ارهاب وزير!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مواجهة فكرية جديدة تدور رحاها هذه الأيام بين وزير الثقافة المصري فاروق حسني وجماعة الإخوان المسلمين الدينية المتطرفة العنصرية الخارجة عن القانون. المواجهة التي نتحدث عنها هنا هي معركة الحجاب التي اندلعت بين بعد تصريح الوزير لإحدى الصحف بأن حجاب النساء يعتبر عودة إلى الوراء، ويعد كالغطاء الذي يخفي الورد الجميل. لم تكن المواجهة بين الطرفين مفاجئة، فهي ليست المواجهة الأولى وربما لن تكون الأخيرة إذا ما نجح الوزير في الصمود أمام طلبات المتطرفين بإقالته أو سحب الثقة منه في البرلمان. تأتي هذه المواجهة كحلقة أخيرة في إطار سلسلة من المعارك الطاحنة التي يشنها المتطرفون على الثقافة ورجالها. إختيار جماعة الإخوان المسلمين لوزارة الثقافة كهدف لم يكن أبداً عشوائياً، ففي إطار مساعيها للسيطرة على عقول المصريين، تضع الجماعة المتطرفة على قمة أولوياتها مهمة السيطرة على وزارة الثقافة وربما التخلص منها لمنعها من القيام بدورها في ضخ الأدب السامي والفن الراقي في شرايين المجتمع المصري.
لست هنا في معرض الحديث عن شرعية الحجاب من عدمها، فهذا شأن إسلامي أفضل أن أترك التصدي له للمعتدلين من المسلمين العلمانيين. ولكن ما يعنيني هنا هو الإرهاب الفكري الذي تمارسه جماعة الإخوان المسلمين في مصر والذي بلغ مرحلة إرهاب وزير كبير بالحكومة ودفعه إلى خندق الدفاع عن النفس. فجماعة الإخوان نجحت تماماً في استغلال الضغوط الدولية التي يمارسها الغرب على الحكومات العربية بغرض نشر الحريات العامة وتعميق مباديء حقوق الإنسان، ومن ثم فقد تمكنت الجماعة من تحصين أوضاعها وتقنين وجودها في الشارع المصري عبر والانخراط في العمل العام بشقيه السياسي والاجتماعي، والاشتراك في الانتخابات العامة والنقابية. وها هو المجتمع المصري يعاني وطأة نفوذ الجماعة في المجالات السياسية والنقابية والثقافية، فلقد بدأ المتطرفون منذ سنوات في نصيب محاكم تفتيش تُحَرِمُ وتَمْنَعُ وتُقَيّدُ وتُكَفِرُ وتُرْهِبُ.
معركة جماعة الإخوان المسلمين الحالية مع وزير الثقافة بشأن الحجاب ما هي إلا عملية إرهاب للوزير لإجباره على الاستسلام لضغوط المتطرفين، وهي اختبار لقوة الحكومة المصرية في إحكام قبضتها على زمام الأمور في مصر. فالجماعة المتطرفة تسعى بشغف ودأب منذ سنوات بعيدة لفرض أرائها ورؤاها على الشعب المصري بالقوة والعنف والإرهاب. ورضوخ الحكومة المصرية للجماعة واعتذارها عن تصريحات الوزير سيعني بالتأكيد هزيمة جديدة لها ولقوى الاعتدال بالمجتمع المصري، بينما صمود الحكومة ومساندتها القوية لوزيرها المسئول عن التثقيف سيعنى انبعاث الأمل في حدوث عملية إحياء للفكر الديني المعتدل ليس في مصر وحدها ولكن في المنطقة بأكملها، على اعتبار أن مصر لا تزال تضطلع بدور كبير في قيادة المنطقة سياسياً وثقافياً ودينياً.
على الرغم من الحظر القانوني الذي تفرضه الحكومة على جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وادعاء المسئولين هناك عدم شرعيتها، إلا أن الحظر وعدم الشرعية لم يشملان العديد من أنشطة الجماعة. فلقد توغل المتطرفون الإسلاميون الذين تفرخهم الجماعة في كافة مواقع النفوذ السياسي والنقابي والأكاديمي مستغلين في ذلك تغاضي الحكومة عن أنشطتهم بغرض تجميل صورتها امام المجتمع الدولي، وإظهار مدى احترامها للحريات العامة ومباديء حقوق الإنسان. ولفد كان نجاح عشرات الإخوانيين المتشددين في انتخابات البرلمان، وسيطرة عدد آخر منهم على النقابات المهنية والاتحادات الطلابية وهيئات التدريس بمثابة جرس الإنذار الذي ينبيء بحتمية وقوع الكارثة ما لم تكن تكن هناك مواجهة شاملة وفاعلة مع فكر الجماعة المتطرف.
هذا المقال ليس بالطبع دعوة لقمع جماعة الإخوان المسلمين في العالمين العربي والإسلامي، فسياسة إيداع قيادات الجماعة بالسجون والمعتقلات التي اتبعتها مصر خلال الحقبة الناصرية لم تكن العلاج الأمثل لتطرف أفكارهم، وإنما أفضت، بعد الإفراج عنهم خلال الحقبة الساداتية، إلى اتباع الجماعة لأساليب أكثر خبثاً وتطرفاً في محاولاتها لنشر افكارها منها الإرهاب الذي اكتوت به مجتمعات عدة محلياً وإقليمياً وعالمياً. ولكن المطلوب الآن من الحكومات العربية والإسلامية التوقف تماماً عن سياسة المزايدة الرخيصة على التدين، وإطلاق العنان لمباديء العلمانية، وتشجيع الفكر الليبرالي ورجاله في مواجهاتهم التي لا تنتهي مع الفكر المتطرف الذي تبثه الجماعة المتطرفة. ولكن هل تُقْدِمُ الحكومات العربية على اتخاذ مثل هذه الخطوات الشجاعة؟ حتى نصل إلى هذه المرحلة، أخشى أن يدفع العلمانيون والليبراليون ثمناً باهظاً لفكرهم، وأخشى أن يخسر وزير الثقافة المصري معركته مع قوى الظلام أو يقال أو يحاكم بتهمة الازدراء بالحجاب!
جوزيف بشارة