فك الإرتباط والإنتفاضة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تعقيباً على مقالنا المعنون ب"فك الإرتباط والتنبؤات المستقبلية" الذي لاقى صدى واسع بين مؤيدين ومطالبين بالإستمرار على هذا النهج لتوضيح بعض الحقائق والمستجدات على الساحة السياسية ولكي يبقى الترابط موجوداً سنأتي على تلخيص أهم ماجاء في مقالنا السابق : إن المستوطنات حول القدس ستفلت من قبضة الحل النهائي الأمر الذي ساعد على تشجيع عملية النزوح وحرمان الفلسطينيين من أراضيهم ومياههم وحرية التنقل وغيرها.
إن الأردن عندما تخلى عن الضفة الغربية لصالح منظمة التحرير إنما هو في واقع الأمر تخلى عنها لصالح إسرائيل وقام فيما بعد بتوقيع معاهدة وادي عربة منفرداً، مما أدى الى عدم قدرة قيادة المنظمة على تنفيذ الاتفاقات المبرمة مع الجانب الاسرائيلي وخصوصا قضايا الحل الدائم مثل اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود والمياه ورغم أنه تخلى عن الضفة الغربية إلا أنه رغب أن يكون له دور ما في رعاية الشئون الإسلامية والمقدسات بالمسجد الأقصى.
الآثار السلبية المترتبة على العلاقات بين أبناء الضفتين ومن ثم الخلاف بين الاردن والمنظمة حول قبول قرار 242 كمبدأ لتسوية القضية المركزية الأمر الذي أدى الى الغاء العديد من الإتفاقيات وأفقد أطروحة الخيار الطوعي والحر للشعب بين الضفتين من خلال الكونفدرالية.
ومما زاد الأمور تعقيداً بخصوص قرار الإرتباط وفك الإرتباط هو هزيمة العرب في يونيو حزيران عام 1967م، ونجم عنها تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى الضفة الشرقية وهم سكان المخيمات حالياً وسيبقوا كذلك الى أن ينتفضوا في وجه الظلم، وما المبادرات المستمرة والتي كانت ومازالت إلا لذر الرماد في العيون.
أما أصحاب الرأي الآخر فقد وصفوا تلك المبادرات بالمؤامرات التي تستهدف تصفية القضية المركزية، ومحاولة لمساعدة الجلاد على الضحية إلا أن بعض المفكرين مازالوا يعتقدون بأن الشعب الواحد في الضفتين الشرقية والغربية سيبقى وفياً لقضاياه الوطنية والقومية، ويأملون أن يأتي اليوم الذي يتحقق فيه الحلم العربي الخاص بالإتحاد الكونفدرالي بين الضفتين.
وفي هذا المقال فإننا سنخوض في مسألة فك الإرتباط من خلال النظر الى واقع الحال الذي يعتبر أقوى من أية دعاية إعلامية خبيثة، فلو دققنا في النتائج العملية والنهائية للتعايش بين ابناء الشعب الواحد في الضفتين لوجدنا حصة الاسد من نصيب أبناء الضفة الشرقية على حساب أبناء الضفة الغربية.
ولهذا فإن الشعب الواحد في الضفتين وقواه المنظمة والمناضلة من أحزاب وجمعيات وإتحادات مهنية ونقابية ومجتمع مدني، عندما تشكوا من الظلم وضعف ولاة الأمر وفساد أنظمتهم وتبعيتهم للقوى الكبرى تحت غطاء الصداقة أو التحالف أو معاهدات السلام أو حتى قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن أو أي قسم آخر فانها لا تنطلق من فراغ، لأن هذه العلاقة غير المتكافئة أتاحت للحكام ممارسة السلطة الاستبدادية الظالمة وكأن كل دولة ملكية خاصة تابعة لهم يتصرفون بها كما يشاؤون وهم السادة وغيرهم العبيد.
وبهذا التصرف يكونوا قد ألغوا دور الشعب والجماهير والمنظمات المدنية، وعطلوا مفعول الشرع الرباني وإستبدلوه بالدستور والقوانين التي عطلوها أيضاً وإن كانت وجدت أصلاً لمصالحهم وهناك أمثلة على تعديل الدستور بما يخدم رغباتهم، وأقاموا نظماً إستخباراتية وبوليسية أمنية لتحافظ على عروشهم، مقابل التنازلات المستمرة للدول الكبرى الداعمة لإسرائيل، ومن هنا ندرك ان إستقلال العرب وتحررهم لن يكون تاما وشاملا ما لم يعملوا جميعاً وبلا إستثناء على إعادة الإرتباط بين الضفتين من جهة وفك الإرتباط بالقوى الكبرى الداعمة للكيان الصهيوني من جهة أخرى وهذا الإرتباط والفك ينبغي أن يكون بشكل مطلق حتى تتغير المعادلات السياسية أو يحدث فيها توازن في العلاقات الدولية.
ومن الممارسات التعسفية التي نراها كل يوم يجعلنا نقول لاحياة لمن تنادي هذا إذا كنت قد أسمعت حياً فالعرب هم كجيران المقابر، هم جيران مع بعضهم البعض ولكن لايتكلمون ولايتزاورون ولاتعاون بينهم، ومن العجيب أيضاً أنه لم يبقى على وجه الأرض من ينكر التحالف الإستراتيجي الصهيوني الغربي الذي يعمل جاهداً وفق استراتيجية مرسومة على إبقاء العرب في حال من التشرذم والضعف والضياع والتمزق والتناحر والتبعية وفقدان التأثير في المنطقة العربية، لايجاد نوع من الإحتقان بين السلطة والشعب حتى تستطيع هذه القوى الكبرى بما فيها إسرائيل من خلاله أن تملي وتتحكم في ثروات وأنظمة وشعوب العالم العربي.
ولهذا لانجد بين الفلسطينيين والعرب عموماً في الوقت الحاضر من يطالب بالقدس والمقدسات بل أصبحت قضيتنا هي فتح المعابر والتمني على لقاء شخصيات صهيونية أو غربية أو تبني المبادرات للخروج من هذا المأزق أو ذاك أو قضية الرواتب أو الحصار الإقتصادي الذي شاركت به البنوك العربية ممعنة في التبعية للقوى الكبرى لتشديد الحصار على الشعب الفلسطيني وليس على حكومة حماس كما يدعون.
ولهذا قد لانجد مبرراً من فتح باب قرار الإرتباط وفك الإرتباط إلا لعودة ضم الضفة الغربية والعودة الى ماقبل الإحتلال الإسرائيلي للضفة وغزة عام 1967م، ولاريب أن ينقسم الشارع الواحد والشعب الواحد الى شارعين وشعبين لتحقيق أهداف خفية ونسيان القضايا الجوهرية بإفتعال أزمات جانبية وبهذا تكون القوى الكبرى قد حققت أهدافها في تجزأة المجزأ وتقسيم المقسم وتفكيك المرتبط.
هذا وإن كنا نؤيد قرار إعادة الأرتباط بين الضفتين فهو من باب إعادة اللحمة الى الشعب الواحد وتوحد رؤاه وأهدافه ومصيره المشترك وهي مناسبة لإعادة رباط وشائج القربى بين الكثير من العائلات على ضفتي النهر فنحن بحاجة الى التوحد في وجه الطغيان لا أن نتمسك بمبدأ الفصل والخوف من طغيان أبناء ضفة على أبناء ضفة أخرى لأنهما شعب واحد ومعظمهم من عائلات واحدة إندمجت فإنصهرت فيما بينها وأولاً وأخيراً يجمعهم دين واحد ولغة واحدة ومصير مشترك واحد.
وبغض النظر عمن يعارض أو يوافق دعونا ننظر للموضوع بعين الواقعية التي تقتضي العودة للنظر فيما سببه قرار فك الارتباط المماثل لوعد بلفور المشؤوم في النتائج ويمكن حصر بعض النتائج السلبية ومن أهمها ما يلي :
- أصبح كل من كان يعيش في الضفة الغربية المحتلة محروما من الهوية لأن الحكام قد تنازلوا عنه وعن أرضه وألغوا الوحدة بين الشعب الواحد في الضفتين ليصبح شعبين رغم أن الأصول والمنابت واحدة.
- حرم الكثير فيما بعد ممن أضطرتهم ظروفهم للهجرة والعيش في الضفة الشرقية من أية تسهيلات كونهم أصبحوا شعب آخر ويعاملون في الضفة الشرقية معاملة الأجنبي بل أقل درجة من ذلك.
- لا يحق لأبناء الضفة الغربية الذين يحملون جواز سفر ولكن بدون رقم وطني أن يسجل مشروعا أو بيتا بإسمه في الضفة الأخرى علما بأنه يحق لكل من يحمل أي جنسية أخرى من دول العالم بمن فيهم حملة الجنسية الإسرائيلية أن يتمتع بهذا الحق والسبب المعلن هو أن ذلك من نتائج فك الارتباط والحفاظ على الهوية من الإنقراض رغم أن نصف سكان الضفة الغربية نزحوا الى الشرقية ومنحوا الجنسية لأسباب معروفة.
- لايحق لأبناء الضفة الغربية ممن لا يحملون الجنسية أن يسجلوا أبناءهم في المدارس حتى ولو كانت الأم أصلها من الضفة الشرقية وإستمر هذا الوضع لمدة طويلة بين الإلغاء والإعادة وسيستمر حتى تتحق الكونفدرالية، أو إنتفاضة جديدة تطالب بالعدل والمساواة في الحقوق والواجبات.
وهذا غيض من فيض الأمر الذي يدعونا بشدة للتمسك بقرار الإرتباط ليعود الإتحاد بين الضفتين ويستمر الإندماج بينهما ويحمل كل منهما نفس الهوية ويعاملون كمواطنين لنمحوا آثار العدوان وآثار أيلول الأسود عام 1970م، وأن يحافظ أبناء الضفتين على إستمرار العلاقة الطيبة بينهما.
ومن عاصر الأحداث التاريخية وقت صدور قرار فك الإرتباط إندهش في حينها كيف يمكن لهذا الأمر أن يتم أو يطبق عملياً ؟، ولاسيما أن أكثر من نصف سكان الضفة الشرقية كما هو معروف هم من أبناء الضفة الغربية بل وكثير من الوزراء ورؤساء الوزراء في الحكومات المتعاقبة هم شخصيات من الضفة الغربية أصلا بل واكثر من ذلك انه لا تكاد توجد عائلة في الضفة الغربية إلا ولها إمتداد في الضفة الشرقية وكذالك عائلات وعشائر الضفة الشرقية كان لها إمتداد في الضفة الغربية وان أكثر الإستثمارات المتبادلة بين الضفتين تعود لهذه العائلات والعشائر وهناك تداخلات وتشابكات كثيرة اخرى كافية للتاكيد باستحالة الفصل بين الضفتين بل حتما ستعود وتصبح ضمن حدود دولة واحدة رغم أنف الكثيرين.
وأنه ليس هناك مصلحة لتقسيم الضفتين الى دولتين إلا مصلحة الكيان الصهيوني الغاصب لإحدى الضفتين ويطمح لإغتصاب الضفة الأخرى وبعد قرار فك الإرتباط الذي إقترب من العقدين منذ العام 1988م، ولا يخفى على احد أنه لم يكن لاي منها أي ايجابية للقضية المركزية بل كان لها آثار سلبية يستطيع القاصي والداني ملاحظتها ومعرفتها.
إن المشاكل المستعصية التي يمكن ان يواجهها الشعب الواحد في الضفتين بسبب قرار فك الارتباط لا تزال قائمة لان الضفة الغربية مازالت تحت الاحتلال الاسرائيلي ولو قدر انسحاب اسرائيل من الضفة الغربية وغزة وقيام دولة عربية مستقلة فيهما لبرزت مشكلات تشريعية وتشوهات ديموغرافية وطبوغرافية حادة ستأرق مضجع الحكام وأقلها سيكون مشابه لما نسمع عنه من مشاكل مستعصية تحدث كل يوم بين روسيا والدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي قبل انهياره.
ان الوقت مناسب ليبادر قادة الضفتين للبحث الجدي في الاتحاد الكامل والاتفاق على أسس مناسبة لتحقيق وحدة متينة بين الضفة الغربية والشرقية وغزة على أن تضمن هذه الاسس استمرار وجود قضية اسمها " القضية المركزية" حتى تحرير كامل التراب الوطني من البحر الى النهر.
انني على يقين انه اذا تم اجراء تصويت على هذا الامر في الضفة الشرقية والغربية وغزة سينال الموافقة بنسبة عالية جدا اذكر هذا لان الملك حسين كان يطالب بعرض هذا الامر للتصويت بين أبناء الضفتين.
وما يهمنا هنا هو توضيح مسألة الارتباط وفكه، فمن المعروف أن أبناء الضفة الغربية اجتمعوا في مدينة أريحا عام 1950م، بقيادة الشيخ محمد علي الجعبري، وقرروا التوجه بطلب للملك عبدالله الأول بضم الضفة الغربية للعرش الهاشمي ووافق الملك على الطلب، واتخذ قرارا بتشكيل مجلس تمثيلي (برلمان) للضفتين بعدد متساو من الأعضاء، اجتمع المجلس المنتخب في نيسان/إبريل، 1950م وأعلن الوحدة التامة بين الضفتين والتساوي في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين، وأكد على "المحافظة على كامل الحقوق العربية والدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة وعدم مس التسوية النهائية لقضيتنا العادلة في نطاق الأماني القومية والتعاون العربي والعدالة الدولية."
كانت الوحدة بين الضفتين ناجحة على المستوى الشعبي، أما من الناحية السياسية لم تكن كذلك، والجميع يطالب بوحدة عربية لأنها أفضل من عدم وجودها، وتعرضت هذه الوحدة سلبيا مع إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1965م، بسبب مزاحمة المنظمة لرغبة الملك الأردني في تمثيل الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية عموما، وتميزت العلاقات بين المنظمة والمملكة بالتوتر، وأخذ كل طرف موقعه في الصراعات والخصومات العربية التي كانت سائدة حينئذ.
كانت هزيمة عام 1967م، قاسية على فكرة الوحدة العربية، وعززت شعور الفلسطينيين بأن الأنظمة العربية لا يعتمد عليها، وأن عليهم أن يشقوا طريقهم بأنفسهم، وتأثرت المشاريع الوحدوية سلبياً، وتعمقت مشاعر الانفصال بعد حرب أيلول/1970م، بين الجيش والمقاومة وإزدادت رغبة منظمة التحرير بالانفصال بعد حرب تشرين/1973م، وتكللت مساعيها بإعتراف مؤتمر القمة العربي لعام 1974م بالمنظمة ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وقد كانت كلمة وحيدا موجهة لملك الأردن، ولكنه نفض يديه من القضية المركزية ليخرج من مشكلة البحث عن أو المشاركة في حل.
لم يكن الملك مرتاحا لما جرى، لكن توازن القوى العربي عندئذ لم يكن يميل لصالحه، وقبل القرار على مضض، لكنه استمر في تسيير الشؤون الإدارية للسكان في الضفة الغربية، وإستمر في التعامل معهم على أنهم مواطنون وكان الناس إجمالا مرتاحين لوجود منفذ إداري واقتصادي لهم غير الاحتلال، لكن أصحاب الوعي السياسي لم يكونوا مرتاحين بسبب العلاقات التطبيعية بين النظام الأردني وإسرائيل، بالرغم من مشاعر الشك والريبة بين القيادات السياسية، واستمرت المجاملات السياسية إلى أن بلغت الأمور حدها الأقصى أثناء إنتفاضة عام 1987م.
قرر الملك الأردني أن يفرط العقد عام 1988م، ووقع قانونا يلغي قانون الارتباط لعام 1950م، وصدرت التعليمات للتعامل مع أبناء الضفة الغربية بصفتهم غير مواطنين ولم يكسر الملك الجرة دفعة واحدة، وراعى ظروف السكان، وعمل على إخراجهم من دائرته القانونية تدريجيا، حتى إكتمل فك الارتباط.
يأتي الآن حديث حول مراجعة فك الارتباط، ولا أظنه ينفصل عن رغبات العديد من أبناء الضفتين وهناك مواطنون يرون بأن إدارة الأردن أفضل بكثير من إدارة السلطة الفلسطينية، وأن عودة الإدارة الأردنية إلى الضفة الغربية بالذات يشكل مخرجا من الأزمة الإدارية في الضفة الغربية، وكذلك عودة الإدارة المدنية المصرية الى قطاع غزة يشكل مخرجاً من الأزمة الإدارية في قطاع غزة.
فهل نحن أمام مبادرة جديدة بهذا الشأن ؟، أم نحن أمام إنتفاضة عارمة تكون أوسع نطاقاً من سابقاتها؟
مصطفى الغريب