لطم وحدوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مضى ذلك الزمن الذي كانت ترفرف في أجوائه كعصفور جذل الكلمة المأثورة : " دع ألف زهرة تتفتح ". فزمننا اليوم زمن النسيج الواحد، اللون الواحد، الطيف الواحد والطائفة المهيمنة الواحدة. وإذا لم يكن من اليسير على مديري الصراعات ومدبري النزاعات ومفرقي الجماعات وهادمي اللذات تسيير عملية دمج الوحدات المتنوعة في النسيج واللون والطيف والطائفة المنصورة المفضلة بأسلوب متدرج وسلمي ورقيق فصور التغيير العنيف متنوعة أيضا، والضرورات تبيح المحظورات حتى لو كانت من قبيل أكل لحوم البشر.
في التاريخ، القريب والبعيد، تشير الأصابع إلى أمثلة يصار إلى التستر على بعضها وفضح الآخر، مماشاة لعملية الدمج ذاتها بما لايخرج عن إطار الهدف المقصود في اللاحق والسابق. قد يبدو في هذا النص شيء من التعميم والغرابة، غير أن التأمل المتمهل كفيل بحل المعضل. هل تساءل من ينبغي أن يتساءل : لماذا يتركز الحديث على الصفويين، حتى صاروا تهمة بحد ذاتهم، فيما لايختلف عنهم الأيوبيون بشيء. الصفويون دمجوا مجتمعهم بعنف وقسوة في مشروعهم الخاص، والأيوبيون فعلوا الأمر عينه بوتيرة مشابهة. امتاز الصفويون عن الأيوبيين باحترام العلم، حتى وضعوا سفيرهم في اليمن تحت تصرف العلامة محمد باقر المجلسي، يجمع له الشارد والغريب والنادر من الأحاديث لإتمام مشروعه الثقافي أو أطروحته الكبرى " بحار الأنوار "، فيما حارب الأيوبيون العلم. سلطوا أجهل الناس على مقادير الناس ( قراقوش ) حين جعلوه وزيرا وهو لايستحق وظيفة حاجب. منعوا التنوع و دمجوا الناس في مشروعهم بالقوة والقهر : كل الناس سنـّة.. وكل السنـّة شوافع.. ومن لايعجبه يضرب رأسه بالحيط كما يقول مفكر ليبرالي مهذب ومهذار. دمروا منارة العلم ( الأزهر ) وحاولوا إنهاء دوره وأبت المشيئة. لكننا نسمع الذم المتواصل للصفويين والثناء والحمد المستمر للأيوبيين.
المصطلح، هو الآخر، شمر عن ساعديه لخدمة السياسة. ترى، هل فكـّر أحد في أصل تسميتي السنـّة والشيعة اللتين تترددان حتى على ألسنة الأطفال في عالم اليوم؟
لقد جرى التركيز على هذين المصطلحين لهدف تكفيري محض وإن بدا الأمر ناشزا ً عن المفهوم العام الحالي. ربما، لو أخضعت المسألة لقوانين العصر، خاصة عندنا في أوروبا، لصدر أمر تجريم التداول الإصراري للمصطلحين باعتباره Discrimination ً واضحا. لقد كان أصل تسمية " أهل السـنـّة والجماعة " سياسيا ً وتكفيريا بحتا ً، لاعلاقة له بالكينونة العقدية التي يراد تسويقها. فقد أعلن أول خليفة أموي هو معاوية بن أبي سفيان تسمية مميزة للعام اللاحق لـ " مصالحته الوطنية " مع الإمام الحسن بن علي بأنه " عام الجماعة " أي عام اتفاق الأمة على الرضوخ لأمر خلافته الملكية، ومن عام الجماعة هذا اشتق الخليفة الداهية المصطلح التاريخي المذكور. وإزاء التسمية الغريبة، هناك بطبيعة الحال، على الجانب الآخر المقابل، تسمية " أهل البدع والخلاف " ومن الواضح أنها تسمية بمستوى حكم الإعدام الجماعي على المعارضين للملكية الأموية.
حتى تسمية " الشيعة " التي نرقص لها جذلا ً حتى تتأرجح ضفائرنا هكذا وهكذا، هي محض تكفير. صحيح أن النص المقدس يقول : إن من شيعته لأبراهيم، و أن شيعة المرء هم الموالون له، وأن الأمر يبدو على درجة لاجدال فيها من البراءة، لكن الاستحضار اللاواعي لنص من مثل : فرّقوا دينهم وكانوا شيعا، قد يكون هو الهدف الرئيس من تسويق المصطلح، خاصة وأنه لادليل تاريخيا ً على استخدام المصطلح الأصلي معرَّفا ً بأل. بل كل ماوردنا عن النبي قوله للإمام علي " شيعتك ". أفليس من الغريب حقا أن لانسمع من غير الشيعة وصفا لهم بأنهم شيعة علي، رغم الوشاية الأصلية للمصطلح بهذه الحقيقة دون غيرها، أي إنه ليس ثمة إطلاق أو تعريف بأل.. بل هناك شيعة علي بالتحديد.. وليست " الشيعة " بهذه الهلامية وهذا الغموض وتلك الرمادية!
عملية الدمج للمكونات المختلفة تأخذ في عصرنا الراهن أشكالا ً مفرطة في القسر أحيانا ً، حتى في مجرد التحبيذ النظري. فلكي يكون المرء وحدويا ً، عليه التخلي عن هويته وخصوصيته. ومرات يأخذ الأمر أبعادا ً طريفة. فقد اختصر كاتب عراقي ساخر مشهور علة إهراق الدماء المتواصل في العراق بإصرار الكتلة الشيعية في الحكومة والبرلمان العراقيين على عبارة : علي ولي الله في الأذان، راميا ً الكرة في ملعب النخب الشيعية الرسمية، و طالبا ً منها بتهذيب وأدب إزالة هذه العبارة وأبوك الله يرحمه !
هذا هو شعار المرحلة والمراحل القادمة - بتقديري المتواضع الذي ماهو باراسيكولوجيا بقدر ماهو قراءة دقيقة لواقع معاش على أساس دراية تاريخية شاملة - فلكي تكون وحدويا ً عليك التخلي عن هويتك وخصوصيتك، أنت بالذات. وإذا طرقت سمعك تهم مثل الطائفية والفئوية، فأنت المعني بها، لأنك تصر على تقديم فهما مختلفا ومتميزا وخاصا بك للحياة والكون والإنسان. عليك أن تكون مؤدبا وقادرا على تمشية حالك يا أخي. هذا هو شعار المرحلة والمراحل اللاحقة، الذي يتساوى في رفعه السياسي والفنان والكاتب ورجل الدين والسمسار والشحاذ والراقصة والطبال والزبال ( مع احترامي الجم لهذا الكادح الأخير ).
لكي تكون " خوش ولد " بالقوة والفعل كما يصطلح المناطقة، عليك أن تندمج بالجماعة، باللون الواحد والنسيج الواحد والأذان الواحد. تلبس لباس الجماعة وتنظر بعينها وتفكر بعقلها حتى لو بدا لك قاصرا، ويد الله مع الجماعة، حتى لو أخذتك إلى المنحدر في سير حثيث حاديها وراعيها فيه مرضى نفسيون على شاكلة بن لادن.
إقترب، أنت، من الجماعة التي معها يد الله، ويد الله فوق أيديهم، وممنوع التأويل رجاء ً، فالجماعة واضحة والله معروف ويده مشروحة ومجسـّدة جيدا في كتب شيخ الإسلام. إقترب من الجماعة خطوات، وإن اقتربت سكينها من نحرك خطوة واحدة. أذ ِّن وصل ِّ وارقص وغن ِّ كما تفعل الجماعة، حرفيا، وإذا طارت نحوك القناني الفارغة والأحجار والأحذية، بشوق عارم ولهفة طاغية، في نهاية الحفل أو منذ بدايته، فتقبـّل الأمر بصدر رحب وروح رياضية، وإلا ّ كنت كمن أيقظ الفتنة النائمة، ولعن الله من يوقظ الفتنة النائمة.
إختصر الطريق نحو المجد الأبدي والفخر السرمدي، عبر الامتزاج بالجماعة والتنازل عن الهوية. وإن راعك تلاشي وجودك البهيج وفرادتك الأثيرة وتميـًّزك اللذيذ وذكراك العطرة في طيات النسيان وغياهب الزوال، فابك ِ إن شئت أو الطم. فذلك قدرك ومصيرك الوحيد الذي لافكاك منه، منذ أبيك آدم وأمك حواء وأخيك قابيل...
عيون الكلام : مثل إنكليزي : بماذا تفيدني الدنيا الواسعة إذا كان حذائي ضيـّـقـا ً.
علاء الزيدي
alaalzeidi@hotmail.com