أصداء

النزول إلى الشارع

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

النزول إلى الشارع مفردة سياسية جديدة تستخدم في القاموس السياسي العربي، والتهديد بالنزول إلى الشارع صار يعكس حالة احتقان وانسداد في الأفق السياسي لدى المعارضة والقوى الحاكمة في بعض الدول العربية.
لبنان يبدو اليوم في ظل الأزمة المستحكمة التي يعيشها أكثر الأمثلة بروزاً وحضوراً في المشهد العربي والإقليمي، وبات الجميع يحبس أنفاسه بانتظار مشهد مخيف سيقلب الطاولة على الجميع.


التهديد بالنزول إلى الشارع ربما لايكون متاحاً في بعض الدول العربية لأنه من المحرمات لكنه في لبنان حاضراً لارتباطه بمعادلة الديمقراطية والحرية والطبيعة الفسيفسائية للمجتمع اللبناني، ورقة الشارع صارت اليوم ورقة رابحة وقوية لذلك فالمعارضة تهدد بها النظم الحاكمة في بعض الدول لتحقيق أغراضها ومحاولة انتزاع بعض التنازلات بعد أن يئست من نيل مطالبها بوسائل العمل السياسي والديمقراطي.

ولأن بعض النظم العربية جبلت في تعاملها مع المعارضة بروح الوصاية والهيمنة فإنها لاتقبل الرأي الآخر غير أنها تتجمل بالديمقراطية وتتباهى بها أمام الأمم وتتخذ منها ديكوراً أمام المجتمع الدولي، لكن بالمقابل هل يمكن القول أن منظمات المجتمع المدني في الوطن العربي صارت مهيأة لإدارة اللعبة السياسية وبالتالي توجيه الشارع حين يتم اللجؤ إليه والسيطرة على اتجاهاته للحفاظ على السكينة العامة وأمن المجتمع.
غير أن النزول إلى الشارع ليس عدلاً دائماً ولايمثل تعبيراً صادقاً عن المجتمع في كل حالاته فهو قد يستخدم للتخريب وضرب الآخر وبداية لانفلات يقود الجميع إلى الهاوية.


الكارثة الكبرى أن الأوضاع في بعض الدول العربية مبنية على أسس هشة بعيداً عن العمل المؤسسي والتقاليد المنظمة لذلك فإن خيوط اللعبة تتجمع بيد الفرد وإن فلتت الأمور انفرط عقد المسبحة وضاعت البلاد والعباد.
ربما يكون المشهد مختلفاً في أوروبا التي قطعت أشواطاً كبيرة في تطورها الديمقراطي والحضاري، ولاشك أن الثورة البرتقالية في أوكرانيا ونجاحها في إسقاط النظام قد ترك دروساً يستفاد بها في العالم الثالث الذي مازالت معظم نظمه تتمترس خلف إجراءات بوليسية وقمعية شديدة وتبني لذلك جيوشاً جرارة تترصد للداخل أكثر منه للخارج.


غير أن هناك محددات ومفاهيم جديدة تغزو المنطقة من شأنها مع الأيام أن تخفف من غلو التسلط والهيمنة المغلقة فالنظم اليوم صارت تضع للخارج حسابات كثيرة لعوامل تتعلق بالعلاقات والمصالح وبشرعية الحكم ورضا القوى الدولية.


ويبقى لبنان تجربة لها تميزها وخصوصيتها ولايمكن تطبيق حالتها ومايعتورها من مخاض داخلي على دول أخرى.
لبنان يبدو اليوم وكأنه يفقد مؤسسات الحكم الجامعة والضامنة للتوازن الوطني، وتحولت هذه المؤسسات إلى متاريس للمواجهة تبدي من خلالها طائفية ومذهبية صريحة.
وتبدو مخاوف الناس من الشارع مشروعة لأن الشارع يعني لهم انهيار التوازن الحامي للدولة، لذلك يرى البعض أن التهديد بالشارع مقابل الشارع يعني التسليم بواقع انهيار الدولة،ويشعر اللبنانيون ربما للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف بالخوف والذعر من النزول إلى الشارع.


أما وقد نفذت المعارضة اللبنانية تهديدها بالنزول إلى الشارع وشرعت في المطالبة بإسقاط الحكومة فإن كل الاحتمالات صارت مفتوحة في ظل التعبئة الحاصلة على طرفي المعادلة وفي ظل التحشيد الجماهيري واستحكام الأزمة ووصولها إلى مدى خطير.


لقد بات لبنان اليوم أمام أزمة تفسير الدستور وأمام أزمة حكومة مشلولة أو على الأقل مشكوك ومطعون بدستوريتها كما تطرح المعارضة.


في ظروف كهذه يتمترس كل طرف وراء مطالبه وأجندته الخاصة، وليس بعيداً عن كل ذلك التداخلات الإقليمية والدولية ولعبة المصالح والنفوذ في لبنان، الذي تحول إلى ساحة خصبة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وتساق لبنان مع الأسف إلى أتون حرب أهلية مدمرة ضمن أجندة خارجية.


وتبدي بعض الأوساط تخوفها من النيات المبيته لدى بعض الأطراف، يقول أحد رجال الدين اللبنانيين إن الشوارع ليست هي المكان المناسب للحلول، لان الشوارع يمكن أن تؤزم الأمور وتدفعها نحو المجهول، داعياً إلى العودة إلى ممثلي الشارع في البرلمان.


لبنان يمشي اليوم على حبل مشدود والأوضاع تتجه من التصعيد إلى لحظات الانفجار وتبدو سياسة شد الحبال هي المسيطرة على الوضع الداخلي دون ظهور أي بوادر حلحلة.


يقول رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط أن النزول إلى الشارع لغم بالنسبة إلى الطرفين لان عناصر التخريب ظهرت بوادرها، لذلك يرى البعض أن الشارع ليس لمصلحة احد. ومن الأفضل العودة إلى طاولة الحوار بهدوء دون عصبية، ووضع الثوابت و الممكن وغير الممكن، وأيضا وضع أفق لازدهار لبنان، لذلك على الجميع التقاط الفرصة الأخيرة لتفادي السقوط المدوي.

صالح القاضي

* صحفي يمني - دبي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف