أصداء

العراق جنة 4

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

البحث بالاتجاه المعاكس

رحلة موسى إلى (شجرة) المعرفة

سنرى اليوم مدى اتفاق ما تقدم من معلومات عن الجنة مع قصة النبي موسى الواردة في سورة الكهف، و التي تسمى في كتب قصص الأنبياء بقصة موسى مع الخضر الذي شاعت الحكايات عن خلوده.

فسورة الكهف أتت للتدليل على أن علم الله يفوق كل علم، و ضربت الأمثلة في أدب طلب العلم كما أتت للمسلمين بأحاديث شيقة لم يعلمها قبلهم أهل الكتاب :

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا، فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)(الكهف: 60-66).

سبب هذه القصة يفسره لنا الحديث النبوي من أن موسى بن عمران (..قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم ؟ قال أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى يا رب وكيف لي به؟ قال تأخذ معك حوتا؛ و في رواية أخرى: حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح؛ فتجعله بمكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم..).

يظهر لنا موسى عزما و إصرارا لبلوغ من يعلمه من أمور يبلغ بها الرشاد في الدنيا، و في قوله( لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) تفيد أنه يتعهد بتحمل المشقة بعدما نالت منه مصمما على المتابعة، كما شق على أكبر إخوة يوسف حين حيل بينه و العودة بأخيه من أبيه:(لن أبرح هذه الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي)( يوسف 79).

نقطة أخرى هامة يشرحها لنا أصحاب المعاجم، حيث يشركون في معنى البحر النهر الكبير المستمر بالجريان من مثل دجلة و الفرات و النيل، ليصير المجمع مكانا لالتقاء البحرين أو النهرين، و بالمناسبة فقد أطلق على شعب جنوب بلاد الرافدين خلال الألف الأول ق.م (شعب البحر).

في حين أن المفسرين الذين ينقل عنهم ابن كثير؛ دون إبداء رأيه الخاص؛ من مثل قتادة و غيره يقولون عن البحرين بأنهما: هما بحر فارس مما يلي المشرق، و بحر الروم مما يلي المغرب! دون أن تبين أن كانا يلتقيان أصلا، فبحر فارس كما اعلم هو الخليج العربي، و بحر الروم هو البحر الأبيض المتوسط فهل يلتقيان، أو هل سبق و التقيا؟ و أين؟ إلا أن يكون بحر القلزم هو المقصود و بالتالي لا وجود لبحر فارس؟، بينما كتاب الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل لآية الله الشيخ مكارم شيرازي المفسر على المذهب الشيعي يحدد ثلاثة مواضع لمجمع البحرين المندب و جبل طارق الذي يستبعده بسبب المسافة الفاصلة، فيما يرجح منطقة تفرع البحر الأحمر إلى خليج العقبة و قناة السويس موضعا!، ألا تلحظ معي أن المفسرين اختصوا بتفسيرهم كلمة البحر بمعنى واحد؟، فيما غاب عنهم استخدام المعنى الثاني للكلمة من كونه النهر الكبير دائم الجريان، و جرير الشاعر الأموي يقول معينها لنا النهر الذي لم يطق عنه الحوت بعدا:

فَلَوْلا حُبّها، و َإلَـهِ مُوسَـى، لودعـتُ الصبـا والغانيـاتِ

و ما صبري عنِ الذلفـاءِ إلاَّ كصبرِ الحوتِ عنْ ماءِ الفراتِ

ضع تحت هذه الملاحظة خطا، و أتركك لتشطح مع أفكار الدكتور كمال الصليبي بتحفظ.

و من المروي عن ابن عباس رضي الله عنه ينقل صاحب كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور، أن مكان العبد الصالح (الخضر) كان على شاطئ البحر، و أن طريق موسى التي ابتعدا فيها كثيرا عن قومهما، و بعدما نسيا الحوت كانت صعودا! لهذا وجب أن تكون عودتهما نزولا؟ ضع خطا تحت الفقرة كلها.

معنى سربا: مسلك و طريق، و في تفسير آخر أن الماء كان يجمد بعدما اتخذ الحوت سبيله فيه، و كان عجبا بالنسبة لفتى موسى طريقه غير معقولة، ذلك أن الحوت (السمكة) كانت مشوية و في تفسير ابن كثير مملحة و في المعنى العام الظاهر معدة للأكل، فكيف تدب فيه الحياة مجددا و تتخذ إلى الماء سبيلا! ضع تحت تدب فيها الحياة خطا آخر؛ بالنسبة لتسميه رفيق موسى بالفتى هنا، فهذا لا يعني الصغر في السن حيث من معاني الفتوة القوة و الشباب، كذلك لبس السروال "البنطلون" كما يقول إخوتنا الشيعة لا فتى إلا علي؛ بينما لم يتبين من إجابة موسى العجب مما حدث، فأجابته واضحة:(ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ)! لكون مكان فقدان الحوت هو العلامة على موضع مجمع البحرين.

بعدما غاب الحوت في الماء متخذا سبيله سربا بقي تجمد الماء علامة للمكان، و بعدما عادا نزولا يقصان أثار أقدامهما نحو المكان الذي فقدا عنده الحوت وجدا الخضر الذي وصفت الآيات ما لديه من علم بالرباني، لم يعلمه موسى رغم أنه من أولي العزم: (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا)، ضع تحت الجملة السابقة خطين بدلا من واحد، لنقف هنا قليلا و لنبحث عن الخضر.

محاولة في تأريخ الحدث

لا يمكننا المضي في البحث عن تأريخ هذه الرحلة و زمن الالتقاء مع الخضر عبر البحث في المقارنات التاريخية ( كرونولوجي) لملوك العالم القديم في عهد النبي موسى، مستعينين بما نقله لنا الإخباريين العرب من أسماء مث الضحاك و أفريدون و هدد بن مدد:

المألوف أن فرعون موسى هو رمسيس الثاني( Ramesses II ) ثالث فراعنة الأسرة التاسعة عشر الذي حكم مصر لمدة 66 سنة (1279- 1212 ق.م).

الخضر المذكور في السورة، يجعله ابن كثير في قصص الأنبياء في زمن أفريدون بن أسفيان، فيما الإخباريين العرب ينقلون بدورهم عن النسابة الفرس أن أفريدون من ملوكهم من نسل الملك جمشيد، الذي أعقب الضحاك في الملك؛ حيث الضحاك هنا هو اسم معرب فيما ورد بأن اسمه هو بيوراسب بن ونداسب؛ و سلبه الملك.

لينقلنا ابن كثير و الإخباريون شرقا حيث فارس!، التي كان اسمها في فترة موسى و رمسيس الثاني، مملكة عيلام، فيما قد يتشابة لقب الضحاك مع اسم الملك ( Kiddin-Khutran ) العيلامي مع التحفظ على انه ظهر في فترة لاحقة (1235-1210ق.م)، للأسف لم يسعفني ما وقع بمتناولي من معاجم أصول الكلمة في تبين ثبوت أسم هذا الملك من خلال نقوش أثرية، أو أنه نقحرة للاسم المعرب عند الإخباريين و النسابة العرب؟.

تزامن حكم رمسيس الثاني؛ أي زمن النبي موسى بن عمران؛ مع الدولة الأشورية الوسطى بين فترتي حكم شيلمنصر الأول بن أدد نيراري ( Shalmaneser ) (1263ـ 1233ق.م)، و حكم ابنه توكلتي ننورتا الأول Tukulti-Ninurta) ( 1233 ـ 1196ق.م) الذي أخضع بابل للمرة الأولى تحت الحكم الآشوري المباشر، ردا لأطماع الحاكم العيلامي اونتش ـ كال(حكم بين1275- 1240 ق.م؛ أونتش نابريشا، Untash-Napirisha ) في ضم بابل.

الخلاصة

بعد جمع الملاحظات التي وضعنا تحتها خط، متحررين من التقيد بالفكرة المترسخة عند المفسرين بحصر دلالة البحر بمعناها الخاص، آخذين بالقرائن الأخرى من أسماء الملوك الذين روى المفسرون عن زمن معاصرتهم للخضر هما أفريدون و الضحاك، علاوة على اسم الملك الذي خشي الخضر على سفينة المساكين منه هو هدد بن بدد، و كون موسى قد لاقى النصب بعدما ابتعد طويلا، و أن مسيره اتخذ طريق الصعود قبلما يتذكر فتاه إخباره بما حصل من الحوت، لنراهما يعودان نزولا، و أن ابن كثير في تفسيره مما نقل لنا عن جنس الشجرة التي نهي آدم و حواء على الأكل منها، أنها من النخل.

سنخلص إلى تفسير يجمع شذرات الحقيقة المتناثرة لدى المفسرين بعد تصويبها من خلال إعادة قراءة معاني الجنة و عدن و البحر، و بعد مطابقة أسماء الملوك الواردة في التفاسير على المكان الجغرافي ضمن السياق التاريخي، إلى أن موسى التقى الخضر في عراق اليوم في القرنة شمال البصرة حيث مجمع (بحري) دجلة و الفرات، جنوبا و قريبا من منطقة سيطرة ملوك عيلام، و بالمحصلة يكون موسى و فتاه يوشع بن نون؛ خليفته من بعده في بني إسرائيل و الذي اصطحبه بعد الخروج من التيه و بعد وفاة هارون؛ قد وصلا بلاد الرافدين في عهد المملكة الآشورية الوسطى و تحديدا بين فترتي حكم أدد نيراري و حفيده توكلتي ننورتا، يؤكدها أن هدد بن بدد الذي أثبته المفسرون في قصة السفينة التي خرقها الخضر و بحسب روايات الإخباريين العرب المتواترة بالمشافهة، هو الاسم المصحف لوالد شلمناصر (أدد نيراري)، حيث هدد أو حدد هو اسم اله العاصفة و الصواعق!.

إن شئت؛ راجع الوصايا العشر، بالمقارنة مع شريعة حمورابي. و محاضرة الأب سهيل قاشا بعنوان "التراث البابلي الديني، سرقته وتشويهه" التي ألقاها في بعقلين بتاريخ 6 كانون الأول 2003، و التي وجدتها منشورة على موقع شبكة المعلومات السورية حيث يؤكد أن توجه موسى شرقا نحو بابل!.

إذا رحلة موسى كانت باتجاه مسقط رأس إبراهيم، حيث الجنة الأرضية التي اخرج منها آدم، و حيث شجرة الحياة و المعرفة السمكة التي قامت من الموت و الرجل العارف العالم من علم الله، و هذا يتفق مع موضع شرقي عدن( الحالية)، و يتفق في الحكاية التوراتية مع حداقل و الفرات اللذان يجتمعان في القرنة، و ينفي الفكرة السائدة عند الإسلاميين من كون طرد آدم كان إلى الهند حيث سيحون و جيحون، إلا أنه السؤال المحير إن أخذنا بما في التوراة من كون جنة عدن محاطة بدجلة و الفرات، نجد أن عدن آدم غير مدينة عدن الحالية! فوصف السهل " في جنة عدن" في سفر التكوين لا يعني كثرة الماء فيه، بل يعني كونها على مصدر مائي واحد يتفرع لأربعة أنهر!. و أن كانت بيت عدني هي عدن بحسب التوراة، فالبحث عن شرقها هنالك يناقض كل ما اتفقت عليه المصادر، مما يجعلنا نقر بوجود لبس ما حدث لدى محرري التوراة أنفسهم.

ملاحظة أخيره عن سورة الكهف جديرة بالتفكر أيضا، فلقد أتت على ذكر جنات عدن في الآية (31) في وصف جزاء الصابرين:( أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا).

هذا ما و جدته بعد اجتهاد حر دون تقيد بأفكار مسبقة، و هو لا يختلف فيما أرى مع الوصف القرآني للجنة التي وعد بها المتقون حيث ينتهي الابتلاء و تكون مكافأة لمن أخلص لله عمله، على كل حال يبقى لي أجر الاجتهاد إن لم أقع على الصواب، لكن رجائي من عزيزي القارئ أن يبحث كما فعل النبي موسى، راجع تفسير ابن كثير و القرطبي، و كتاب ابن كثير في قصص الأنبياء، و كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم الجوزية.

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا.

محمد ملكاوي

http://sadoog.maktoobblog.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف