في العراق لإنجاح خطوات المصالحة التي طرحتها القيادة العراقية الفيدرالية الممثلة برئيس الحكومة نوري المالكي للخروج من الأوضاع الراهنة المتسمة بالعنف الشديد، للعمل على إنقاذ العراق وإخراجه من محنته الراهنة.
ومن باب التذكير، لا يخفى على أحد ان الواقع الجديد الذي ظهر على أرض العراق، خاصة في فترة ما بعد سقوط صنم الطغيان، لعبت فيها القيادة الكوردستانية دورا أساسيا ورئيسيا للوصول إلى صيغة توافقية مقبولة من قبل جميع الأطراف والكيانات والكتل السياسية العراقية، من منطلق إبداء الحرص الكامل من قبل الطرف الكوردي على مشاركة جميع التيارات السياسية في بناء العراق، ومن أجل ذلك بذل الجانب الكوردستاني جهودا استثنائيا لإقناع الطرف العراقي السني للمشاركة في العملية السياسية العراقية.
وتأكيدا لما سبق، فإن الحرص الكوردي في إرساء أسس متينة للعراق في عهده الجديد، ليس وليد اليوم، إنما هو وليدة قناعة راسخة في المنهج السياسي والعملي للكورد بالعراق الاتحادي الموحد، وهذه القناعة برزت بوضوح خلال المسيرة الدستورية التي تلت عملية الاستفتاء التي تمسك فيها الكرد بوحدة العراق في ظل نظام اتحادي برلماني لضمان حياة مشتركة للقوميتين العربية والكوردية تحت الخيمة العراقية.
من هذا المنطلق، فإن المحاولات الجادة للقيادة الكوردية مع القيادة الفيدرالية في بغداد بهدف الخلاص وإنقاذ الشعب العراقي في بغداد والمحافظات التي تعاني من أوضاع أمنية سيئة، من براثن الإرهاب الذي يمارس أبشع العمليات الإجرامية تجاه الشعب بقسوة وعنف منقطع النظير، تشكل منهجية وطنية ثابتة في تفكير الكورد وقيادته لبذل أقصى الجهود من أجل العراق، ولهذا فإن ما يسجل للشعب الكردي برغم الظروف القاسية التي تعرض له هذا الشعب في السابق، من موقف تاريخي معبر بالاعتزاز العراقي يعتبر فخر وصفحة مشرقة إضافية للكورد لدى العراقيين، وهذا ما يحفز ويعزز دور الرئيس الكوردستاني في إيجاد أرضية مناسبة لحل الأزمة العراقية في الواقع الرهن التي تعاني من طريق شبه مسدود في بعض اتجاهاته السياسية، لإرساء واقع مستقر وآمن للعراقيين.
من خلال هذا السياق، لا بد من التأكيد على حقيقة، كثيرا ما أكررها وأؤكد عليها على المستوى العراقي والكوردستاني، وهي ان مطالب الشعب الكوردستاني والحركة السياسية الكوردية في ظل الحقائق التي جاءت إلى أرض الواقع بعد التسعينيات، لم يكن في أي يوم من الأيام في مطلبه الانفصال عن العراق، بالرغم من توفر الظروف المناسبة لهذا الأمر، ولكن إصرار الكورد وقيادته في البقاء ضمن العراق الاتحادي الموحد كان قرار محسوما من قبل برلمانه في بداية التسعينات، لهذا فإن المبادرة الكوردستانية تجاه العراق وقرارها بمشاركة العيش المشترك مع العراقيين قرار سياسي حكيم، وهي مبادرة نابعة من حكمة عراقية قديرة، حرصا من الشعب الكوردستاني والقيادة الكردية تجاه العراق لتميزهم برؤية وطنية وحرص عراقي أصيل للحفاظ بوحدة الأمة والأرض، وليس بخاف على العراقيين أن استقرار الوضع العراقي هو المطلب الأول في ظل الأوضاع الراهنة لكل إنسان كوردي إيمانا بعراقيته وكوردستانيته.
استنادا إلى هذه الحقائق، فان مشهد اهتمام الشعب الكوردستاني بالوضع العراقي الراهن والعمل الجدي من أجل ضمان الاستقرار والأمان فيه، من خلال قيادته، يشكل زخما جديدا لنجاح العملية السياسية التي أخذت طريقها على الساحة العراقية بمشاركة أغلب الأطراف السياسية والقومية والدينية، لبناء عراق مستقر ينعم فيه المواطن بحقوقه بأمان وسلام دون تفريق ولا تمييز، وفي عين الوقت ينعم فيه المواطن الكوردي بكامل حقوقه القومية والوطنية ضمن اختيار النظام الفيدرالي.
أمام هذه الحقائق العراقية والكوردستانية الراهنة، وأمام النتائج السياسية المنتظرة تحقيقها من الزيارة المرتقبة للرئيس الكوردستاني مسعود بارزاني إلى بغداد، لمحاولة إخراج الأزمة السياسية من عنق الزجاجة، واتساع مساحة الضوء القابع في نهاية النفق العراقي، لتحسين الواقع على الأرض بفعل تأثيرات الدور الاستراتيجي الكوردي في المعادلة العراقية، من خلال إرساء حالة توفيقية بين الأطراف السياسية العراقية نابعة من الحرص، ستكون الأرضية الصلبة لضمان بنيان جماعي يجمع العراقيين تحت خيمة الدستور الدائم والنظام الفيدرالي يقود العراق إلى شاطيء الأمان وبر السلام.
وتأكيدا لما سبق، فإن القيادة الكوردية في ظل قيادة العراق وقيادة الاقليم، تلعب دورا حيويا وأساسيا لإرساء النهج العراقي الوطني لحل القضايا الأمنية والسياسية للحفاظ على العراق موحدا متأخيا لسائر قوميات الأمة العراقية، وهذا النهج نابع عن إدراك وقناعة تامة بأهمية دور الكورد في المرحلة الراهنة للنهوض بعراق جديد على أسس مدنية حديثة لخدمة كل العراقيين، وهذا الدور الحيوي ضمن المعادلة العراقية ليس مهما للكرد فقط وإنما لعموم الشعب العراقي، وهو دور سيكون له صدى وتأثير إيجابي، على الواقع السياسي العام، لأن القيادة الكوردستانية يعتبرها البعض من الأطراف العراقية الضمان الأساسي والرئيسي لهم للحفاظ على العراق مع ضمان النهج الديمقراطي والنظام الفيدرالي والتعددية الحزبية البرلمانية في الحياة السياسية العراقية.
وهذا ما يدفع من القول، عندما ننظر بتمعن وبصيرة الى المواقف الوطنية للكورد، والرؤية العراقية للرئيس البارزاني بصدد القضايا الاستراتيجية الكوردستانية، توازيا مع مسار الأحداث التي نشهدها اليوم على الساحة العراقية في ظل الحالة الراهنة لتأمين الاستقرار في العراق وتثبيت آلية ضمان الحقوق الكوردية وتحديد العلاقات بين الإقليم والحكومة الفيدرالية في بغداد وفق الدستور الدائم، تشكل بادرة حكيمة على الساحة العراقية في اتجاه إرساء حالة سياسية مستقرة نهجا وسلوكا في مسار الوضع العراقي العام.
ولا شك أن دور القيادة الكوردية للمشاركة في قيادة العملية السياسية في العراق وفق المراهنات الجديدة استنادا إلى مشاركة عراقية جماعية منطلقة شرعيتها من الرؤية والقناعة المشتركة، تشكل دعامة حقيقية لإرساء السلام والأمان والاستقرار في العراق، وهذه الدعامة الوطنية العراقية لابد من الإقرار بها في ظل المستجدات الراهنة، لأنها ستقام بفضل تعاون وتنسيق وتظافر جهود القيادتين الكوردية والعراقية وهي حالة جماعية سياسية عراقية مشتركة ستسجل بامتنان من قبل العراقيين في حالة نجاحه وإيصاله إلى أمر واقع في حياة العراق الجديد.

جرجيس كوليزادة

Gulizada_maktab@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف