أصداء

لبنان، ما أشبه الليلة بالبارحة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

السباق نحو الهاوية: لبنان، ما أشبه الليلة بالبارحة

بسرعة ينزلق لبنان نحو حرب أهلية يحاول كثيرون تجنبها ويحذرون منها بخجل. لكنهم في أعماقهم يشعرون أنها قادمة لا محالة. بغض النظر عن الدعوات بعدم الانتقام والدعوات لضبط النفس والتحلي بروح الصبر وكظم الغيظ، بغض النظر عن هذا كله، الشارع اللبناني يغلي والقوى اللبنانية تحضر سلاحها وتبدو الحرب الأهلية هي المخرج كما تريد بعض القوى الإقليمية ليتاح لها التدخل من جديد بحجة إعادة ضبط البلاد وضمان عدم انسياق المنطقة كلها نحو الهاوية. وما أشبه الليلة بالبارحة.

لبنان يقف على مفترق طرق وكذلك سورية. ويبدو أن المجهول ينتظر في الأفق. تهديدات حزب الله والمعارضة اللبنانية بدأت تأخذ منحى خطيرا. والنزول إلى الشارع الآن أصبح محفوفا بالمخاطر لكلا الطرفين. ليس فقط خوفا من المندسين بل لان النفوس غاضبة وأي احتكاك سيكون مدمرا للطرفين.

قبل ثلاثين عاما سمحت سوريا حافظ الأسد بانزلاق الوضع اللبناني إلى الهاوية والحرب الأهلية وشجعت أطرافا ضد أطراف ثم تدخلت بجيشها وبغطاء عربي وان كانت بطانته أميركية.

جاء التدخل السوري في حينه ليعيد التوازن للفرقاء بعد أن كاد الفلسطينيون يكسبون الجولة ضد التحالف المسيحي. وقد أسهب الرئيس الراحل حافظ الأسد في خطاب متلفز في تبرير تدخل قواته في لبنان، بل خرج عن النص الأصلي للخطاب بحوالي عشرين دقيقة. كانت حجته المعلنة انه في حال هزيمة المعسكر المسيحي فان هذا المعسكر سينعزل وسيطلب تدخلا إسرائيليا وقد يعلن الانفصال وتكون آثار ذلك سلبية جدا ومدمرة على سورية وعلى المنطقة. ولاقى التدخل السوري آنذاك تأييدا قويا في مؤتمر القمة المصغر الذي عقد في جدة في تلك السنة ومن بعده من مؤتمر القمة الموسع الذي وضع صيغة قوات الردع العربية والتي تقلصت فيما بعد واختزلت بالقوات السورية وحدها كما كانت منذ البداية.

لكن السوريين مع الوقت اخذوا بتبديل تحالفاتهم. وانتقلوا في المواقف من النقيض إلى النقيض. واتهموا بجملة اغتيالات أبرزها اغتيال الزعيم كمال جنبلاط، ولم يكن آخرها اغتيال رفيق الحريري والآن اغتيال بيار الجميل. ولم يدافع السوريون عن لبنان في مواجهة الغزو الإسرائيلي عام اثنين وثمانين بل فتحوا مع حلفائهم قوات الحزب التقدمي الاشتراكي الطريق أمام القوات الإسرائليية في جزين.

كان لبنان دوما ساحة للصراعات والحروب بالوكالة. كانت مخابرات عبد الناصر في الستينات ومخابرات السعودية وإسرائيل والأردن كلها تصول وتجول في لبنان. وبعد الحرب والهزيمة عام سبعة وستين خلت الساحة اللبنانية إلا من مخابرات إسرائيل وسورية.

والآن لبنان صار ساحة لسورية وإيران بواسطة حلفائهما الذين ظلوا على موالتهم لهاتين الدولتين. تستخدمهما لتخفيف الضغط عنهما في حال ألازمات.

كان اغتيال الرئيس رفيق الحريري عملا استهدف تحويل الأنظار عن دور سورية وإيران في العراق وكذلك عن الطموحات النووية الايرانية. وعندما دارت الدوائر على سورية وإيران بعد هذا الاغتيال حركوا أدواتهم الأخرى في البلاد : المردة بزعامة آل فرنجية، وجماعة كرامي، وحزب الله واقسام من الدروز وفئات من المسيحيين. حاولوا تعطيل الحياة السياسية وتعطيل الانتخابات وإغلاق الحدود وغير ذلك من الأعمال التي جعلت الشعب اللبناني يستيقظ على ما يحاك له في الخارج.

ومع أن نتائج الانتخابات لم تأتي كما رغبت سورية فإنها ظلت تحاول إضعاف الحكومة اللبنانية وكيل الاتهامات لها جزافا. وكانت الضربة القاضية بعد الاغتيالات والتفجيرات الإيعاز لحزب الله بمغامرة الثاني عشر من تموز التي كلفت لبنان الكثير من أهله واقتصاده ومستقبله.

كانت بعض التقارير قد أشارت في وقت سابق وبعيد انتهاء القتال في الجنوب إلى أن سورية وفي محاولة منها لعرقلة المحكمة الدولية ستسعى إلى إثارة مظاهرات ومسيرات ويندس فيها مخربون وبالتالي يؤدي ذلك إلى تدخل الأمن ومن ثم انهيار الحكومة ومن بعدها الدولة ومن بعد ذلك يطلب ا لمجتمع الدولي من سورية التدخل لإنقاذ الوضع. ولم يقصر حزب الله في التهديدات أيضا، وكانت تصريحات الشيخ حسن نصرالله في الآونة الأخيرة واضحة وكلها تهديدات مكشوفة إذ كان يستقوي بالخارج. وكان واضحا أن مغامرته في الصيف الماضي لم تحل دون الإصرار على المحكمة الدولية. حتى استقالة وزراء الحزب لم تحل دون قرار تلك المحكمة.

قد تكون قوى 14 آذار تسرعت في اتهام سورية بأنها وراء الاغتيال. نعم تسرعت. وفقط تسرعت. لكنها ربما لم تبتعد عن الحقيقة. وان لم تكن سورية مباشرة فإنها القوى المؤيدة لسورية في لبنان لكنها بالتأكيد القوى التي تريد عرقلة المحكمة الدولية، لان كشف قتلة الحريري سيقلب الموازين والقوى، ليس في لبنان فقط بل في المنطقة كلها.

تلفزيون المنار وهو لسان حال حزب لله لم يتوقف طوال الأسابيع الماضية عن التحريض. قبل يومين فقط كان هناك برنامج على الهواء يستقبل مشاركات من مؤيدي الحزب ومناصريه في الداخل والخارج كلها تصب في خانة التحريض ضد حكومة لبنان.

قناة الجزيرة أيضا لعبت دورا في التحريض باستضافتها طوال الأسابيع الماضية لأصحاب الرأي المناهض للحكومة اللبنانية. حتى أنها اليوم وفي أثناء تغطية خبر اغتيال بيير الجميل، كان مذيعوها متحيزين ومنحازين. مذيعة النشرة حاولت الربط بين المؤتمر الصحفي الذي كان يعقده سعد الحريري وعملية الاغتيال إذ تساءلت مع ضيفها وزميلها غسان بن جدو مذكرة إياه بان الاغتيال وقع أثناء المؤتمر الصحفي. وكأنها تريد الإيحاء بان الحريري عقد مؤتمره الصحفي وهو يعلم بان الاغتيال سيقع.

كيف يقوم البعض بتحميل الضحية مسؤولية الجريمة؟ كيف يتهم وزير الداخلية بأنه سمح بدخول الأسلحة؟ كيف يطالبون بمحاكمة الذين حذروا من الاغتيالات المتوقعة؟ هل إذا توقع المهددون بأنهم قد يتعرضون للاغتيال يصبحون مسؤولين عنها أن وقعت بالفعل؟ هكذا تحدث أنصار سورية في لبنان وخارج لبنان.

ماذا يحمل المستقبل للبنان؟ المؤشرات لا تبشر بالخير. الاحتمال الأكبر قيام مسيرات ومسيرات مضادة وحالات استقطاب سياسي وطائفي. فكل الطوائف في لبنان الآن منقسمة على ذاتها. المسيحيون منقسمون: التيار الوطني الحر والمردة في معسكر، والكتائب والقوات اللبنانية في معسكر مضاد. السنة منقسمون: كرامي في معسكر وتيار المستقبل في معسكر مضاد. الشيعة منقسمون: حزب الله في معسكر، وبقية الشيعة في معسكر مضاد. الدروز منقسمون، أرسلان في معسكر وجنبلاط في معسكر مضاد.

إن وقعت الحرب الأهلية، وهذا ما تراهن عليه سورية الآن، هل ستظل هذه التحالفات والانقسامات كما هي، تحالفات وانقسامات سياسية، ويحارب الأخوة بعضهم بعضا؟ أم تنقلب التحالفات وتصبح حربا طائفية، وفي الوقت نفسه أيضا يحارب الأخوة بعضهم بعضا؟

يبدو الأفق مظلما، ويبدو أن النظام العربي الذي انهار مع الغزو العراقي للكويت عام تسعين لا يمكنه القيام بأي دور لحماية لبنان، والوضع الإقليمي وكذك الدولي والحسابات الخاصة بدول الجوار وإسرائيل، لا يمكنها أن تسمح بأي دور سوري يكرر تجربة التدخل عام ستة وسبعين.

يبقى الدور الدولي، الذي سيأتي بعد المحكمة الدولية، وبعد فترة عصيبة ودموية قد يمر بها لبنان، الدور الدولي قد يصدر عن مجلس الأمن بإرسال قوات دولية إلى لبنان تعيد صياغة الدولة وتفرض نظاما جديدا. ويبدو أن الموقف الدولي بات مهيأ لمثل هذا القرار الذي سيكون بمثابة رسالة صارخة سورية وتحجيما لها وتمرينا على تحجيم إيران بسبب طموحاتها النووية.

لكن الأمور قد لا تجري كما نتصور، فقد ترى الإدارة الاميركية أن من الأسهل عليها أن توكل المهمة إلى سورية بقصد أن يكون لبنان هو ثمن فك ارتباط دمشق بطهران، فيسهل لجم طموحها النووي، ويسهل تمرير البرنامج الأميركي في العراق، ويكون لبنان أيضا هو ثمن نزع سلاح حزب الله، فيسهل إقامة سلام بين سورية وإسرائيل، وهو كذلك ثمن تحجيم ولجم قوى الممانعة الفلسطينية فيسهل حل المشكلة الفلسطينية. فالإدارات الاميركية غالبا ما تلجأ للحلول السهلة المرحلية التي تخدم الإدارة التي في السلطة، وبعد ذلك الطوفان.

حسين عبدالله نورالدين
كاتب صحفي
عمان الأردن

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف